أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

“وعد بلفور”.. وثيقة تأسيسية لمفهوم “الاستعمار الاستيطاني”

ساهر غزاوي

تعتبر وثيقة وعد بلفور الصادرة في 2/11/1917، وثيقة تأسيسية لاستعمار استيطاني في فلسطين نابعة من خلاصة فكرية وسياسية لمشاريع استيلائية اقتلاعية للمنطقة وضعتها أكبر دولة استعمارية في ذلك الزمن (بريطانيا). هذه الوثيقة من 67 كلمة كان من نتاجها إعلان قيام الكيّان الإسرائيلي في 15/5/1948 على حساب شعب فلسطين وأرضه، بناءً على المقولة المزيفة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

عبارة “إقامة وطن قومي”، كما جاء في وثيقة وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر جيمس بلفور، رسالة وجهها إلى زعيم الحركة الصهيونية في بريطانيا اللورد روتشيلد “إن حكومة جلالته تنظر بعين الرضا إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل”، تشير إلى وجود مخطط استعماري بريطاني متوافق مع “الأماني الصهيونية” في تحقيق حلم مشروع الدولة اليهودية في فلسطين بفكرة “الاستعمار الاستيطاني” وبنظرية فوقية واستعلائية، والحد من مكانة وقيمة السكان الأصلانيين وهذا يتماشى مع كون التصريح يؤسس لقاعدة استعمارية في فلسطين.

المفهوم “الاستعمار الاستيطاني” هذا، يرتكز على الاستيلاء على الأرض من أهلها واقتلاعهم من أرضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، فهو يحول البلاد التي يستعمرها إلى “أرض بلا شعب” ليجعلها أرضًا خالصة له من دون أهلها من خلال تفعيل نظم إرهابية وعنصرية تجاه السكان الأصليين. وتتجلى عنصرية المستوطنين وإغراقهم في التمييز العنصري والإبادة باستخفافهم بحقوق وحياة وكرامة السكان الأصليين، فارتكاب المجازر حدث طبيعي في سلوكهم وممارساتهم، وثبت بجلاء التحالف بين أنظمة الاستعمار الاستيطاني والدول الاستعمارية. (مع أهمية الإشارة هنا إلى أن مفهوم “الاستعمار الاستيطاني” تتطرق إليه بتوسع د. جوني منصور في كتابه “مئوية تصريح بلفور (1917-2017) تأسيس لدولة، وتأشيرة لاقتلاع شعب”).

أنظمة الاستعمار الاستيطاني والدول الاستعمارية الغربية، تعمد بين الحين والآخر على تجديد هذه الوثيقة التأسيسية للاستعمار الاستيطاني في فلسطين التي هي عبارة عن تقطيع الأرض الفلسطينية وتمزيق أي محاولة لإقامة وحدة عربية إسلامية من المحيط إلى الخليج. فـ “الوطن القومي اليهودي” المشار إليه في وثيقة بلفور هو عبارة عن منظومة دولة عازلة وفاصلة وسط العالم العربي والإسلامي. هذه الوثيقة تُجددها وتُفعل بنودها الأنظمة الاستعمارية الراعية للمشروع الصهيوني لتنفيذ يهودية الدولة على كامل التراب الفلسطيني من خلال إطلاق وعود ومشاريع تسوية للقضية الفلسطينية التي لا تصب إلا في صالح المشروع الصهيوني وأمن وأمان كيّانه على حساب حقوق وحياة وكرامة الفلسطينيين والعرب وعلى حساب ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، فهي وعود من لا يملك لمن لا يستحق، منطقها حق القوة لا قوة الحق.

من أبرز هذه الوعود والتسويات التي جدّدتها أنظمة الاستعمار الاستيطاني والدول الاستعمارية الغربية وفعلت بنودها، اتفاق “أوسلو” عام 1993 و”صفقة القرن” عام 2020، وإن اختلفت أسماء ومسميات هذه الاتفاقيات والصفقات، إلا أن جوهرها لا يختلف كليّا ويرتكز على مفهوم “الاستعمار الاستيطاني” لضمان أمن وأمان ومستقبل المشروع الصهيوني للدولة اليهودية. فاتفاق “أوسلو” يتحدث عن انسحابات على عدة مراحل، ما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي كان يجب أن ينسحب من 80% من المناطق الفلسطينية قبل الاتفاق النهائي، لكنه لم ينسحب، بل بعد مرور أكثر من ربع قرن على هذا الاتفاق، فإن عدد المستوطنين تضاعف في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252000 قبل أوسلو إلى حوالي 834000 مستوطن اليوم. وامتدت مساحات المستوطنات لتحوّل الضفة الغربية المحتلة إلى رقعة واسعة من الاستيطان اليهودي، بعد إخراج القدس منها، إذ أن حجم التوسع الاستيطاني تضاعف أربع مرات. وأما “صفقة القرن” (وعد ترامب) فإن الحديث كان يجري عن اتفاق دائم، ويشمل 70%، وهي نسبة إشكالية؛ لأنها تغلق الدولة الفلسطينية من كل جوانبها الأربعة، باستثناء البحر المتوسط من جهة قطاع غزة!!

في النهاية، فإن مفهوم “الاستعمار الاستيطاني” الذي تأسست عليه وثيقة بلفور عام 1917 والتي مهدت لقيام الكيّان الإسرائيلي على أنقاض جثث وجماجم الشعب الفلسطيني، والتي ركيزتها الأساسية عبارة “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي”، هذا المفهوم ارتكز وما يزال إلى يومنا هذا، على مبدأ القوة، وسياسة الأمر الواقع، وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، بغطاء من أنظمة الاستعمار الاستيطاني والدول الاستعمارية الغربية النابعة من خلاصة فكرية وسياسية لمشاريع استيلائية اقتلاعية للمنطقة، حيث أخذ الإسرائيليون كل شيء أو كادوا، عبر وعود شبيه بوعد بلفور المشؤوم وعبر تسويات وصفقات أسست لواقع جعل هذه التسويات والصفقات غير قابلة للفشل من خلال قدرتها على إنتاج اتفاقيات جديدة تدور في فلك المشروع الصهيوني وفي إطار مفهوم “الاستعمار الاستيطاني” لضمان أمن وأمان الكيّان الإسرائيلي ويهودية دولته، في المقابل لم يحصل الفلسطينيون إلا على اللّمم ولم يُسمح لهم بنيل استقلالهم من السيطرة الإسرائيلية مما يجعل الاحتلال ينفرد بالقضية الفلسطينية وتصفيتها بالطريقة والشكل الذي يريده.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى