أخبار عاجلةمقالات

فن ادارة الخلافات الزوجية (1)

توجان سليمان- الأخصائية نفسية وعلاجية (جمعية سند لصلاح الاسرة وبناء المجتمع)

لا تخلو الحياة الزوجية أبدًا من بعض الخلافات أو المشكلات التي يمرّ بعضها بشكل عارض، وهي من الملامح التي لابد أن يستوعبها كل من الزوجين، وأن يكون لديه القدرة على تفهم موقف الطرف الآخر، والقدرة على التعامل مع الخلاف على حسب درجته وأهميته.

وبعض الأزواج والزوجات لا يراعي لهذه الخلافات انتباهًا كافيًا أو لا يهتم بحلها بشكل حاسم، فتتراكم وتسبب المزيد من المشكلات الأكثر تعقيدًا والتي ما كانت لتتفاقم لو تم التعامل معها فورًا، وبعض الأزواج والزوجات يبالغ في ردود الفعل تجاه هذه الخلافات ويعتبرها بداية نهاية العلاقة بشكل نهائي ونحن نقول لهؤلاء وأولئك، أنت بحاجة إلى التعامل بوعي مع الخلافات الزوجية، وبحاجة إلى تعلم فن إدارة هذه الخلافات….وفي السطور القادمة طرق لإدارة الخلافات الزوجية.

 

احذر هذه السلوكيات

في البداية نشير إلى أن الأسلوب الذي يتبعه الزوجان في مواجهة الخلاف إمّا أن يقضي عليه أو يضخمه ويوسع نطاقه ويزيد من حدة الخلاف الواقع بينهما، وقبل الدخول في كيفية حل الخلافات يحسن التنبه إلى هذه المحاذير:

أولًا: لا شك أن للكلمات الحادة، والعبارات العنيفة، والكلمات غير الموزونة والمحسوبة، لها صدى يتردد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف، علاوة على الصدمات والجروح العاطفية التي تتراكم في النفوس، لهذا ينبغي البعد عن الكلام الفاحش، والحط من النسب أو الجاه أو المكانة، أو سب الأسرة والأهل والأقارب أو حتى الكلمات القاسية الجارحة المهينة، أو الإشارة لعيوب ونقائص الطرف الآخر حتى لو كانت صحيحة.

ثانيًا: لزوم الصمت والسكوت على الخلاف، حل سلبي مؤقت للخلاف، إذ سرعان ما تتراكم الخلافات معًا، وتصبح متعددة، وكثيرة عبر الزمن، لذا فلابد من حلها أولًا بأول بلا تأجيل. فكبت المشكلة في الصدور بداية العقد النفسية وضيق الصدر المتأزم بالمشكلة، فإما أن تتناسى وتترك ويعفى عنها ويرضى الطرفان بذلك، وإما تطرح للحل. ولابد أن تكون التسوية شاملة لجميع ما يتخالج في النفس، وأن تكون عن رضا وطيب خاطر حتى لا يتجدد الخلاف أو تثار المشكلة القديمة مع المشكلة الجديدة.

ثالثًا: معرفة أثر الخلاف وشدة وطأته على الطرفين: فلا شك أن اختلاف المرأة مع شخص تحبه وتقدره، يسبب لها كثيرا من الإرباك والقلق والانزعاج، وبخاصة إذا كانت ذات طبيعة حساسة.

رابعًا: البعد عن التعالي بالنسب أو المال أو الجمال أو الثقافة، فإن هذا من أكبر أسباب فصم العلاقات بين الزوجين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الكبر بطر الحق وغمط الناس” أي رد الحق واحتقار الناس.

ورُوي مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن اللَّهَ أَوْحَى إلى أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ”.

خامسًا: عدم اتخاذ القرار إلا بعد دراسته، فلا يصلح أن يقول الزوج في أمر من الأمور لا. أو نعم. وهو لم يدرس الموضوع ولم يعلم خلفياته، ولم يقدر المصالح والمفاسد فيه، وهذا المتعجل سبيله دائما التردد وتغيير القرار بعد الإلحاح، فتصبح كل الطلبات لا تأتي إلا بعد مشادة، وتعالي الأصوات في النقاش. أو أنه يعرف خطأ قراره، وسوء تصرفه، وضعف تقديره للأمور فيلجأ إلى المخاصمة.

سادسًا: في حالة وجود أطفال، فلا بد من إفهام الطفل أن الخلاف مسألة عرضية وطبيعية وتذوب بسرعة، والأصل هو الحب والعلاقة القوية بين الأبوين، وأنهما يحبان بعضهما، ويحترم كل منهما الآخر ويخشى عليه كل سوء، وأن كل مشكلة تنتهي ويتجلى ذلك بالتعبير اللفظي عن هذه الرسالة، والعملي من خلال تعاملات الوالدين المتحضرة.

سابعًا: ينبغي ألا يسمع الطفل أصوات الصراخ والغضب- إن كان لا بد منها- من خلف الباب المغلق، بل يفضل أن تكون المناقشة في وجود الطفل، على الأقل بلا مؤثرات صوتية خلف الأبواب المغلقة، فهذا له تأثيراته السلبية على الطفل مستقبلًا.

ثامنًا: وبدلا من الصراخ الأعمى فلتكن فرصة لتنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الغضب، فيا حبذا لو استطاع أحد الوالدين المبادرة بتغيير جو الخلاف باقتراح تغيير الحالة، كالخروج في نزهة أو ممارسة لعبة، أو تناول أكلة تهدئ وتلطف الأجواء… أو التعامل بمرح، أو إنهاء الخلاف سريعا للتقليل من شعور الطفل بألم الخلاف، مع اقتراح اليات لإرجاء المناقشة حال هدوء كل الأطراف، ومحاولة الطرف الهادئ تطييب خاطر الطرف الغاضب بشكل يعلن الاحترام له ولحالته الشعورية.

تاسعًا: البعد عن الأساليب التي قد تكسب الجولة فيها وينتصر أحد الطرفين على الآخر، لكنها تعمق الخلاف في حقيقة الأمر: مثل أسلوب التهكم والسخرية، أو التعالي والغرور.

 

إياك وزلات اللسان

وإياك وأخطاء اللسان التي تزيد الطين بلة، فلا تخطئ في حق الطرف الآخر، فهذا له عواقب سلبية كثيرة، ولعل ديننا الحنيف ينهى بشدة عن هذا، فقد روى أبو داود والترمذي وأحمد عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لا يَقُولُ شَيْئًا إِلا صَدَرُوا عَنْهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ… اعْهَدْ إلى قَالَ لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا قَالَ فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلا عَبْدًا وَلا بَعِيرًا وَلا شَاةً قَالَ وَلا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إليهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ.

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ، ونحن نترفع بالعلاقة الزوجية المقدسة أن تصل لحد مثل هذا. وروى الترمذي عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَال سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَلا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ”.

وإذا كان هذا سلوك المرء مع غيره من الغرباء عنه، فما بالك بمن هو أقرب الناس إليه شريك حياته وزوجه القريب منه. يتبع في الاسبوع القادم إن شاء الله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى