أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معسكر التواصل مع النقب: بصمات خالدة في مشروع المجتمع العصامي (2)

النقب على سلم اهتمامات الحركة الإسلامية

ساهر غزاوي

النقب على سلم اهتمامات الحركة الإسلامية

يعيش في النقب قرابة 250 ألف نسمة من الفلسطينيين أو ممن يطلق عليهم “فلسطينيو النقب”، وهم السكان الأصليون لهذه المنطقة. يتوزع نصف هؤلاء على بلدات معترف بها من قبل السلطات الإسرائيلية، ونصفهم الآخر في قرى وتجمعات غير معترف بها إسرائيليًا، تُطلق عليهم الدولة مصطلح “قرى غير معترف بها”، رغم وجودها قبل قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 بزمن طويل.

ويشكل فلسطينيو النقب اليوم نحو 32% من عدد السكان الإجمالي (العرب واليهود) في النقب، بمن فيهم أكثر من 70.000 عربي فلسطيني يعيشون في نحو 45 قرية غير معترف بها وفق القانون الإسرائيلي. وحسب الإحصائيات تبلغ مساحة الأرض التي هي بحوزة هذه القرى أكثر من 180,000 دونم وتفتقر هذه القرى إلى الحد الأدنى من البنية التحتية، الكهرباء، خطوط الهواتف، الصرف الصحي، الشوارع، العيادات الصحية والنقص الكبير في المدارس ومياه الشرب.

يضاف إلى ذلك، أن السلطات الإسرائيلية تحاول منذ عقود، تهجير واقتلاع فلسطيني النقب من أرض آبائهم وأجدادهم، كما تحاول أيضًا منذ عام 1969 تركيزهم داخل عدد قليل من البلدات التي قامت الحكمة بتخطيطها، وإرغامهم على التمدّن من خلال قطع ارتباطهم التاريخي بأراضيهم. تعتبر الدولة الإسرائيلية فلسطيني النقب الذين بقوا في قراهم التاريخية، “معتدين على أراضي الدولة” أو غزاة، ولذلك فإنها تحرمهم عمدًا من الخدمات الأساسية والبنية التحتية التي هي من واجبات السلطة أو الكيان السياسي في كل قطر من العالم، بما ذلك الماء، الكهرباء، شبكات الصرف الصحي، التعليم، العناية الصحية والطرق، كوسيلة ضغط لحملهم على الهجرة لأماكن أكثر تحضرًا مثل: المثلث والجليل، لمصادرة أراضيهم ووضع الكيان يده عليها.

بناء على ما ذكر، فإنه وفقًا لرؤية الحركة الإسلامية التي حظرتها السلطات الإسرائيلية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، فقد أولت جلّ اهتمامها الكبير، من الناحية النظرية والعملية لقضية النقب عبر مشاريع عديدة من تقديم منح لطلاب النقب، وإغاثة العائلات المستورة من خلال لجان الزكاة، وغير ذلك من مشاريع الزيارات والرحلات المتبادلة التي تجسد معاني الترابط والإخوة بين أبناء المجتمع الواحد، إلا أن أبرز هذه المشاريع وأضخمها كان “معسكر التواصل مع النقب” الذي جاء كمبادرة عملية تُقدم من خلالها الحركة الإسلامية نموذجًا واقعيًا من نماذج مشروعها الكبير الذي آمنت به ودعت إليه وهو مشروع (المجتمع العصامي)، تتجاوز بذلك المهرجانات والخطابات، لإحداث نقلة نوعية وتغييرات جذرية في مفهوم إحياء ذكرى يوم الأرض الذي كان يقتصر دائمًا على الاحتفالات التقليدية بهذه المناسبة في أراضي الـ 48، حيث اعتادت أن تقوم كل من البلدات العربية في الجليل والمثلث والساحل على حدة، بتنفيذ واحد من المشاريع الحيوية في القرى غير المعترف بها التي تعاني من اهمال متواصل من قبل السلطات الإسرائيلية التي تحرم الأهالي من الخدمات الحياتية الأساسية، وذلك عبر تخصيص لجان ومؤسسات، قبل الحظر، لإشعار أهل النقب أنهم ليسوا وحدهم في معركة مواجهة المشروع الصهيوني في سعيه لتهودي النقب.

يمكننا أن نفهم رؤية الحركة الإسلامية من خلال حجم الاهتمام الكبير الذي أولته لقضية النقب، عبر برامجها التوعوية والعملية وجعلها القبلة الوطنية لآلاف أبناء المجتمع في الداخل الفلسطيني عشية ذكرى يوم الأرض من كل عام لتتحدى محاولات تهويد النقب، من خلال أقوال وتصريحات الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب، إذ يقول الشيخ رائد: “نحن اخترنا النقب لأن  النقب الآن في عين العاصفة، هو المستهدف من قبل المؤسسة الاسرائيلية وأذرعها، يخططون لاستضعافه وترحيل أهله وتنفيذ التطهير العرقي عليهم، من هنا وجدنا أن أهل النقب الذين هم أهلنا هم المستهدفون، ونحن يجب أن نكون خير سند لهم بعد الله تعالى، ولذلك بادرنا ولم نتردد بهذه الرسالة تحت اسم معسكر التواصل مع النقب”. ويضيف في موضع آخر: “تنفيذ مشاريع وصل خيرها بحمد الله تعالى إلى 200 موقع في النقب، وهذا يعني أن هذه المشاريع أصبحت أوتادًا قوية تعمل على ترسيخ وجود أهلنا في النقب، وهي رسالة عملية تقوى يوم بعد يوم من خلال بناء المساجد، من خلال إصلاح المدارس، من خلال زرع الزيتون، من خلال شق الشوارع، من خلال بناء المساكن، من خلال بناء الجسور، بمعنى آخر صناعة حياة ذات صمود وبقاء في وجه كل من يتآمرون علينا”. كما واعتبر الشيخ رائد صلاح في خطاب له في “معسكر التواصل مع النقب الأول”، أن النقب يتعرض لمرحلة مصيرية من المخططات الإسرائيلية الهادفة لتهويده عن طريق ضرب المواطنين، ومصادرة الأرض، وفرض سياسة التطهير العرقي على المواطنين، ولمواجهة هذه المخططات لا تتمّ عبر الشجب والاستنكار، ولكن من خلال مشاريع للحفاظ على الإنسان والأرض والمسكن والمقدسات”.

أما الشيخ كمال خطيب فيقول في مقابلة صحافية معه (أجريت سابقا/ س.غ): “كلنا يعلم أن المؤسسة الإسرائيلية استهدفت النقب مبكرًا، ولم يكن صدفة أن يختار بن غوريون النقب في سنواته الأخيرة ثم أن يدفن هناك، ولم يكن صدفة أن يسير تلميذه شمعون بيرس على نفس المنهاج ليكون صاحب مشروع تطوير النقب والجليل وهو في الحقيقة تهويد النقب والجليل. ولأن النقب مساحته تعادل قريبا من 55% من مساحة فلسطين التاريخية، ولأن من النقب طرد قريبا من 100 ألف من أبناءه عام 1948، ولم يتبق سوى 12 ألف، فإنه أصبح لقمة سائغة، فعمدوا إلى تهجير العشائر وإسكانها في سبعة تجمعات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ثم الاستيلاء على الأراضي، والآن يكملون ما بدؤوا به بالتضييق على المضارب والقرى ورفض الاعتراف بها وحرمانها من أبسط الحقوق كالماء والكهرباء والشوارع والخدمات، لدفع أهلها للانتقال والإقامة في تجمعات ملحقة بالتجمعات السبعة، وليس بناء تجمعات جديدة. كل ذلك بهدف الاستيلاء على أراضي أهلنا في النقب. لأجل ذلك كانت دعوتنا بجعل النقب قبلتنا الوطنية، أي ضرورة الاهتمام بها”.

(يتبع…)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى