الرسائل الخفيّة في الإعلام وكيف تجدها (30): “أسبوع الموضة الإسرائيلي”
عائشة حجار
هذا الأسبوع، كان أسبوع الموضة الاسرائيلي، وهو حدث من عروض أزياء متعددة ومركزة، يحاول أن يعكس ويتماشى مع التغييرات في المجتمع الغربي والاسرائيلي. فمثلًا يجد القائمون على هذا الاسبوع أن حملة إعلامية قوية كانت هذا العام، لمنع التنمر على النساء الممتلئات، فيتماشى أسبوع الموضة مع المتغيرات في المجتمع عبر وضع عارضة أزياء “سمينة” في ذروة العروض، ليبدو الامر كأن التغيير بدأ في عالم الموضة وأن ملوك عالم الموضة بدأوا يرون هذه الفئة ويصممون ملابس على قياسها، حتى لو لم تكن هذه الملابس مناسبة لها ابدًا.
فالموضة قبل كل شيء تجارة مكلفة وملوّثة جدًا، ولكي اجعل “الناس العاديين” يشترون ما أصنع فسيكون عليّ أن أقنعهم أن ما أبيعهم هو أكثر من قطعة قماش. عالم الموضة اليوم، هو سوق للمبادئ المتغيرة حسب عدد المؤمنين بها والمتعاطفين مع أصحابها، لذلك فنحن لا نشتري المعطف فقط بل نشتري أجندة كاملة مع هذا المعطف نضيفها على الشخصية والهوية التي نستعرضها أمام غيرنا لنقول لهم: نحن نرتدي معطفًا من الماركة الفلانية لأننا نؤمن بالتعددية، الحرية، المرح، الحب، التمرد، أو أي قيم أخرى تسوقها هذه الماركة.
هذا الأسبوع، كانت ضيفة أسبوع الموضة “شيرا ايسكوف”، امرأة حاول زوجها قتلها بشكل وحشي لكنها نجت وهي الآن تنشط في تعزيز النساء المعنفات ونشر رسالة رفض العنف ضد النساء. وقبل أن أكمل فلا بد أن أنوّه أن هذه المقالة ليست حول العنف، بل حول تحجيم النساء في حدود أجسادهن دون الخروج من هذا الإطار الضيق.
شيرا اختيرت لتمشي في عرض الازياء لتكون هي الايقونة التي قرر القائمون على الحدث إبرازها وتسويق بضاعتهم عبرها. في خطوة رمزية تقرر أن ترتدي شيرا ثوبًا مكشوف الاكتاف لأن زوجها السابق، لم يكن يسمح لها بارتداء مثل هذه الثياب، بادعاء أن ارتداء هذا الثوب يرمز لتحررها من قبضة الرجل المجرم. إلا أن هناك رسالة سرية سيئة في هذه الخطوة، تشبه جدًا ما يحصل في مجتمعنا حين يقال إن نزع الحجاب تمرد على المجتمع الذكوري. الرسالة تعيد المرأة مرة أخرى الى الدائرة التي تحاول الخروج منها، وهي رؤيتها على أنها جسد قبل كل شيء، وأن تحررها الفكري من قبضة الظالم لا بد ان يمر بتحرر جسدي، مع ان هذا الربط ليس منطقيًا، فتغيير المظهر يعني الاعتراف بالآراء المسبقة حولها ويعني أن هناك مظاهر تدل على الاضطهاد ومظاهر تدل على التحرر. الخطورة في مثل هذا التصوير هو في محورين: الاول هو تبديد الكثير من الطاقات والأوقات لدى الناس، والنساء خاصة على انشاء و”صيانة” المظهر “الصحيح”، والمحور الثاني هو تكوين مظهر واحد واضح للمرأة الناجحة المقبولة اجتماعيًا، وهو أمر يتغلغل ايضًا الى المجتمعات المحافظة، ويمكن للبعض أن يتذكروا حالات لأشخاص يصرّون أن ترتدي نساؤهم وبناتهم ملابس محتشمة، ثم لا يقبلون تشغيل فتاة ترتدي مثل هذه الملابس في مكاتبهم ومحالهم، أو يتحدثون بلطف واحترام أكبر للنساء اللواتي يرتدين ما لا يتوافق مع إيمانهم. هذا التناقض كارثي يجعل بناتنا يعتقدن أن تغيير مظهرهن، وفي الغالب الى الجانب اللاديني، هو خطوة في سبيل النجاح، بينما في الواقع هي خطوة تؤكد على ما يمارسه العالم من سجن المرأة في إطار أضيق من أن ترتفع فيه إلى الأعلى كما قدّر لها أن تفعل.



