أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية!!

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)

بداية وقبل أن أسهب في مغزى هذه العبارة التي بتنا نرددها ونسمعها في أغلب النقاشات والحوارات- مع العلم أن الكثير من المتحاورين لا يطبقونها- أقول إنني بحثت عن مصدر هذه المقولة فلم أجد جوابا مؤكدا إلا أنه يقال بأن الشاعر أحمد شوقي هو قائلها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه المقولة صحيحة بالمطلق وأنها تصلح لكل شيء؟! أم أنها عبارة مغلوطة؟! هنا أود أن أوضح للقارئ أن هذه المقولة بالطبع لا تتناسب مع العقائد والثوابت فلا يعقل أن يدور نقاش حول عقيدة من عقائدنا الثابتة المسلم بها كعقيدة التوحيد مثلا وأخرج من هذا النقاش لأنني لا أريد إفساد الود بيني وبين ذلك الإنسان الملحد مثلا!!! لأن هذا الرأي في الإلحاد مثلا أو في جواز الزنا كما يطالب فيه البعض مثلا لا مجال فيه للحوار ولا مجال فيه للإبقاء على الود بين المتناقشين لأن هذه الأمور عقائدية بحتة لا يمكن التنازل عنها أو التساهل فيها، لكن إذا كان الموضوع موضوع خلافي عندها نستطيع القول والعمل بهذه العبارة، الاختلاف لا يفسد للود قضية.

وقبل أن أبدأ بالإسهاب في رؤيتي لهذه المقولة أود أن أوضح أن الاختلاف بين الناس ُسنةٌ كونية، وهو الأمر الطبيعي، وإلا لخلق الله سبحانه وتعالى الخلائق جميعها على نفس الديانة، ونفس الخِلقة، ونفس الأخلاق، ونفس الأفكار والتوجهات والأذواق، ونفس الألوان… إلخ. ولكن الله سبحانه وتعالى جعل التنوع والاختلاف هو الأساس: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فأصل الأمر كما ذكرت هو التنوع والاختلاف بين الخلائق حتى يتم التعارف والتآلف فيما بينها والأفضلية لمن اتقى الله. ولكن هنالك شرط في هذا الخلاف أو الاختلاف أن نضع نصب أعيننا قول الله تعالى: (….وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ…) فمن خلال هذه الآية يتضح لنا جميعا أنه إذا كان هنالك أي خلاف أو حتى كراهية بيننا وبين الآخر، علينا أن نضع ميزان العدل في تعاملنا حتى لو كرهنا هذا الأمر، حتى نرتقي أو نتقرب لدرجة تقوى الله عز وجل، وهنا أعيد وأكرر أن الاختلاف في رؤية الأمور والنظرة إليها كل من زاويته لهو أمر محمود- طالما أردنا الصالح العام- لأنه كلما زادت زوايا الرؤية في أمر ما زادت المعرفة والإلمام به، مما يتيح للإنسان المجال في الاختيارات والسبل لتحقيق هذا الصالح. وكما قال الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر) لأن الأصل في هذا الاجتهاد، إمّا أن يكون في صالح الدين، أو في صالح المجتمع، أو في صالح الوطن، لذلك يجب علينا كأفراد أو كحركات وأحزاب دينية أو سياسية أن نعمل ونطبق هذه السنة فيما بيننا وأن لا نكفر المجتهد الذي أخطأ لأن الله ورسوله جعلوا له أجرا واحدا ولم يلعنوه على خطئه أو يكفّروه كما يفعل البعض منا عندما تخطئ فرقة من الناس، بسبب عدم فهمنا ووعينا للدين! فإن ما نراه ونسمع عنه اليوم سواء على مستوى أمتنا الإسلامية الكبيرة أو على مستوى مجتمعنا الفلسطيني أو على مستوى بلدتنا من تناحر واختلاف على بعض الأمور لو نظرنا إليها لوجدنا أنها أمورا صغيرة تافهة نسبة لما نعانيه من قضايا أهم وأوجب علينا الاهتمام بها كقضية القدس والمسجد الأقصى وما يحاك لتهويدهما على مرأى ومسمع العالم دون أي حراك يُذكر، وكقضايا مجتمعنا في الداخل الفلسطيني من هدم للبيوت ومصادرة الأراضي والهجمة الشرسة من قبل الشرطة الإسرائيلية على كافة بلداتنا خاصة بعد وقوفها سدا منيعا أمام هجمات قطعان المستوطنين على المسجد الأقصى. لكن وللأسف الشديد انشغلنا بتناحراتنا وخلافاتنا على أمور صغيرة فقط حتى يثبت كل منا أنه الأقوى في الساحة أو أن رؤيته السياسية أصوب ومعالجته للقضايا أنجع وبذلك سيطرت هذه الخلافات التكتيكية على نفوسنا وبددت طاقاتنا التي من الممكن أن نوحدها بكل أريحية لو تقبل كل منا رأي الآخر وركز كل منا سواء على مستوى الأفراد أو الأحزاب على نقاط التوافق أكثر من التركيز على نقاط الاختلاف، لأننا والله أحوج ما نكون في هذا الزمان إلى الوحدة والتآلف والتفاهم في ظل ما نواجهه من تحديات على ثباتنا وبقائنا على هذه الأرض. ولو بحثنا في سبب هذه التناحرات التي قد تصل إلى درجة التطاول على بعضنا البعض، لوجدنا أن السبب يعود إلى سوء النية وسوء الأدب وسوء توجيه الكلام، وعدم تقبل النقد من الآخرين، والسبب في ذلك يعود إلى التربية في الأسرة التي يغيب عنها جو الحوار الراقي، وفي المدرسة التي يغيب عنها تقبل الزميل لزميله، وفي الحزب السياسي الذي يغرس في نفوس أتباعه فكرة من ليس معي فهو ضدي، وبذلك اختفت هذه العبارة من قاموسنا، فأصبح الاختلاف في الرأي يولد البغضاء والكراهية وتقاذف الاتهامات، بل قد يصل الأمر إلى القتل في بعض الأحيان والعياذ بالله، وكأننا بهذه الأخلاق نعود إلى عصر الجاهلية قبل الإسلام حيث كانت تنظر الأمم إلى العرب بازدراء واحتقار لما يسود بينهم من حروب ومشاحنات على الرغم أنهم أقارب وأبناء عمومة لكن الخلافات تدب فيما بينهم وتحولت إلى حروب طويلة الأمد على الرغم من امتلاكهم العديد من الصفات الحسنة كالكرم والجود، والشجاعة، والمروءة، والغيرة على المحارم، وغيرها من صفات العرب الكريمة التي لعلها كانت سببا في اختيار الله عز وجل خاتم الأنبياء والمرسلين من العرب. وعندما بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قام به تهذيب النفوس وتزكيتها بتقوية أواصر المحبة والألفة فيما بينهم: (وذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) ولكن يبدو أننا وللأسف بتنا نفتقد هذه النعمة، ألفة القلوب في وقتنا الحاضر لأن كل واحد فينا يحاول أن يثبت للآخر أنه على صواب والآخر على خطأ، مع أن الجميع هدفه مصلحة الدين والبلد، لكن بما أن كل واحد ينظر للأمر من زاوية مختلفة ومن رؤية مغايرة يعتقد أنه فقط على صواب !! ويريد مع الأسف أن يتفق معه الآخرون بكل شيء يؤمن به ويراه مناسبا ولو أدى ذلك إلى إلغاء الآخر!! وهؤلاء حالمون لأنهم يخالفون سنة الله في الكون. لذلك علينا جميعا دون استثناء أفرادا وعائلات وأحزاب وحركات أن نبدأ بالتغيير والتعلم كيفية التعامل مع الاختلاف بيننا وبين الآخر، وأن نتعلم أدب الخلاف ورقي الحوار، فلا بأس أن نختلف ونتحاور مع شخص ونختلف معه لساعات ومن ثم نخرج إخوانا متحابين في الله وليس بالضرورة أن يقتنع أحدنا برأي الآخر ما دام رأي كل منا يحافظ على الثوابت العقدية والوطنية، ولو رجعنا إلى القرآن والسنة لوجدنا أن الملائكة اختلفت بقصة القاتل التائب، ولوجدنا الانبياء اختلفت، سيدنا سليمان ويعقوب، والصحابة كذلك اختلفوا في بعض القضايا. إذن الاختلاف وارد وطبيعي كما ذكرت، لكن مع التمسك بأخلاقيات الاختلاف، بعدم تحويل الحديث إلى تحد شخصي لإثبات وجهة النظر بين المختلفين وعدم النظر إلى قائل القول بل إلى القول نفسه، وإحسان الظن بالآخرين، ولنا في الإمام الشافعي خير قدوة حينما ناظر العالم يونس ابن عبد الأعلى، وفي ختام المناظرة قال الشافعي: (ألا يستقيم أن نكون إخوانا في الله وإن اختلفنا في مسألة) وفي هذا المقام يحضرني قول الشيخ محمد رشيد رضا: فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.

نعم، ما دام هم الدين وهم الوطن يجمعنا، فما الداعي لكل هذه الخلافات، فلنرتقي إلى معالي الأمور ونترك سفاسفها وانظروا أيها السادة ولو على سبيل المثال والتوضيح إلى بريطانيا الصليبية التي يجتمع تحت قبة مجلس العموم فيها حزب المحافظين وحزب الأحرار وحزب العمال، فعلى الرغم من آرائهم المختلفة وسياساتهم الحزبية المتناحرة إلا أنهم يتفقون على خدمة قضايا دولتهم والرقي بها!!! أما نحن فقد تركنا ما يجمعنا واتبعنا ما يفرقنا، وأنا على يقين أن ما يجمعنا أكثر وأكبر مما يفرقنا.

وأخيرا، أذكر نفسي وإياكم بقول الشافعي:

لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ أرحت قلبي من هم العداوات

إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر بالتحيات

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى