مقالات

وأخيرًا جاءها الفرج

محمود ياسين

بعد فترة قصيرة من وصولها إلى مكة، نفذ الماء الذي كان لدى السيدة هاجر عليها السلام زوج نبي الله إبراهيم عليه السلام، فأحست بالعطش، وأخذ طفلها الرضيع إسماعيل عليه السلام يتلوى من شدة العطش، فلم تكن مكة في ذلك الوقت مدينة تجارية يقصدها الناس من كل انحاء العالم كما هي الآن، بل كانت مجرد وادٍ غير ذي زرع لا يسكنه أحد من الناس، فأخذت هاجر عليها السلام تبحث في مكة عن ماء أو رزق أو أي إنسان يغيثها قبل أن يفتك الجوع والعطش بها وبصغيرها، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً، فلم تر احداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت جبل المروة فقامت على الجبل، فنظرت هل ترى احداً فلم تر احداً فرجعت إلى الصفا من جديد، ثم مره أخرى إلى المروة، واخذت تسعى بين الصفا والمروة لسبع مرات دون أن ترى احداً، وبعد ذلك سمعت صوتاً، فذهبت إلى موضع الصوت فوجدت الملك يخرج لها الماء من بين صخور مكة الصماء، فشربت وأرضعت وليدها، وأخذت تحوض الماء وتغرف منه، فكونت بذلك (بئر زمزم) رمز الحياة الأولى في مكة.

الجميل في قصة السيدة هاجر عليها السلام، أنها وبالرغم من وجودها وحيدة مع رضيعها في ذلك الوادي الصخري، لم تسلم نفسها لتكون ضحية لليأس، بل العكس كانت مؤمنة بأن الله سبحانه وتعالى لن يضيعها، وبالرغم من وجود هذا الايمان في قلبها لم تقف مكتوفة الايدي تنتظر فرج الله سبحانه، بل أخذت تسعى بكل ما أوتيت من قوة للبحث عن الحياة بين الصفا والمروة، وبالرغم من إدراكها من المحاولة الأولى أنه لا يبدو في الأفق أي مظهر من مظاهر الحياة، استمرت في سعيها ولم تتوقف، وكررت المحاولة، ليس لمرة أو مرتين، بل لسبع مرات متتالية، وبعد هذه المحاولات المستمرة التي ربما لو رآها بعض الناس تقوم بها لظنوا انها محاولات عبثية لا جدوى منها، جاءها الفرج، والجميل أن الفرج جاءها بعد ذلك بطريقة أسهل واعظم مما كانت تتوقع!!

نعم إنها المثابرة، فالمثابرة هي أساس نجاح الإنسان، والناجحون في كافة المجالات ما هم سوى اشخاص مثابرون لا يتوقفون عن السعي وراء تحقيق أحلامهم، ولا ييأسون من أول فشل يعترضهم، بل يستمرون في محاولاتهم المتكررة دون كلل أو ملل، هؤلاء هم فقط الذين يصلون في نهاية الامر إلى أهدافهم، بينما يفشل كثير غيرهم، ليس لأنهم أقل ذكاء أو قوة منهم بل لأنهم افتقدوا لمعنى الاستمرارية والبقاء، افتقدوا لمعنى المثابرة.

فلا تكن من الأشخاص الذين ينتظرون حدوث معجزة، بل كن أنت المعجزة، فكلما رأيت نفسك في الصورة التي تحب أن تصبح عليها، وكلما تصرفت كما لو أن ما تريده موجود بالفعل، فستقوم بتفعيل تلك القوى الخاصة التي ستتعاون معك لتحول حلمك واقعًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى