أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حفاوة استقبال الشيخ كمال خطيب

ساهر غزاوي

لا يختلف اثنان على أن الاستقبال الحاشد للشيخ كمال خطيب من قِبل أبناء شعبه بعد أن عاد إلى بلدته كفركنا عصر السبت الماضي، قادمًا من مسقط رأسه العزير التي قضى فيها نحو شهرين في الحبس المنزلي ضمن شروط إطلاق سراحه في الملف المزعوم ضده، كان هذه الاستقبال حدثًا بارزًا على مستوى الداخل الفلسطيني، ولا أدل على ذلك من حجم المشاركة الكبيرة في استقبال الشيخ كمال في حفاوة بالغة. وأيضًا ما حظي به الاستقبال من تغطية إعلامية واسعة في العديد من المنابر الإعلامية المحلية وحتى الدولية، وخاصّة منصات التواصل الاجتماعي التي باتت تكشف لنا نبض الشارع واتجاه حركة رياحه.

ليس من المفهوم ضمنًا أن يُستقبل الشيخ كمال خطيب، وهو أحد أبرز القيادات الإسلامية والوطنية في الداخل الفلسطيني، في مثل هذه الحفاوة البالغة، في وقتٍ يعاني فيه مجتمعنا من أزمة قيادة تعاني من ضعف وترهل لعجزها عن إيجاد حلول واقعية للظروف السياسية والاجتماعية التي تعصف بنا. وفي وقتٍ تعرض فيه العمل السياسي والحزبي لضربة في الصميم بقرار حظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون الإسرائيلي في تشرين الثاني من العام 2015. هذه الحركة التي كانت تُشكل أحد أهم وأبرز أركان المجتمع الأساسية. وليس من المفهوم ضمنًا أن يُستقبل قبلها الشيخ كمال خطيب في قرية العزير مسقط رأسه استقبالًا جماهيريًا حاشدًا بعد إطلاق سراحه في 20/6/2021 بقيود مشددة والإبعاد عن كفر كنا لنحو شهرين.

في حقيقة الأمر، هذه الاستقبالات الجماهيرية الحاشدة والتفاعلات الميدانية لا تحظى بها الكثير من قيادات الأحزاب والحركات السياسية في الداخل الفلسطيني، بل حتى إنها باتت تنحصر في أيامنا فقط على قيادات المشروع الإسلامي أمثال الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال خطيب، وقد شاهدناها  في عدة محطات، كان آخرها زحف المئات من أبناء الداخل الفلسطيني عامة ومن أبناء المشروع الإسلامي خاصّة، من الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، الذين قطعوا المسافات الطويلة التي تبعد عنهم مئات الكيلومترات، في ظل أجواء شديدة الحر من أجل التعبير عن تضامنهم مع الشيخ رائد صلاح أمام سجن “رامون” في صحراء النقب المعتقل في هذا السجن الذي تُنتهك فيه أبسط الحقوق الإنسانية للأسير شيخ الأقصى، رائد صلاح.

يمكن لكل متابع للشأن السياسي في الداخل الفلسطيني أن يعتبر حفاوة هذا الاستقبال الذي يحظى به قادة المشروع الإسلامي على وجه الخصوص، ظاهرة تُعبر عن بروز حالة من الحالات السياسية المحلية تحتاج إلى دراسة ومعرفة أسبابها وواقعها وتفاعلها، ويمكن لكل واحد منهم أن يتناول هذه الظاهرة من زاويا مختلفة ويفسرها وفقًا لنظريات ورؤى وأفكار مختلفة، لكن الذي لا يمكن إغفاله أو التغافل عنه أن هذه الجماهير عطشة للقيادة أكثر من عطشها لأي شيء آخر.. نعم الجماهير لا تحتاج إلى قيادة تُحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية ولو على حساب القيم والأخلاق، بل تحتاج إلى قيادة تضحي بالمصلحة الشخصية وتتخلق بأخلاق التفاني والإخلاص والتضحية وحمل هموم الآخرين، وهذا ما جسدته قيادة الحركة الإسلامية (المحظورة) وعلى وجه الخصوص الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب من خلال مسيرتهما النضالية على صعيد العمل الديني والسياسي والاجتماعي والإنساني، التي استمرت لأكثر من أربعين عامًا من العطاء والتضحية في خدمة مجتمعهم ونصرة سائر قضاياه المجتمعية والوطنية ومقدساته الإسلامية والمسيحية وفي مقدمة ذلك المسجد الأقصى المبارك.

الآن وبعد هذا كله، متوقع جدًا، بل من الطبيعي أن نجد من يعترض على هذا الكلام ونجد من يقول إنه لا يمكن الاعتماد على حفاوة وحرارة الاستقبال لقيادة المشروع الإسلامي كقياس لحجم التأييد لمواقفهم ونهجهم وأفكارهم والثوابت الإسلامية والعروبية والفلسطينية التي ينادون للتمسك بها ليلًا ونهارًا، وهذا ما هو إلا تعبير عن ظاهرة عابرة وسابقة لا تتكرر وليست استفتاء جماهيريًا لحجمهم الحقيقي في الميدان ولا معيارًا لأداة قياس لصعود وهبوط حجم التأييد لمثل هذه القيادات في الساحة السياسية والمجتمعية.. لمثل هؤلاء نقول: إن الحركة الإسلامية منذ عام 1996 التي اختارت أن تسير في طريق خارج إطار اللعبة السياسية الإسرائيلية (المشاركة في الكنيست الإسرائيلي) وهي في الاتجاه الأكثر صعودًا وتأثيرًا على الساحة السياسية والمجتمعية في الداخل الفلسطيني والأكثر شعبية والتفاف الجماهير حولها ولم تشهد إلى حين حظرها في العام 2015 أي تراجع أبدًا. وهذا ما انتهت إليه المؤسسة الإسرائيلية أن الحركة الإسلامية قد تجاوزت الطور النخبوي وتمكنت من تعميق تفاعلها الجماهيري وتوصلت إلى أنه لا بد من نزع الشرعية القانونية عن عملها وإخراجها عن قانونها الإسرائيلي.

في النهاية، إن هذه الجماهير المتعطشة للقيادة الحقيقية التي لا تقايض ولا تساوم وتعض بالنواجذ على الثوابت ولا تخسر نفسها إذا صمدت عند قناعتها، والتزمت بمبادئها وبقيت وفية أمينة لحقوقها وعزتها وكبريائها، تدرك وتوقن جيدًا أن هذه القيادة العَمَلية، قيادة التأثير عمدت المؤسسة الإسرائيلية إلى تغييبها وإبعادها عن الساحة لتحل مكانها قيادة التخدير، لذلك، وفاًء ومحبة لها وتقديرًا لرصيدها وبصماتها على مختلف المستويات التي تركتها في وعيهم ووجدانهم، وجدنا حجم التقدير والحب الذي انعكس على حرارة استقبال الشيخ كمال خطيب في كفركنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى