أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (87): إسلاميون في حكومة صهيونية؟؟؟  إنه لشيء عجيب!

حامد اغبارية

ووجهُ العجب هنا أن مشاركة إسلاميين في الكنيست أصلا، ناهيك عن المشاركة في ائتلاف حكومة صهيونية، بل ويمينية شديدة التطرف، تعتبر طعنة في خاصرة المشروع الإسلامي ونسفا له ولأهدافه، فهي كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ذلك  أن من أهم أسباب ظهور المشروع الإسلامي مطلع القرن الماضي  مواجهة مخططات المشروع الصهيوني في فلسطين، فكيف يمكن لمسلم عادي، بله إسلامي يحمل مشروعًا، أن يتخيل أنه ستأتي لحظة يصبح فيها إسلاميٌّ شريكًا في المشروع الصهيوني، مساهما- من حيث يدري أو لا يدري- في تمكينه وتقوية دعائمه، حتى لو ادّعى غير ذلك؟

وهذا ليس مجرد استغراب ساذجا كما قد يبدو الأمر للوهلة الأولى. فحجم الصدمة والألم والغضب لا يمكن أن يتخيله إلا من نشأ وتربى في حضن المشروع الإسلامي. وحتى لا يقال: ما المناسبة وقد مضى على الأمر زمانٌ وغاص إسلاميون في مستنقع الأسرلة حتى الأذنين؟ فإن ما نعيشه في هذه الأوقات العصيبة، التي يتعرض فيه وجودنا وحاضرنا ومستقبلنا ومقدساتنا لأكبر خطر منذ النكبة، مع مُضيّ إسلاميين في الطريق إلى الهاوية لا يلوون على شيء، وكأن ما يجري الآن وما سيجري غدا وبعد غد هو أمر طبيعي، أو أنهم لا يملكون من الأمر شيئا، يحمل دلالات خطيرة جدا. وإذا لم تصدر الأصوات المنبّهة المحذّرة فإن الإثم يقع علينا جميعا.

لقد انطلقت تلك الصيحة منذ ربع قرن تنبّه وتحذر من أن المسجد الأقصى المبارك في خطر، وما تزال هذه الصيحة يتردد صداها وتزداد قوة وعنفوانا، لأن الخطر المحدق بأولى القبلتين وثالث الحرمين بات أشد وأكبر في هذه الأيام، بل هو أكبر مما قد يخطر في بال أحد. والمفارقة العجيبة المثيرة للدهشة أنه عندما انطلقت تلك الصرخة خرج إسلاميون، هم اليوم شركاء في ذات المكان الذي يعمل منذ عقود على إلحاق الأذى بالمسجد، خرجوا وقالوا: لا… هذه مبالغات.. الأقصى ليس في خطر، ليلتقوا في هذا الموقف مع أقطاب المشروع الصهيوني الذين كانوا وما زالوا ينفون أنهم يريدون إلحاق أذى بالأقصى، فكان ما يقولونه في واد وما يفعلونه على أرض الواقع في واد آخر.

ونحن جميعا نتذكر الأسلوب الذي اتّبعه القوم في الوصول إلى أهدافهم بالتدريج حتى لا يثيروا الضجيج. نتذكر قصة زحفهم البطيء نحو حائط البراق في عشرينيات القرن الماضي، بدعم من الاحتلال الانجليزي لفلسطين، تلك الحادثة التي فجّرت ثورة البراق عام 1929. ونتذكر ذات الأسلوب في التمسكن حتى التمكن، وأسلوب قضم الأراضي تدريجيا، وسياسة الإخلاء والإحلال: إخلاء المكان من كل أثر فلسطيني عربي إسلامي وإحلال آثار يهودية، واستبدال الرواية الأصيلة برواية مزيفة ما أنزل الله بها من سلطان، سواء رواية الإنسان أو رواية التاريخ أو رواية الجغرافيا أو رواية الآثار. والنماذج كثيرة لا تحصى. وها نحن اليوم نراهم قد وصلوا إلى مرحلة السماح لأسافل المستوطنين بـ “صلاة صامتة” في الأقصى، بعد أن كانت هذه الصلاة ممنوعة، سواء لأسباب دينية أو لأسباب سياسية. بل نذكر قبل ذلك كيف أن الاحتلال كان في مرحلة سابقة لا يسمح للمستوطنين بالدخول إلى الأقصى، ثم أصبح الأمر متاحا بأعداد قليلة ولأوقات قصيرة، ثم ازدادت الأعداد والأوقات، ثم عملت يد البطش الأمنية عملها ضد المسلمين الغاضبين جراء الانتهاكات المتكررة لمسجدهم. واليقين أن “الصلاة الصامتة” التي سمحوا بها الآن ستصبح غدا جهرية تصفع وجوهنا، وستمتد في كل ساحات المسجد، كل هذا تبعا لسياسة الخطوة خطوة والزحف البطيء نحو الهدف الأكبر؛ وهو بناء الهيكل المزعوم والمعبد المشؤوم على أنقاض المسجد المظلوم.

يجري هذا الآن وسيجري غيره وأسوأ منه على مرأى ومسمع من الإسلاميين المشاركين في الكنيست وفي الائتلاف الحكومي الصهيوني دون أن ينبض لهم عرق أو يصدر عنهم موقف أو حتى مجرد شكوى أو تذمر!! أوليس هذا من عجائب الزمان التي يشهد عليها المكان؟ فمتى يكون لهم موقف؟ ومتى يفيقون من غفلتهم؟ ومتى يستيقظون من الأوهام والأحلام التي أغرقوا أنفسهم فيها طمعا بتغيير لم يتحقق ولن يتحقق، لأن الذي تغير هم أنفسهم ولا أحد غيرهم، بينما المشروع الصهيوني ماض نحو أهدافه، مطمئن إلى أن “جبهته الداخلية” المعززة بإسلاميين متينة قوية لا يهددها شيء.

إن الذين اختاروا السير في هذا الطريق يحملون وزر كل ما سيتعرض له المسجد الأقصى، ويحملون وزر ما سيحدث لمجتمعنا، ويحملون إثم سياسات المؤسسة الإسرائيلية تجاهنا كمجتمع في الداخل، وكشعب فلسطيني، وعلى كل المستويات.

إن الموقف من كل هذا الملف الضخم؛ ملف الصراع على فلسطين، وبداخله وفي مقدمته قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، هو موقف ديني عقدي مبدئي لا يتغير بتغير الظروف، ولا يقرره ولا يغيّره ضعف أهل الحق في مرحلة ما أو استضعافهم والانقضاض عليهم. فالمبدأ العقدي يبقى هو الأصل، وكل ما يدور حوله من متغيرات وظروف وأحداث إنما هي طوارئ زائلة حتما ذات يوم. فعجبًا كيف أصبح الطارئ لدى بعضنا هو الأصل، وكيف أصبح الأصل خاضعا للأخذ، والرد، والتأويل، والإرجاء؟ بل الأعجب منه كيف أصبح قابلا للفحص والمراجعة؟

إن أخشى ما أخشاه أن تأتي لحظة نسمع فيها عن إخضاع قضية الحق الإسلامي في المسجد الأقصى المبارك للبحث “الفقهي”؟

 أيمكن أن يحدث هذا؟

إني أراه ممكنا. أوليس الذي يُخضع المحرّمات في الشريعة (مثل قضية مخدر القنّب) للبحث الفقهي من أجل عيون الكنيست قد يخطو خطوات أكبر في قضايا أكبر وأخطر؟

قد يستبعد بعضنا هذا عن إسلاميين، ذلك أن الإسلامي يترك انطباعا لدى الناس بأنه صلبٌ وعقائديٌّ ولا يمكن أن يخضع أو يطأطئ. هذا من حيث المبدأ صحيح. لكنه من الناحية العملية يخضع فيه الناس للامتحان الصعب. وفي التاريخ الإسلامي مواقف من هذا كثيرة. ويكفي التذكير بالعلماء الكبار الذين نافقوا الخليفة المأمون وبعده المعتصم في فتنة خلق القرآن، تلك الفتنة المعروفة بمحنة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. هؤلاء كانوا علماء أفذاذا وفقهاء كبارا يعلمون الحق ويعرفون أنه إلى جانب الإمام لكنهم انحرفوا عن جادة الصواب، حتى أن منهم من طالب بإعدام الإمام، بعد أن كفّره بعضهم، “حفاظا” على سلامة المجتمع المسلم. وقد ذهب هؤلاء واندثر ذكرهم، وبقي الإمام أحمد شامخا يتردد اسمه على كل لسان إلى يومنا.

وفي زمن الإمام ابن تيمية رحمه الله، ظهرت فرق بدعية ثبطت من عزيمة المسلمين وخوفتهم من مواجهة التتار والصليبيين وبثت الرعب في قلوب الناس، لكن الإمام واجه هذا كلّه ووقف في وجه التتار والصليبيين حتى اندحرت جيوشهم. وقد ذهب كل أولئك المثبطين واختفوا من التاريخ وبقي ذكر ابن تيمية على كل لسان وفي كل محفل.

الشاهد هنا أن إمكانية السقوط وتمييع الدين وفقدان البوصلة وإسقاط الهيبة واردة بكل قوة. فإن الذي يقبل أن يدور في فلك السلطان أو السلطة يعلم – حتما- أن الثمن كبير…. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

لقد بذل هؤلاء – طوال خمس وعشرين سنة عجاف- كل وسيلة لإقناع أنفسهم ومؤيديهم وجمهورهم بأن المشاركة في الكنيست هي نموذج مشابه لمشاركة الإسلاميين في البرلمانات العربية، وهذه أكبر عملية خداع وقع كثيرون ضحية لها. فلا مكان للمقارنة إطلاقا، وهذه ليست مثل تلك. ولو تجاوزنا عدم وجود وجه للمقارنة، فإن السؤال هو: إذا كان الإسلاميون الذين شاركوا في برلمانات عربية لم يحققوا من وراء ذلك شيئا، فأي “عبقري” هذا الذي يمكنه أن يقنع صبيا صغيرا بأن المشاركة في الكنيست يمكن أن تحقق شيئا؟ وأي “جهبذ” هذا الذي يستطيع أن يأتي للناس بفضل فائدة مقدار ذرة لا ترى بالعين المجردة من المشاركة في ائتلاف حكومة صهيونية؟

وعودة إلى العنوان الاستغرابي: ما زلت حتى الآن أستثقل الجمع بين لفظة إسلاميين وبين الكنيست الصهيوني وائتلاف الحكومة الصهيونية، حتى في مقال نقدي… هذه مسألة ليست سهلة على النفس، لأنها معادلة لا يستوعبها ذو فطنة ولا قلب مؤمن.

لا يمكنك أن تتخيل إسلاميا في أروقة الكنيست الصهيوني أو حول طاولة حكومة صهيونية تمثل كل قاذورات الاحتلال وموبقاته، إلا إذا أدركت أننا نعيش فتنة من فتن آخر الزمان…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى