حب أردوغان مرآة أزمة هوية

عائشة حجار
مع أنّ هناك بوادر بدأت تظهر منذ 2011، وباتت جلية منذ خمس سنوات إلا أنّ حقيقة الاطماع السياسية التركية ستصدم الكثيرين في داخلنا الفلسطيني. في اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن تقسيم الكعكة الذي تمّ منذ عدة سنوات في قمم واجتماعات علنية سوف تجتاحنا من جديد خيبة الامل التي يمنى بها الفلسطينيون، وعلى وجه الخصوص الاسلاميون بينهم كل عقد تقريبًا.
قد يكون هو الجوع للشعور بأن لنا دولة ما، الانتماء لمؤسسة سياسية كبيرة، قد يكون شعور اليتم السياسي والوطني الذي يجعلنا نتشبث بكل قيادي يظهر على الساحة ويبدو اسلاميًا هو ما يجعلنا نكرر هذا الخطأ. عندما تجد نفسك خارج كل جسم سياسي قوي يمكنه تغيير واقعك فإنك ستبحث لك عن انتماء ما، انتماء يلائم هويتك ورؤيتك ويعزز حنينك للماضي الذي كنت فيه قويًا، ماضٍ كان فيه للمسلمين دولة اسلامية أو سلطان يجلس في تركيا، هذا الماضي الذي يصعب أن يعود رآه اسلاميو بلادنا في انتخاب محمد مرسي في مصر، وفي ثبات حكم رجب طيب اردوغان في تركيا، وفي قيادي آخر يفضل ألا نذكر اسمه هنا حفظًا للقلوب وماء الوجه. محمد مرسي كان رئيسًا مصريًا لمصر إلا أن إسلاميي بلادنا فرحوا به كأنهم مواطنوه وآمن بعضهم صدقًا أنه سوف يغير واقعنا للأفضل وسيبدأ مشوارًا تحريريًا اسلاميًا، حتى عندما تمّ الانقلاب العسكري على الرجل لم يصدق البعض انه لم يعود، كانت تلك بضعة اشهر اعتقد فيها اسلاميو الداخل أن لهم ظهرًا في أم الدنيا، على الرغم من سلسلة أخطاء سياسية اقترفها الاخوان المسلمون في مصر سببها الاساسي خبرة طويلة في المعارضة وقلة الخبرة في الحكم وسذاجة تثير الغيظ. لا أقلل هنا من شأن صعود اسلامي الحكم في دولة مثل مصر، لكنني أنظر الى ما احدثه هذا الامر في هويتنا المأزومة كظاهرة تستحق النقاش: الهوية الاسلامية تعتمد على مفهوم الأمة والتواصل بين المسلمين في كل أصقاع الأرض، هوية يتيمة لكنها يمكن أن تتقوى وتتخذ بعدها الجماعي الحقيقي بوجود زعيم اسلامي قوي وإن لم نعش نحن في دولته. اردوغان يبدو زعيمًا مناسبًا لهذه المهمة فهو يعزف كثيرًا على وتر الهوية الاسلامية العالمية مع أنه قبل كل شيء رئيس تركي ذو مشروع تركي.
الاستماتة التي يدافع فيها بعضنا عن كل البوادر التي تشير الى أن اردوغان في النهاية لاعب سياسي وجد جمهوره في العرب الاسلاميين هي ظاهرة لا تدل على جهل سياسي او سذاجة كما تدل على أن أزمة الهوية لدى فلسطينيي الداخل تنبع بشكل كبير من فقر بالقيادة بمفهومها التقليدي، نحن نحتاج حاضنةً تجمعنا لنستطيع أن نقول من “نحن”. هذه المهمة الصعبة بدأت ترهق الاحزاب ولجنة المتابعة على مكوناتها على الرغم من محاولة معظم مركبات هذه اللجنة لجمع شعبنا تحت مظلتهم، جهودهم للأسف لم تكف وإن كان من الخطأ التقليل من شأن هؤلاء الذين يحاولون، وينجحون حتى الآن، في حفظ الهوية المعقدة لفلسطينيي الداخل، إنه ببساطة الامر الطبيعي الذي سيحصل عندما تعيش تحت حكم لا يراك جزءًا منه ولا تراه حاكمًا لك، ستعيش أزمة هوية تلزم حفظها جهود جبارة.
من النادر جدًا إيجاد أزمة هوية تشبه أزمتنا، ينتج عنها دعم شبه تلقائي لكل زعيم يمنحنا بصيص أمل بظهوره الاعلامي وفتل بعض العضلات المتلفزة بشكل قد يثير دهشة كل مراقب من الخارج. هذه الأزمة لا يمكن حلّها بدون وجود الإطار الذي يجمعنا كشعب، إطار ننتمي إليه وليس أحزابًا نخدمها كما هو الحال الآن. إذا لم يوجد هذا الإطار بسرعة، أو على الأقل عادت الأحزاب السياسية إلى مكانتها السابقة وأعطت الشباب مكانهم الصحيح (وبعضها يفعل)، وكفّت عن التعويل على قيادات لدول أخرى والتهليل لها بسبب وبدونه، فإن هذه الهوية ستتهاوى بعد الخيبات المتتالية.