أخبار رئيسيةأخبار عاجلةالضفة وغزةومضات

“القدس الدولية”: تسوية “الشيخ جراح” مخادعة تنطوي على مخاطر

قالت مؤسسة القدس الدولية إن التسوية التي تطرحها المحاكم الإسرائيلية، لحل مشكلة حي الشيخ جراح مخادعة كبيرة وتنطوي على مشاكل وطنية وقانونية، وأنها محاولة من محاكم الاحتلال لتنتزع بالحيلة ما عجز الاحتلال عن انتزاعه بالحرب.

وأوضحت المؤسسة في بيان لها: “تابعنا حثيثا مساعي المحكمة العليا الاسرائيلية لطرح تسويةٍ في حي الشيخ جراح، بدءاً من جلستها في يوم 2-8-2021 التي فتحت فيها هذا الباب، مروراً بتسليم محامي الحي لشروطهم المقترحة في 10-8-2021، ووصولاً إلى نص التسوية المقترح في يوم 4-10-2021”.

وتابعت: “اليوم تعرض المحكمة تسويةً على أربعٍ من عائلات الحي، عمادُها أن تواصل اعتبار شركة نحلات شمعون مالكةً لبيوتهم، وأن تواصل اعتبارهم “مستأجرين محميين”، على أن لا يمس ذلك بـ “حق الطرفين” في ادعاء الملكية أمام “لجنة تسوية” تابعة لـ “وزارة العدل الإسرائيلية” عندما تشكل، على أن يدفع السكان “إيجاراً سنوياً” لوكيل الشركة الاستيطانية مباشرة. سقف هذا الاتفاق 15 عاماً أو صدور قرار لجنة التسوية الإسرائيلية أيهما أسبق، تلتزم خلالها شركة نحلات شمعون الاستيطانية “بعدم إخلاء السكان في حال أجروا ترميمات داخلية أو أعمال دهان”، وألا تخليهم بدعوى الحاجة للاستخدام خلال الفترة المقررة”.

وقالت المؤسسة: “بعد دراسات واستشاراتٍ قانونية، وبعد تشاور واسع مع قيادات وشخصيات فلسطينية وعربية وإسلامية حول معنى وتداعيات هذه التسوية التي تطرحها محكمة الاحتلال العليا، فإننا في مؤسسة القدس الدولية نعلن رؤيتنا تجاه هذه التسوية، ونداءنا لكل الأطراف المعنية”.

أولاً: من ناحية التفصيل القانوني: في المبدأ، فإن المحاكم الاسرائيلية هي إحدى أذرع الاحتلال الاستعمارية، وهي بذاتها المحاكم التي أضفت وتضفي المشروعية على تغيير هوية المسجد الأقصى المبارك والاستيلاء عليه وفرض الصلوات التوراتية فيه، فهل يمكن الوثوق بنزاهتها ووعودها؟! لا بد من اتخاذ هذا المبدأ أرضية أساسية للتفكير عند التعامل مع المحاكم الاسرائيلية. هذه التسوية مقدَّمة لأربعِ من عائلات الحي فقط، ورغم الاجتهاد القانوني الذي يفترض أنها ستنطبق على البقية؛ إلا أنه لا يمكن ضمان ألا يُخترع سبب لاستثناء واحدة أو أكثر من عائلات الحي، بحيث يصبح بقاء بعض أهل الحي يمر بتهجير بعضهم الآخر. اقتراح المحكمة متناقض من حيث المبدأ، فهو يعِد أهل الحي بأن لا يمسَّ بـ “ادعاءاتهم” في الملكية، لكنه يدفعهم لأن يكرسوا بإرادتهم وبأيديهم حقيقة كونهم مستأجرين على مدى خمسة عشر عاماً متتالية من الإيجارات، تكفي بحد ذاتها لهدم كل ادعاءاتهم بالملكية. يضع مقترح المحكمة أمر تقرير الملكية في يد “لجنة تسوية” تابعة لـ “وزارة العدل” الإسرائيلية، فإذا كان الجهاز القضائي للاحتلال لم ينصف أهل الحي على مدى أربعين عاماً؛ فهل ستنصفهم لجنة تسوية من موظفين تابعين للحكومة الإسرائيلية؟! المحاكم في النهاية تُعمل النصوص القانونية؛ ومن الممكن بكل سهولة أن يذهب “الكنيست” الإسرائيلي إلى تعديل النص القانوني بعد إبرام التسوية بشكل يجعلها باطلةً؛ وحينها سيستفرد المحتل بأهل الحي وقد أزال عنهم غطاء الدعم والتضامن!

ثانياً: من الناحية الوطنية والقومية والإسلامية: لقد بذلت جماهير القدس وفلسطين الدماء من أجل حماية حي الشيخ جراح ومنع تهجير أهله، فلأجله ارتقى الشهداء وسقط الجرحى ودخل الأسرى غياهب السجون، وفي معركته دُمرت الأبراج وشُردت مئات العائلات؛ ومحاولة جر أهل الحي للقرار المنفرد والاستفراد بهم من المحكمة تهدد بإفراغ كل هذه المعاني، وإشعار كل من ناضل بعبثية نضاله، وهذه أخطر رسالة معنوية يستهدفها الاحتلال من هذا الشرك المنصوب. إن هذه التسوية تُخرج قضية حي الشيخ جراح من الفعل الشعبي والإعلامي والتعبوي والدولي، بعد كل ما بلغته من تأييد واهتمام ورمزية عالمية، وبهذا تخسر القدس أحد روافع القوة والاهتمام والتفاعل. إن هذه التسوية لا تهدد مصير نضال بقية عائلات الشيخ جراح فحسب، بل تهدد نضال ورباط أهالي أحياء كثيرة مهددة بالتهجير الجماعي في القدس، من حي البستان إلى بطن الهوى إلى وادي الربابة فوادي حلوة وعين اللوزة وصولاً إلى وادي ياصول وحي الأشقرية وغيرها؛ فهي تهدد بالتحول إلى سابقة تدعو أهالي تلك الأحياء إلى البحث عن تسويات والتطلع إلى الحلول الفردية أو الجزئية، بعد أن كان حي الشيخ جراح نموذجاً يحتذى في التماسك والرباط والتصدي واجتماع الكلمة والتفاف الجماهير. إن مشروع “تسوية الأراضي” في القدس هو مشروع مركزي للاحتلال لسرقة أراضي المقدسيين، بعد عقودٍ طويلة من قوانين وإجراءات غيبت الوثائق وجعلت الوكالة هي وسيلة التملك في محل سندات الملكية، واليوم تأتي لتقطف ثمار ما استحدثته من فوضى لتضع يدها على كل ما يمكنها نسبته لمن تعتبرهم “غائبين”. ورفضُ مشروع “تسوية الأراضي” في القدس عموماً واجبٌ مقدسي وفلسطيني وعربي وإسلامي؛ واليوم يهدد هذا الاتفاق بجرنا إلى موضع من يطالب بـ “تسوية الأراضي” في الشيخ جراح فيُضفي عليها المشروعية. لقد اطلعت مؤسسة القدس الدولية على معلومات تؤكد دوراً أمريكيًّا في نقل تطمينات لأهل الحي عبر السفارة الأمريكية في القدس في شهر أيلول-سبتمبر المنصرم، ونرى أن هذه التطمينات بهذا التوقيت ليست بعيدة عن مقترح المحكمة الاسرائيلية، بل هدفها أن تجر أهل الحي بشكلٍ ناعمٍ إلى قبولها.

وإزاء ذلك قالت المؤسسة: “أمام هذه التساؤلات المقلقة التي لا ضمانات تجاهها، وهذه المخاطر الكبرى التي تهدد بها هذه التسوية وطنيًّا وقوميًّا وإسلاميًّا، فإن هذه التسوية تشكل محاولة لجر أهل الحي لأن يقفوا في موضع من تتناقض مصلحته الفردية مع تطلعات شعبه وأمته، بينما هي تنصب فخاً لهم للاستفراد بهم في ظروفٍ أفضل للمحتل؛ وهي إن كانت تشكل شراءً للمزيد من الوقت إلا أنها هذه المرة تشتريه على حساب تقويض رواية أهل الحي، فتقوض فرصهم بمواصلة معركتهم بعد انقضاء المدة”.

وأكدت على أن “قضية حي الشيخ جراح باتت قضية فلسطينية وعربية وإسلامية وعالمية، وباتت رمزاً من رموز الصراع مع الصهيونية على أرض فلسطين، ولا يصح بأي حال مقاربتها من زاوية الملكية البحتة أو بمنطق توريط أهل الحي والمحامين منفردين بتقرير مصيرها”.

وشددت على أن “هذا يستدعي بالضرورة أن تُعلن القوى السياسية وعلى رأسها قوى المقاومة موقفها من أهل الحي، وبأن الإرادة التي خاضت حرباً لأجلهم لن تتركهم أو تتخلى عنهم، ولن تسمح لمحاكم الاحتلال بالاستفراد بهم”.

وبينت أن “محاولة محاكم الاحتلال الاستفراد بأهل الحي تجدد الحاجة إلى الوقوف بجانبهم، وتجديد الحراك الشعبي والجماهيري والإعلامي الداعم لهم، لنبني على تجربة رمضان في انتصار الإرادة الشعبية”.

ودعت جماهير القدس وفلسطين إلى تجديد الالتفاف من حولهم، ودعت القوى الشعبية الفاعلة في أمتنا إلى تصعيد تضامنها معهم من جديد. وقالت: “إن تجربة الشيخ جراح وترك مصيره للجهد الشعبي وحده تشكل برهاناً ماثلاً على العجز والتخلي الرسمي العربي، إذ لم تُحمل قضيتهم للأمم المتحدة أو إلى محكمة الجنايات الدولية رغم عدالتها ووضوحها، وما يزال الفعل الرسمي العربي بما فيه الفلسطيني والأردني أقرب إلى محاولة تجنب الانخراط في المعركة منه إلى وضع ضغوط حقيقية على الاحتلال، وهذا ما ينبغي تغييره والمضي في مسارات الفعل الممكن فورا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى