أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

وصايا للمسافرين

الدكتور عبد الله إدريس

أوصى الفقهاء أن يعلم الخطيب أحكام الأَضحية في خطبة العيد، وذلك لمناسبتها لهذا اليوم، وهكذا دأب الخطباء في خطب الجمعة أن يعلموا الناس ما يحتاجون إليه في حياتهم ومعاملاتهم.

من يلاحظ أحوال الناس في الأعياد يرى ظاهرة قد تفشت عند الناس فيها، حيث صار دأب كثرة السفر في الأعياد، فتجد أن السفر صار ظاهرة متفشية في أعيادنا خاصة، وفي فترة الصيف عامة. الأمر الذي يتطلب منا أن نخصصه في خطبة نوضح فيه بعض الأمور المتعلقة بالسفر وأخطاء يقع فيها الناس في أسفارهم لا تتوافق مع الشرع الحنيف.

لا شك أن الإسلام حثنا على السفر في الأرض والتعرف على معالمها وطبيعتها والتفكر في خلق الله تعالى، وهذا مما يورث الصحة والعافية للناس، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سافروا تصحوا واغزوا تغنموا” {صححه السفاريني والسيوطي والألباني في الصحيحة}، حتى جعل الإسلام دعوة المسافر مستجابة سواء أكان سفرا لطاعة كحج أو عمرة أو سفرا لمباح في الأرض، فالحديث عام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده” {أبو داود وابن ماجه والترمذي وأحمد بسند حسن}.

كان الإمام الشافعي يحث على السفر ويقول:

تغرب عن الأوطان تكتسب العلى – وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة وعلم – وآداب وصحبة ماجد

فإن قيل في الأسفار ذل معيشة – وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد

فموت الفتى خير له من حياته – بدار قرار بين واش وحاسدِ

وهو الذي كان يحث على السفر لتجديد النشاط ويقول:

سافر تجد عوضا عمن تصاحبه – وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

إني رأيت وقوف الماء يفسده – إن سال طالب وإن لم يجر لم يطب

والذي يراجع القرآن الكريم يرى أن الإسلام حث على السفر لأجل طلب الأرزاق وقدمه على القتال في سبيل الله، قال تعالى: “فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله”.

ولجميع المسافرين في العيد وبعده أبرق بعض الوصايا السريعة، وأسأل الله أن يرد المسافرين سالمين إلى ديارهم:

الوصية الأولى: هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن”، فالله معكم في كل مكان، فاحذروا معصية الله في الغربة، هي ذات الوصية التي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان”، فلا تغرنك نفسك للعصيان بدعوى الغربة، فإياك من الخيانة والبحث عن الحرام، فإن كانت الناس لا يرونك فإن الله يرى

إذا ما خلوت الدهر يوما – فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة – ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ

فكم بلغني عن شباب وأزواج ورجال بل ونساء يفعلون الأفاعيل في الأسفار، وكم بلغني عن نساء محجبات يخلعن الحجاب في الفنادق وفي أماكن السباحة بل وأمام من يرافقونهم في سفرهم، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله” فالسفر ليس حجة للمعصية وافتعال المحرمات بحجة اللهو واللعب والانبساط “والكيف” ألا فاتقوا الله فإن أناسا يأتون يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا، قالوا يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا؟ فقال: هم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.

ولذلك كانت وصية النبي في توديع المسافرين يقول لهم: “أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، وزودك الله التقوى، وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيث ما كنت”، انظر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على دينك في سفرك، حتى أوصانا صلى الله عليه وسلم بركعتين قبل الخروج من البيت ولا سيما قبل السفر ليكون أول ما تتزود به في رحلتك التوكل على الله تعالى ليحميك من شر الفتن والسوء، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك مخرج السوء”. ولذلك كان من دعاء النبي في سفره أن يقول: اللهم إني أسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى”

 

الوصية الثاني: لقد سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي تصرفاتهم وسلوكياتهم، وهذا هو شأن المسلم يحفظ أخلاقه وتصرفاته التي تتوافق مع دينه في سفره وبلاده، لتكون أخلاقه وتصرفاته دعوة صامتة إلى الله تعالى، كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: “كونوا دعاة إلى الله وانتم صامتون” قالوا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: بأخلاقكم، وكما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولا بألسنتكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق“، كان سيدنا إبراهيم الذي نحيي سنته بالأضحية في هذا اليوم يقول: “ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا” ومعنى ذلك : يا رب لا تجعلني أتصرف تصرفا أو أعمل عملا يكون سببا في تنفير غير المسلمين من دينك، لأنهم يظنون أن هذه هي أخلاقنا وتصرفاتنا فيكرهون الدين لأجل عملي.

مع الأسف أننا نشاهد ظواهر صغيرة لكن مردودها الذي تتركه على سمعتها وديننا وإسلامنا سلبي عند غيرنا. ترى بعض الناس يتصرفون بتصرفات لا تليق بمسلم ولا حتى بعاقل في فنادقهم، فالسفر ليس حجة لسرقة الفنادق، من المناشف والبشاكير الغرف والأغراض التي يسمح لك استخدامها دون أخذها، وليس بحجة أنهم “أجانب” أو “غير عرب” أو “خليجيون” تسرقهم، بل ترى بعض الناس يسرق حتى علب الشامبو من الفنادق، يجمع كمية كبيرة لكي يأخذها إلى بيته دون إذن أو معرفة المسؤولين عن الفندق، وقد يقول قائل: كلها علبة صغيرة مش حرزانة يا شيخ، أقول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ لعن الله السارق، يسرق البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يده، ويسرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ” أنظر كيف يحذر النبي من سرقة الشيء الحقير البسيط، فأخذها عليك حرام لأنها مال محترم مملوك لأصحابه، فاتق الله.

وليس من أخلاق المسلمين التهافت على البوفيه المفتوح في الفنادق وتعبئة الطاولة بأصناف الطعام والشراب نهما وشهوة ثم لا تأكل ربع هذا الطعام، فهل هذه هي أخلاق المسلمين؟ أليس من المذموم ذهاب هذا الطعام إلى القمامة، ألم يأت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رأى كسرة خبز في بيت عائشة على الأرض فقال لها: يا عائشة أحسني جوار نعم الله فإنها قلما خرجت من بيت قوم فعادت إليهم؟!!

الوصية الثالثة: آخر وصية كانت لرسول الله وهو على فراش الموت “الصلاة الصلاة” يشير إلى أن نتمسك بها كما نتمسك بأرواحنا، فما بال كثير من أبناء المسلمين في السفر يتركون الصلاة، ولا يصلون أبدا، وعندما يرجع إلى البيت يقضي جميع الصلوات، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله” وفي رواية “كأنما خسر أهله وماله” فكيف بالذي يترك الصلاة أياما، فأي كبيرة عرض نفسه لأجلها؟!! وليس هذا الذنب بأكبر من ذنب من يجمع الصلوات طيلة فترة إقامته في بلدته، بحجة أنه مسافر، ومن قال لكم أن السفر يجيز الجمع دائما، فليس كل مسافر، بل أغلب المسافرين لا يجوز لهم الجمع عند المذاهب الأربعة، فالسفر الذي يجيز الجمع هو السفر الذي يكون كله أقل من أربعة أيام، فإذا ما استكملت أربعة أيام كاملات في مكان سفرك حرم عليك الجمع أو القصر أو الجمع والقصر منذ وصولك إلى مكان سفرك الذي ستقيم فيه، واعلم كما قال ابن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر: “من جمع بين صلاتين بغير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر“.

فاتقوا الله تعالى، واجعلوا أسفاركم ورفاهيتكم ضمن حدود طاعة الله.

الخطبة الثانية

تذكر أنك في الطائرة بين يدي الله تعالى، أصلح ما بينك وبينك الناس قبل أن تسافر، فهل ترضى أن تموت وأنت مقاطع لأهلك وجيرانك….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى