أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

بين مسؤولية الفرد والجماعة

أمية سليمان جبارين (أم البراء)

من المسؤول؟! سؤال يتكرر ويطرح عند وقوع أي حدث أو حدوث أي خطب، سواء كان ذلك الحدث يصب في الاتجاه الإيجابي ومن أجل المصلحة العامة، أو على النقيض حيث يصب في الاتجاه السلبي ويكون سببا في تخلف المجتمع وانحطاطه. لذلك عند النجاح نجد ألف مدع يقول أنا المسؤول عن هذا النجاح!! أمّا عند الفشل فيبقى يتيما، الكل يتنصل منه، لذلك من المهم بمكان أن نحدد المسؤول عن أي حدث حتى نستخلص العبر من الأمر، ونقرر أن نسير بنفس الاتجاه أو نغيره. ونحن حين نقول من المسؤول؟! أي من المكلف أو من المخول في تنفيذ هذا الأمر؟! وكما هو معلوم لنا جميعا أن المسؤولية تقسم إلى قسمين: مسؤولية فردية حيث يكون الفرد مسؤولا بشخصه عن أي موضوع، ومسؤولية جماعية حيث تكون الجماعة أو المجتمع بشكل عام هو المسؤول عن الوصول لهذه المرحلة في أمر ما، أو المسؤول عن حدوث هذا الأمر. وللتوضيح، أود أولا أن أبين للقارئ أن المسؤولية تعني التكليف الشرعي الذي يكلف فيه الإنسان كفرد أو كمجتمع، وشعور الإنسان بتحمل هذا التكليف وتطبيقه هي المسؤولية!! وأول مسؤولية حملها الإنسان، هي الأمانة لقوله تعالى في محكم تنزيله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، والمسؤولية المقصودة هنا، أن يتحمل الإنسان مسؤولية نفسه وينجح في ذلك، ليستحق الجنة بإذن الله، كأن يتحمل الإنسان مسؤولية أعماله ويتحمل نتيجتها في الدنيا قبل الآخرة: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ…). إذن من أولى أولويات المسؤولية، أن يعمل الفرد على تفقيه نفسه في الدين وطلب العلم والرقي بالمجتمع الذي يعتبر الفرد ركيزته ونواته الأولى، لذلك نقول إذا صلح الفرد فقد صلح المجتمع، أي لو أن كل فرد منا عمل على صلاح نفسه، دينيا وأخلاقيا وعلميا، لصلح مجتمعنا الذي هو ركيزة من ركائز أمتنا المسلمة، وبذلك كنا سببا في نهوض الأمة المسلمة. فكما هو معلوم للجميع بأن بناء الأمة وتقدمها وازدهارها لا يتحقق إلا إذا قام كل فرد من أفراد المجتمع بأداء الدور المنوط به، وتحمل مسؤوليته المقدسة اتجاه دينه أولا وأمته الإسلامية ثانية، حتى يرتقي بها وترتقي به بين الأمم. لذلك فقد ثبَّتَ لنا الإسلام منظومة شرائع وقيم عظيمة، لو سرنا وفقها لوصلنا إلى المعالي ولعرجنا بأمتنا المسلمة إلى القمم، ولتحقيق هذا الهدف- الصعود بأمتنا إلى القمة- تقع المسؤولية في تحقيقه على: الفرد والمجتمع، فيجب على الفرد أن يهتم بالمجتمع، كما يجب على المجتمع أن يهتم بالفرد، فالعلاقة هنا علاقة مطردة كلما قام الفرد بواجبه ومسؤولياته اتجاه مجتمعه علا وازدهر المجتمع والعكس صحيح. لذلك فإن جل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تُحمل الجميع المسؤولية الجماعية عما يحدث للمجتمع والأمة بالعموم، لأن التقصير والضرر من الفرد يؤثر على الأمة كلها. ولو أخذنا على سبيل المثال والتوضيح لعبة كرة القدم التي تتكون من أحد عشر لاعبا فقط، لكن كل لاعب فيهم يعرف مكانه ومهمته وموقعه على ساحة الملعب، فإن قام كل لاعب بما منوط به وتحمل مسؤولية نفسه، كان سببا في فوز فريقه، وهكذا هي الحياة، فلو قام كل فرد من أفراد المجتمع بما عليه من مهام ومسؤوليات كل حسب موقعه، لارتقينا بمجتمعنا وأمتنا وصعدنا سلم الصعود إلى الاعلى دون أدنى شك، ولقطفنا ثمار فوزنا ونجاحنا في الدنيا قبل الآخرة.

لذلك حثّنا الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم من خلال الأحاديث النبوية على تحمل المسؤولية الفردية والجماعية: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في بيت سيده ومسؤول عن رعيته)، وهكذا حمل كل فرد من أفراد المجتمع مسؤولية خاصة به، عليه القيام بها على أكمل وجه حتى تكتمل صورة المجتمع الإسلامي العظيم. وكما ذكرت آنفا، بأن الخلل والتقصير في تحمل المسؤولية الفردية يؤدي إلى خلل في المجتمع، فعلى سبيل الحصر لا القصر: فإن الخلل في تربية الأبناء وعدم تحمل مسؤولية تربيتهم دينيا وأخلاقيا من قبل الأهل، يخرج لنا أفرادا يشكلون معاول هدم في المجتمع، سواء من خلال انخراطهم في أعمال العنف والإجرام وتجارة الحشيش والمخدرات، أو من خلال دخولهم في عالم الربا والسوق السوداء التي يعتبرها الشباب الطريق الأقصر لتحقيق أهدافهم الدنيوية المادية، مع العلم أنها والعياذ بالله الطريق الأقصر للوصول إلى جهنم. فمن المسؤول عمّا وصل إليه هؤلاء الشباب؟! ولكن في المقابل إذا اهتممنا بتربية الأبناء الذين هم اللبنات الأهم والرئيسية في بناء المجتمع، وتحملنا مسؤولية تربيتهم على أكمل وجه، فقمنا بتربيتهم دينيا وفكريا ومعنويا، عندها نقول إننا نجحنا في بناء مجتمع خيّر نيّر ومتعاضد، يشد ويؤازر بعضه بعضا، ولنا في وقفة طاقم المحامين من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني درس وعبرة بكيفية وقوفهم وقفة رجل واحد مع أبناء شعبهم، بوجه الغطرسة الاسرائيلية التي تأبى إلا أن تحاول إخراس صوت الحق فينا، والمطالبة بحقوقنا الشرعية من العيش بأمان وحرية العبادة في أماكننا ومساجدنا المقدسة دون أدنى قيد!! فأبت هذه المؤسسة الاحتلالية إلا أن تسجن أبناءنا ومشايخنا الأفاضل لقولهم كلمة حق عند سلطان جائر، وهذا من أخص مسؤولياتنا على هذه الأرض كمسلمين، فوقف هؤلاء المحامون للدفاع عن أبناء مجتمعهم دون مقابل، لا لشيء، إلا لأنهم يشعرون بالمسؤولية اتجاه مجتمعهم وأمتهم، وإنني من هنا ومن خلال هذا المنبر أدعو كافة أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، أن يؤسسوا صندوق دعم مادي لهؤلاء المحامين، الذين يواصلون الليل بالنهار من أجل الدفاع والذود عن أبنائنا أمام عنصرية الاحتلال والمستوطنين، وإن ما حدث مع أصدقاء الشهيد محمد كيوان وغيرهم من أبنائنا الذين شاركوا في التظاهرات السلمية والاحتجاجية على ما يحدث في أقدس مقدساتنا، لهو كفيل أن نهب لدعم طاقم المحامين الأفاضل الذين شعروا بمسؤوليتهم الدينية والوطنية اتجاه أبنائنا. فكل التحية والتقدير والعرفان لهم جميعا مع حفظ الألقاب والمناصب. أمّا السؤال الأهم، فهو ماهي مسؤوليتنا وماذا عسانا أن نفعل أمام معاول الهدم التي تهدم مجتمعنا وتنخر في جسده من الداخل؟! بداية أود أن أؤكد وأقول، نحن دعاة ولسنا قضاة، فإن أكثر ما نستطيع فعله أن ننصحهم ونحاول إعادتهم إلى الطريق والمسار الصحيح والسليم، إلى هدي الإسلام وتسامحه وعفوه، وأن ندعو لهم بالتوبة والهداية، تزامنا مع التوضيح لهم- أي لمعاول الهدم- أن الفساد والإفساد بالأرض عقابه ووباله في الدنيا قبل الآخرة، لذلك علينا كأفراد وجماعات أن ننكر هذا الأمر، وأن نقول كلمة حق في وجه المفسدين، حتى لا ينطبق علينا قول الله عز وجل: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، وأن لا ندخل في خانة “شو فرعنك يا فرعون قال: ما لقيت حدا يردعني”. فمن أهم وأوجب المسؤوليات المنوط بها الفرد المسلم، قول كلمة الحق عند سلطان جائر، حتى لو كان قول هذه الكلمة أو الوقوف بوجه الجور والظلم سيودي بحياتنا، لأن تعاليمنا الإسلامية وثوابتنا الوطنية أبدا لا ولن تضعنا في خانة الذل والهوان، لأن نفس الفرد المسلم المؤمن عزيزة وكريمة وحرة وليكن شعارنا في هذه الدنيا: أصلح نفسك وأدعو غيرك ولنجعل، من أنفسنا حراسا وحماة للرأي العام من خلال تطبيق قول الله: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). وآخر دعوانا أن اللهم اجعلنا ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وصلّ اللهم على سيدنا وحبيبنا الهادي محمد ابن عبد الله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى