أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من حرب الرشاشات إلى حرب المصطلحات

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)

من قال إنّ المعركة بين الحق والباطل قد انتهت؟!، إنها لم تنته ولن تنتهي، بل هي قائمة إلى قيام الساعة، لكن بأساليب وطرق مختلفة تتناسب مع الظروف. حينًا نرى هذه المعركة عسكرية، وحينًا معركة إعلامية، وحينًا آخر معركة نفسية، وحينًا معركة مصطلحات. فما هو المقصود بحرب المصطلحات، تلك الحرب القائمة في وقتنا الحاضر وتهاجم فينا، دون دراية منا، أو جهلا بما يحيكون لنا أو استهانة بها.

من أهم ميزات هذه الحرب، أنها تحاربنا بسلاح “القوة الناعمة” حيث يبدأ الأعداء بالترويج لمصطلح ما، والإلحاح عليه إعلاميا حتى يصبح هذا المصطلح سهل التداول والتقبل بين الناس، لا بل، والتسليم به، واعتباره كلامًا فصلا لا يقبل النقاش، وبذلك يروّضون الشعوب على الاستكانة والهزيمة والتبعية للأعداء، وذلك من خلال خلق صورة نمطية عالمية لبعض المصطلحات المُراد ترويجها، من خلال عدة طرق أهمها:

  1. تجميل المصطلحات القذرة وتصويرها بشكل ليّن وأخف صورة واستبدال الألفاظ الواضحة أو القاسية بألفاظ أخف وطأة على السامع. وأول من حذّرنا من هذه الحرب الخبيثة كان الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حين أخبرنا: (لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم، حيث أصبحت الخمر لا تعرف إلا بالمشروبات الروحية، وأصبح الشذوذ الجنسي خيارا شخصيا، والزنا والدعارة، أصبحت حرية شخصية، وأبناء الزنا أصبحوا أبناء الحب، والأفلام والمسلسلات والأغاني الماجنة الفاسدة المفسدة للأخلاق، أصبحت فنًا، وسبّ الذات الإلهية والتطاول على الأنبياء، أصبح حرية تعبير!
  2. تشويه مصطلح جيد والعمل من خلال الإعلام على ربط هذا المصطلح الجيد بأمور سيئة، وذلك ما نلاحظه في الإعلام الغربي العالمي، وفي بعض المنصات الإعلامية العربية المتواطئة، حيث أصبحت عبارة الله أكبر مرتبطة بصورة تلقائية نمطية بتفجير مشفى أو مدرسة أو بشخص ملثم يذبح أناسا، وعبارة لا إله الا الله كذلك، أصبحت مرتبطة بداعش ومثيلاتها ممن تستبيح الحرمات، وعبارة مقاومة أصبحت إرهابا، فأصبح الشعب الذي يقاوم المحتل ويعمل لأجل تحرير وطنه وأرضه، إرهابيا. مصطلح الأصولية الذي كان اسما لطائفة متشددة من النصارى تحرم استخدام الوسائط الحديثة وتعتبرها مخالفة لدين المسيح، أُسْقِط هذا المصطلح الغربي المسيحي في هذه الأيام على كل من يتمسك بالدين أو يدعو للعودة إلى الأصول والتشريع الإسلامي.
  3. طمس مصطلحات دينية أو وطنية أو عقدية واستبدالها بمصطلحات جديدة وترويجها مكانها، مثلما فعل الغرب الصليبي في حذف كلمة الأندلس واستبدالها بكلمة إسبانيا، وذلك حتى ينسى المسلمون والأجيال الناشئة فردوسهم المفقود، كما تعمل الآن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بمساعدة البعض من أتباعها المنبطحين بالترويج لمصطلحات صهيونية والترويج لها عالميا ومحليا كمصطلح (جبل الهيكل المسمى اليهودي) مكان المسجد الأقصى الثابت دينيا ووطنيا لنا كمسلمين، ومسمى حائط المبكى مكان حائط البراق!
  4. إشاعة وترويج المصطلح الخبيث: كما فعلت أمريكا عند غزوها للعراق بإشاعة مصطلح “الفوضى الخلّاقة” الذي من خلاله عمل على تفتيت العراق ديموغرافيا وجغرافيا ودينيا. ومما ذُكِر أعلاه يتضح لنا حجم المخاطر التي نتعرض لها نحن وأبناؤنا إذا ما سلّمنا واستسلمنا لهذه الحرب وأغمدنا السيوف، فإنه لا محالة سوف نُصهر ونذوب ونفقد خاصيتنا الدينية والوطنية والأخلاقية، لأن حرب المصطلحات تعمل بالتأثير على الشعور والوجدان، خاصة إذا ما عمل على ترسيخها الإعلام ومناهج التعليم، فكما يقول الأستاذ الشاعر محمد إقبال: إن العلم والتعليم بمثابة حمض أسيدي تصهر بهما العقول وتصاغ من جديد، وهذا ما يعمل عليه أعداء الإسلام بتغييرهم المناهج التعليمية وفق مخططاتهم واستراتيجياتهم الهادمة لكل ما هو إسلامي وأخلاقي.

لذلك، علينا الحذر ثم الحذر والتوعية ثم التوعية من مخاطر كل مصطلح وتداعياته علينا وعلى أبنائنا، فكما ذكرت هنالك بعض المصطلحات للفظها تأثير أشد وطأة من تأثير معناه، وبما أن أغلب الناس يتأثرون باللفظ والكلام وقلة منهم يعتمدون على التحليل والبرهان والدليل، فقد انتبه لذلك الغرب الصليبي قبلنا لذلك وجعل من ضروريات فن السياسة استخدام المصطلحات الرنانة البراقة التي تؤثر في الناس، وتجعلهم أشد تعلقا بتلك السياسة، وخير مثال مصطلحات: الشيوعية التقدمية، الرأسمالية، الوجودية وكثير من المذاهب التي تبنتها دول وقامت عليها حضارات، مع العلم أن هذه الشعوب بعد أن فهمت المعنى الحقيقي لهذه المصطلحات البراقة تخلت عنها. ومن هنا نؤكد أن التلاعب بالمصطلحات من أخطر الوسائل في التأثير على فكر وعقيدة أبنائنا، وعلينا التمسك بمصطلحاتنا الإسلامية والتشبث بها بالنواجذ لِما لها من أثر في بناء عقول ومفاهيم شبابنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى