أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرينة في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي 1948- 1966

طارق محمود بصول

في تاريخ 29 تشرين ثاني من عام 1947 تم تمرير قرار التقسيم في الأمم المتحدة رقم (181) للقيادة الفلسطينية وللقيادة اليهودية في البلاد، وفق هذا القرار تم تقسيم البلاد (من نهر الأردن شرقًا حتى البحر الأبيض المتوسط غربًا) الى دولتين، بحيث يحصل العرب على الجليل، جبال نابلس، القدس وقطاع غزة وبعض الأراضي الجنوبية المحيطة بالقطاع. اما بالنسبة للدولة اليهودية فقد خُصصت المناطق التالية: الجليل الشرقي، مرج بني عامر، السهل الساحلي والنقب وبقيت القدس تحت سيطرة الانتداب البريطاني. هذا القرار لم يطب للسكان العرب وفي 30 تشرين ثاني1947 اندلعت شرارة حرب 48، التي بقيت حتى اتفاق الهدنة مع سوريا تموز عام 1949. انقسمت الحرب الى مرحلتين، الأولى منذ 30 تشرين ثاني عام 1947 حتى 14 أيار من عام 1948 (اليوم الذي تم فيه الإعلان عن استقلال دولة إسرائيل) المرحلة الثانية من 15 أيار (اليوم الذي دخلت فيه الجيوش العربية ساحة الحرب) حتى تموز 1949. لا مكان بهذه المقالة للخوض بتفاصيل الحرب، إلا أن علينا الإشارة إلى أن قرية الرينة سقطت بأيدي الجيش الإسرائيلي في المرحلة الثانية من الحرب بتاريخ 16 تموز 1948 ضمن معارك عشرة أيام (من 9 تموز حتى 19 تموز عام 1948) خلال الحملة العسكرية التي أطلق عليها اسم النخيل (דקל). لا بد من الإشارة إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي (צה”ל) أقيم بشهر حزيران من عام 1948 بقرار من ديفد بن غريون رئيس الحكومة المؤقتة (كون أول انتخابات للكنيست أقيمت بـ 14 كانون ثاني من عام 1949)، من اجل توحيد جميع القوات العسكرية؛ בלמ”ח, אצ”ל، הגנה، לח”י.

إذًا منذ 16 تموز 1948 انطوت صفحة الانتداب البريطاني في تاريخ قرية الرينة ودخلت تحت مظلة عهد جديد أُطلق عليه الحكم العسكري الإسرائيلي الذي بقي حتى الإعلان عن إلغائه من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية، ليفي اشكول في 1 كانون أول عام 1966. في هذا المقال سوف نتحدث عن التغيرات القروية التي شهدتها البلدة خلال ذلك الحكم من خلال الإشارة الى أربعة معايير؛ إدارة شؤون البلدة حكوميًا ومحليًا، ديموغرافيا، اقتصاد، خدمات اجتماعية والمسطح العمراني.

إدارة شؤون البلدة حكوميًا/ محليًا: خلال فترة الحكم العسكري خضعت الرينة الى إدارة حكومية وأخرى محلية، من حيث الإدارة الحكومية فقد كانت القرية تابعة للحاكم العسكري للواء الجليل في الناصرة التابع الى وزارة الدفاع، بالإضافة الى وزارة الدفاع خضعت الرينة وسائر البلدات العربية التي بقيت تحت الحكم الإسرائيلي (بعد حرب 48 بقي في إسرائيل 104 بلدة عربية منها مدينتين الناصرة وشفاعمرو) إلى وزارة الأقليات التي عملت منذ 15 أيار 1948 حتى 1 تموز من عام 1949 وتم إدارة هذه الوزارة من قبل الوزير (בכור שטרית)، إلا أن رئيس الحكومة ديفيد بن غروين قرر إلغاء وزارة الأقليات وتعيين مكانها مستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب، ومن تموز 1949 حتى 1 كانون اول من عام 1966 تم إدارة القرية من قبل وزارة الدفاع ومستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب. خلال فترة الحكم العسكري وبالاستناد لقانون حالات الطوارئ البريطاني من عام 1945، تم الإعلان عن بعض البنود المتعلقة بإدارة الحكم العسكري للبلدة منها: على كل من يرغب الانتقال من منطقة عسكرية (جليل، مثلث، النقب الشمالي) الى مناطق غير عسكرية عليه اصدار تصريح.

أمّا من ناحية الإدارة المحلية، فقد تم تعيين سعيد أيوب برانسي، مختارا الطائفة المسحية، وتعيين عبد الرحمن ذيب عثامله مختارا للطائفة الإسلامية (الذي استلم مكان والده ذيب عبد الرحمن عثامله منذ أواخر سنوات الـ 30 من القرن الماضي بعد أن قُتل بالثورة الفلسطينية) ومفلح أيوب طاطور. وقد تم تعيين هيئة إدارية للبلدة من بين أعضائها: محمود محمود خطبا، سالم حميدي معامرة، أمين توفيق بصول، توفيق محمد بصول وإبراهيم زيدان. وكذلك تم تعين لجنة رقابة لجمعية التعاونية للمياه ومن بين أعضائها: حنا خميس، نمر يوسف بصول، جميل علي عثامله. (راجع بيان الهيئة 10 أيلول عام 1966).

بقي العمل بنظام المختار واللجان حتى أيلول من عام 1968، عندما قرر وزير الداخلية منح البلدة مجلسا محليا وتعين راجح عبد القادر طاطور رئيسًا له.

ديموغرافيا: قُدر عدد سكان القرية عام 1948 حوالي 2100 نسمة وفي عام 1960 وصل عدد السكان حوالي 2740 نسمة وفي عام 1966 وصل عدد سكان البلدة الى حوالي 3000 (تقدير)، يعود ازدياد عدد سكان البلدة بالأساس الى عامليين اساسين؛

أ) العامل الأول: وهو التكاثر الطبيعي، فقد شهدت البلدة خلال الحكم العسكري ارتفاعا بنسبة الولادة وانخفاضا بنسبة الوفيات، وقد ظهر الازدياد لدى الطائفة الإسلامية أكثر من الطائفة المسيحية، ومن الممكن الاعتقاد أن سكان الطائفة الإسلامية اهتموا بالزيادة الطبيعية وذلك للاعتقاد الديني من جهة، وتجنيد أياد عاملة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة من جهة أخرى.

ب) العامل الثاني: وصول عدد من اللاجئين المحليين الذين دُمرت قراهم؛ صفورية، حدثة، اندور. ففي عام 1953 اصدرت الحكومة قرارًا يوصي بإسكان بعض اللاجئين المحليين ببعض البلدات العربية منها الرينة.

اقتصاد: عمل معظم سكان القرية خلال الحكم العسكري بالقطاع الاقتصادي الأول الزراعي والذي يتضمن زراعة الأرض وتربية المواشي، إلا أن هذا القطاع شهد بعض الاضرار منها مصادرة بعض الأراضي، ففي عام 1951 طالب توفيق طوبي عضو الكنيست من قائمة الحزب الشيوعي الإسرائيلي (מק”י) الحكومة بإعادة بعض الأراضي التي تم مصادرتها من قبل الحكم العسكري، واشار في خطابه ان هذه الأراضي خصبة وصالحة للزراعة وليس كما يدعي الحكم العسكري انها بور.

بعد الاطلاع على خريطة (الناصرة، عام 1959، عدد 231- 17، 1:20،000) نرى أن معظم الأراضي المزروعة في القرية كانت من الزيتون، وقد انتشر شجر الزيتون على المناطق التالية: البلدة الجديدة من دير اللاتين حتى منطقة العين شرقي الشارع الرئيسي، منطقة عين جيكله (جيكله اسم عثماني ويعني المُنحدر) جنوب البلدة حتى البصه (والبصه تعني منقطة مغطاه بالوحل). منطقة الموزيه (سُميت موزيه من التين الموازي الذي انتشر بالمنطقة) حتى منطقة كروم الزيتون وبعد ذلك الطويلة (التي تمتد من مضخات شركة مكوروت سابقًا حتى شارع 79 اليوم) أمّا ظهر صندلة (سُميت ظهر صندلة من شجر الصندل) فلا يوجد عليها أشجار زيتون كون المنطقة صخرية. كذلك الامر لدبة غنام (اليوم يُقام عليها المقبرة الجديدة) وعين القطش (على ضواحي شارع 79 اليوم جنوب وادي الجسر) وجبل كربون وظهر راشد، كل هذه المناطق غير مغطاة بالأشجار بتاتًا. من هنا من الممكن الاعتقاد ان السكان في تلك الفترة التاريخية فضلوا العمل بزراعة الدخان الاوفر مالًا، أو أن تلك الفترة بدأ السكان بزراعة أشتال الزيتون.

ولكن بعد عام 1956، نتيجة حدثين أساسيين، حرب سيناء من جهة ومجزرة كفر قاسم في 29 تشرين اول 1956 من جهة اخرى، بدأ تغيير بسياسة الحكومة اتجاه الأقلية العربية، من هذه التغيرات مرونة اصدار تصاريح العمل للعمال العرب في البلدات اليهودية، ومن ضمنهم عمال قرية الرينة.

خدمات اجتماعية: من الخدمات الاجتماعية التي توفرت في البلدة خلال فترة الحكم العسكري:

أ) تعليم: مدرستان حكوميتان، الأولى مكان صندوق المرضى اليوم بجانب طلعة البحشوره، الثانية بمنطقة السدر أو العين بجانب المركز الجماهيري اليوم، ومدرسة أهلية أخرى وهي دير اللتين. ب) الصحة: كان هنالك صحية على جانب الشارع الرئيسي بجانب بنك مركنتيل اليوم (ربما أن هذه الصحية أقيمت بعد انتهاء الحكم العسكري).

ج) خدمات دينية: وفق خريطة عام 1959 يظهر الجامع القديم (اليوم جامع الاعتصام الذي اكتسب هذا الاسم في بداية سنوات الـ 90 عند انشائه من جديد بنفس الفترة التي تم انشاء مسجد الشيخ حسن)، كنيسة الأرثوذكس على العين، كنيسة أخرى بالجهة الشرقية للشارع الرئيسي بجانب طريق درب السوق، بالإضافة الى دير اللتين.

د) نشاطات رياضية: كان المعلب البلدي في الجهة الجنوبية بجانب منحدر عين جيكلة. بالنسبة لخدمات المياه والكهرباء، فقد بقيت البلدة دون كهرباء وماء طيلة فترة الحكم العسكري.

المسطح العمراني: وفق خريطة البلدة من عام 1959م من الممكن مشاهدة النواة تتمركز حول جامع الاعتصام وتمتد على النحو التالي: غربًا حتى البيادر بالقرب من مدرسة الابتدائية أ اليوم، شمالًا حتى صعود درب المقبرة، جنوبًا منطقة الحواكير والقصيلة (القصيلة هي منطقة تستعمل لرعاية الدواب والمواشي، فقد استغلت تلك المنطقة لهذا الغرض في الماضي) شرقًا حتى منطقة العين. هنالك بعض البيوت موجودة في القسم الشرقي للبلدة (البلد الجديدة).

حتى عام 1957 لم تُعدّ الحكومة أي خريطة هيكلية للبلدات العربية ومن ضمنها الرينة، ألا أنه بعد هذا التاريخ شهدت البلدات العربية إعداد خرائط هيكلية وفي عام 1965 تمّ سن قانون التنظيم والبناء.

بالاستناد إلى خريطة عام 1959 وبعض الصور من تلك الفترة نجد:

أ) اكتظاظ البيوت في النواة وذلك من اجل التقارب الاجتماعي، بالإضافة الى الانتقال من بيت لآخر بساعات الليل بسبب انعدام الإضاءة، فحتى نهاية الحكم العسكري بقيت الرينة دون كهرباء، أضف الى ذلك بسبب عدم توفر وسائل الاتصال اعتاد السكان على المناداة للتعليل أو طلب الحاجة.

ب) مبنى البيوت: تكون البيت من غرف وساحة حوش امام البيت، تضمن الحوش بئر ماء وفي بعض الأحيان قن دجاج، كان باب البيت كبيرا ليسمح بدخول الدواب التي استُعملت للزراعة والعمل، بعض البيوت كان الباب الرئيسي يتضمن الخوخة وهي الباب الصغير داخل الباب الكبير يُستعمل لدخول اهل البيت والضيوف، وبسبب الارتفاع المنخفض يحتاج الضيف الى الانحناء عند الدخول وذلك لكيلا يرى من في البيت.

خاتمة: من الممكن الإشارة بهذا المقال الى الاستنتاج التالي، من عام 1948 حتى عام 1956 عانت البلدة من أوضاع اقتصادية صعبة، فقد عمل معظم السكان بالزراعة التي لا تكفي حوائج الشهر، بالإضافة الى تباطؤ بتطوير المدى المعماري وذلك لعدم استطاعة السكان من إصدار تراخيص بيوت لسبيين؛ الأول الوضع الاقتصادي الصعب والثاني عدم تحضير خرائط هيكلية. إلا أنه من عام 1957 وبعد التغيرات بسياسة الحكومة اتجاه الأقلية العربية شهدت البلدة بعض التغيرات القروية منها: اتساع الرقعة العمرانية، الانتقال من العمل في القطاع الاقتصادي الأول الزراعة للعمل في القطاع الاقتصادي الثاني والثالث الصناعة والخدمات وكل ذلك بعد مرونة بإصدار التصاريح من قبل الحاكم العسكري.

إلا أن التغيير الاساسي بجميع المعاير كان بعد عام 1970، فقد تم إقامة مؤسسات تربوية منها المدرسة أ ومدرسة ب عام 1970 والمدرسة الثانوية عام 1977، إقامة بناية المجلس، إقامة الملعب البلدي لكرة القدم، اتساع الرقعة العمرانية، ارتفاع بنسبة الحاصلين على شهادات جامعية وغيرها من التغيرات. هذه التغيرات أدت الى الغاء مصطلح قرية. اليوم الرينة تُعد بلدة مدينية (أي بلدة انتقال من قرية لمدينة) يصل عدد السكان حوالي 19،000 نسمة، مسطح النفوذ 10.75 (الف) دونم، مسطح البناء حوالي 2.30 (الف) دونم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى