أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

فرنسا ماكرون بين خيارين: إما المواجهة مع الإسلام وإما التعايش معه

الإعلامي أحمد حازم

الجنرال الفرنسي المتقاعد، جان بيير فابر بروناداك، أصدر في شهر مارس/ آذار هذا العام كتابًا بعنوان: “ملعونو فرنسا، بين القتل الإعلامي والعنف اليومي”، يتهم فيه الإعلام الفرنسي بالتقليل من خطر العنف الذي يُمارس على الفرنسيين، وينتقد تهمة الفاشية التي تلاحق كل من يعبّر عن تحفظه على الإسلام، إضافة إلى تهم أخرى. هذا الجنرال كتب رسالة بعنوان “من أجل استعادة شرف حكامنا” وقّعها كبار ضباط من بينهم جنرالات وألف عسكري، بعث بها للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يدعونه فيها إلى “الدفاع عن الوطنية”، ووضع حد “لهذه الفوضى المتزايدة”، ويشكّل الإسلام السياسي (islamisme) أحد أهم المحرّضات الذي تعبر عنه الرسالة، والذي يمكن رؤية تلاوينه لدى شرائح كثيرة من النخب الفرنسية.

والملاحظ أن توقيت نشر الرسالة في (21 إبريل/ نيسان)، له دلالات معينة. ففي هذا التاريخ جرى “انقلاب الجنرالات” في الجزائر ضد الرئيس الفرنسي ديغول واتهامه بالخيانة، لأنه يريد أن يتخلى عن الجزائر (الفرنسية) في نظرهم.

حوادث العنف تقع في كل بلد وليس في فرنسا وحدها. فإذا وقع حادث قام به بالصدفة مسلم، فإن الدنيا تقوم في فرنسا ولا تقعد، ويحمّلون الإسلام كله مسؤولية القتل. والسؤال المطروح: لو قام بالعملية شاب مسيحي أو يهودي فهل يتهمون “المسيحية” أو “اليهودية” بالإرهاب أم يغلقوا أفواههم؟ إذًا، الإسلام هو المتهم بالإرهاب سلفًا إذا كان فاعل الحدث مسلمًا.

في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، تعرضت شرطية فرنسية للطعن في منطقة رامبوييه قرب باريس. وكان الفاعل شابًا تونسيًا دخل إلى فرنسا في عام 2009 بطريقة غير شرعية. ومن أجل تكبير الحدث وتضخيمه ضد الإسلام قيل إن الشاب التونسي صاح “الله أكبر” قبل أن يطعن الشرطية، وقبل أن يسقط صريعًا برصاص أحد زملائها.

ولا شك أن موضوع الرسالة هو حدث مهم لليمين الفرنسي المتطرّف مثل حزب (التجمع الوطني) الذي تلقف هذه الرسالة، التي تعبر عن نزعة قومية متطرّفة، وأن تطلب رئيسة التجمع، مارين لوبان، من هؤلاء العسكريين الانضمام إليها في “المعركة من أجل فرنسا”، ذلك أن الطرفين يعتقدان بأن مصدر الشر في فرنسا غير فرنسي أي الإسلام.

ويلاحظ المراقبون وجود أرضية شعبية خصبة لمعادات الإسلام في فرنسا، خصوصًا أن الرئيس الفرنسي أعلن صراحة في مؤتمر صحفي بعد ترؤسه اجتماعا أمنيا بمدينة بوبيني شمال باريس، تعهد خلاله بـ”تكثيف التحركات” ضد الإسلام، وأعلن ماكرون ولأول مرة هجومه على “جماعة الشيخ أحمد ياسين”.

اليمين الفرنسي الذي ينتمي إليه ماكرون يحلو له دائمًا ربط الإسلام السياسي بالتطرّف والعنف ومعاداة الديموقراطية. ويرى أن الحل في مواجهة ذلك هو الحظر الشامل وسن قوانين للحد من انتشار الإسلام. وفي هذه الحالة فإن ماكرون الذي يعيش حالة ضغط انتخابي، يضغط بدوره على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لصياغة مبادئ تجعل “الشريعة” متوافقة مع ما يسميه قيم الجمهورية، يعني “إسلام على الطريقة الفرنسية”.

اليسار الفرنسي له موقف آخر من المسلمين في فرنسا، فهو ينظر إليهم من وجهة نظر ديمقراطية، ويعتبرهم أقلية دينية مهمشة وسكان ضواحي، ويناضلون ضد الظالم الاجتماعي، بينما اليمين الفرنسي يركّز على الجانب السياسي الذي وصفه “بالخفي أو شبه الخفي”، باعتباره خطرًا على فرنسا بنظرهم.

ما يجري في فرنسا من معاداة للإسلام والتحريض عليه هو جزء من حملة أوروبية يقوم بها اليمين الأوروبي ضد الإسلام. السياسي اليميني الهولندي المتطرف، “خيرت فيلدرز” زعيم حزب الحريات اليميني، الذي يعتبر واحدا من زعماء اليمين السياسي المتطرف في أوربا، الذين يناصبون الإسلام والمهاجرين المسلمين العداء، نشر في رمضان الماضي مقطع فيديو على حسابه على “تويتر” بعنوان “لا للإسلام لا لرمضان.. حرية، لا للإسلام”. ويتضمن مقطع الفيديو صوت الأذان، وعبارات “رمضان ليس من ثقافتنا، ولا من تاريخـنا وليس من مستقبلنا.. أوقفوا الأسلـمة.. الإسلام لا ينتمي إلى هولندا”.

لكن خيرت فيلدرز وحسب إذاعة بي بي سي لا يمثل حالة مفردة في أوروبا، إذ أن عدة أحزاب يمينية متطرفة، في دول أوربية أخرى، تنهج نفس النهج فيما يتعلق بالموقف من الإسلام والمسلمين، خاصة المهاجرين منهم إلى أوربا.

الكاتب الفرنسي (اللبناني الأصل) فارس خشان انتقد في مقال له: “التدابير التي بدأت الحكومة الفرنسية اتخاذها بحل تنظيمات إسلامية وإغلاق جوامع ومراقبة التمويل ومنع قدوم أئمة من الخارج، وتشكيل مرجعيات فرنسية تُعنى بكل تفاصيل الديانة الإسلامية، مشيرًا إلى إنّ خطأ القيادة الفرنسية أفاد خصومها وأربك حلفاءها لم يكن في إعلان معركة مع الإرهاب ومع التنظيمات الإسلامية، بل كان في اعتبار الدفاع المطلق عن حق الإساءة للأنبياء من “عدّة المواجهة”.

وعلى كل حال، فإن فرنسا أمام خيارين: فإما المواجهة مع الإسلام والمسلمين ليس في فرنسا فقط، بل في كل أماكن تواجدهم، وإما التعايش مع الإسلام بصورة طبيعية.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى