معركة الوعي (78): نحو الانتخاب المباشر للجنة المتابعة (3)
حامد اغبارية
عندما تتابع، في هذه الأيام على وجه الخصوص، ما يجري على الساحة السياسية الإسرائيلية عامة، وفي مجتمع الداخل الفلسطيني خاصة، بما في ذلك الحالة التي وصلت إليها لجنة المتابعة من ضعف وترهّل وتراجع في الأداء وفي النشاط، وانفضاض الجماهير من حول هذه النشاطات حتى في النشاطات الكبرى مثل ذكرى يوم الأرض وذكرى هبة القدس والأقصى، وكذلك ممارسات أعضاء الكنيست العرب، سواء من القائمة المشتركة أو من القائمة الموحدة المشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، فإنك لا تجد مفرا من وجوب العمل على إنقاذ مجتمعنا وإخراجه من هذه الحالة المتردية.
وإن من أهم الوسائل لإخراج مجتمعنا من حالته هذه هي جمع هذا المجتمع وتوحيد صفه خلف قيادة حقيقية يختارها أبناء هذا المجتمع بأنفسهم، كي تعبر عن طموحاتهم وأحلامهم، وتجتهد في تقديم الحلول لهمومهم ومشاكلهم ورفع مستوى وعيهم وربطهم بقضايا شعبهم وأمتهم وإشغالهم بما يجب إشغالهم به. ولا يمكن تحقيق هذا إلا بجسم تنظيمي وطني قوي يملك إرادته السياسية والفكرية والحضارية والتاريخية. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا باستفزاز الجمهور الفلسطيني في الداخل كي يسعى بنفسه إلى انتخاب هذا الجسم انتخابا مباشرا. ولأن لجنة المتابعة العليا هي جسم قائمٌ، على ما فيه من عِلات وأسقام، يملك التجربة والخبرة والممارسة فإن الأجدى والأجدر والأفضل والأنجع والأسلم هو العمل على انتخاب هذه اللجنة انتخابا مباشرا، بدلا من البحث عن تشكيل جسم جديد سيؤدي حتما إلى انقسام مجتمعي فوق الانقسامات السياسية القائمة حاليا، وهذا ما لا نريده، لأن الهدف هو رص الصف وتقوية الجسم لا تشتيت الجهود وخرق السفينة.
نعلم جميعا أن لجنة المتابعة ظهرت في ظروف استثنائية في مطلع الثمانينات. وقد احتاجت بضع سنوات إلى أن أصبحت جسما سياسيا، بعد أن كان السبب المباشر لظهورها هو الأزمة المالية التي تعاني منها السلطات المحلية العربية. ومع مرور الوقت أصبحت اللجنة تحصيل حاصل. وقد التفت الجماهير من حولها ليس إلا لأن القضايا الساخنة والملتهبة كثيرة ومتتابعة بحيث لم يكن أمام الناس إلا التعاطي مع وضع قائم، تماما كما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية التي لم ينتخبها الشعب الفلسطيني ولم يسأله أحد عند تأسيسها. وقد قبل الشعب بالمنظمة بسبب الوضع الاستثنائي الذي كانت تعيشه القضية الفلسطينية. ومع الوقت أصبحت المنظمة أمرا واقعا مفروضا على الشعب دون أن يتمكن حتى الآن من انتخابها أو اختيار قياداتها. بل وصل الأمر أن التيار المتنفذ فيها يرفض مجرد الاعتراض على السياسات. وقد شهدنا محطات كثيرة في تاريخ منظمة التحرير سُفكت فيها دماء كثيرة كي تبقى خيوط السيطرة في يد ذلك التيار المتنفذ. ونحن نرى اليوم واقع الحال والحالة التي وصلت إليها قضية الصراع على فلسطين بسبب سياسات منظمة التحرير التي تُوجت بمأساة أوسلو، والتي من آثارها ما نعيشه اليوم في مجتمع الداخل الفلسطيني من تراكمات أوصلت بعض الأطراف إلى خرق الثوابت من أجل الفتات. فما وصلت القائمة الموحدة – مثلا- إلى دخول ائتلاف في حكومة صهيونية (كانت منظمة التحرير قد اعتبرت المشروع الصهيوني ذات يوم العدو الأول الوحيد للشعب الفلسطيني!!) إلا نتيجة لأوسلو وما سببته من كوارث على مستوى القضية، بل على مستوى قضايا الأمة كلها. وما ينسحب على الموحدة ينسحب على المشتركة وعلى كل تيار أو إطار سياسي رضي لنفسه اللعب في ملعب السياسة الإسرائيلية. وقد قلنا فيما مضى: ليس بعد المشاركة في الكنيست خطيئة. فهي أم الخطايا، بل هي أم الخبائث السياسية.
إذا فهمنا المشهد بكل تفصيلاته عندها سندرك أن لجنة المتابعة في الظروف الحالية، وحفاظا على ما أُنجز حتى اليوم، لها الأفضلية في أن تبقى هي الجسم التمثيلي لمجتمع الداخل، ولكن لا بد من تعديل البوصلة وعمل ما يجب عمله حتى يتحول هذا الجسم إلى ما يشبه البرلمان المنتخب انتخابا مباشرا. فعلى الرغم من أن اللجنة تضم حاليا تيارات ذات توجهات سياسية وإيديولوجية متعددة، متنافرة، متصادمة أحيانا، ولا تستطيع التعايش أو الالتقاء حول قضايا كثيرة، إلا أن الانتخاب المباشر سيحسم هذه المسألة، من خلال اختيار القيادة التي يرضى عنها المجتمع، ولتكن في نهاية الأمر من تكون، لأنها أولًا وآخرًا سوف تؤدي وظيفة، ولن يكون من صلاحياتها فرض أجندتها الفئوية أو الحزبية (كما يحدث حاليا)، بل تنفيذ الأهداف العليا لمجتمع الداخل استنادا إلى استراتيجيات، والتزاما بدستور. (يتبع).