أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حقائق وأرقام: حزب المقاطعة هو الأكبر وماذا بعد؟

ساهر غزاوي
يتّضح جليًا من معطيات النتائج التي أفرزتها انتخابات الكنيست الـ 24 التي جرت يوم 23 آذار الماضي، تعاظم قوة تيار المقاطعة وانتشاره وتناميه بعدما اقتصر هذا الطرح على نشطاء إسلاميين ووطنين من ناحية، وتراجع التصويت بشكل واضح وتضييق رقعة خيار الانخراط في لعبة الكنيست الإسرائيلي ذات الوضعية الثابتة الذي يحبط جهود أي عضو عربي من ناحية أخرى، وهذا ما يُلزم الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست بأن تتراجع عن خطابها والزعم أنها تمثل أغلبية الشعب العربي في الداخل، لترى حجمها ووزنها الحقيقي أمام توجهات الفلسطينيين في الداخل وعزوفهم عن التصويت في المستقبل.
هناك عوامل عديدة أسهمت في رفع نسبة المقاطعة الأيديولوجية والمقاطعة الاحتجاجية في العقدين الماضيين، تحتاج إلى تفصيل في موضع آخر، وإن تعمّدت الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست الإسرائيلي إلى تحجيم وتهميش تيار المقاطعة وإظهاره بحجمه غير الحقيقي واعتباره تيارًا ضعيفًا لا أثر له أمام “بحر المشاركين”، لا بل إن بعضهم راح يزعم أنّ المقاطعة في معظمها عبارة عن “كسل في أداء الواجب الوطني” أو “لا مبالاة” وكأنهم يفتقدون لأي وعي سياسي يمكنهم من تحديد موقف خاص بهم. أو بعدهم عن حقيقة وجود أعضاء الكنيست العرب على هامش الهامش بلا تأثير ولا إنجازات إلا من بعضها العينية الفردية هنا وهناك والاشتراك في سنّ قوانين ليست ذات أثر حقيقي على قضايانا الأساسية.
بالنظر إلى الإحصاءات حول حجم مشاركة فلسطينيي الداخل في الكنيست الإسرائيلي في آخر عقدين، سنجد أنّ تيار المقاطعة تيارًا كبيرًا، مقارنة مع ما قبلها من عقود وسنوات، ففي السنوات 1949 – 1969 تراوحت نسبة التصويت عند العرب بين 80% و90%. وفي السنوات 1973 – 1999 تراوحت بين 68% و78%. وقد لعبت الحركة الإسلامية المحظورة منذ العام 2015 دورًا كبيرًا-كما يقول عدد من الباحثين- في رفع نسبة المقاطعة في انتخابات الكنيست والمقاطعة الجارفة في انتخابات رئاسة الحكومة عام 2001 عقب انتفاضة الأقصى عام 2000، والتي ارتقى برصاص القوات الإسرائيلية فيها 13 شهيدًا من عرب 48، حيث وصلت نسبة المقاطعة وقتها إلى 82% من المصوّتين العرب.

أمّا في النظرة التفصيلية إلى نتائج انتخابات الكنيست الـ 24 الأخيرة، فإن نسبة التصويت العامة: 67.4% من عدد أصحاب حق الاقتراع: 6,578,084. وعدد أصوات المتواجدين في البلاد: 6 مليون، منهم 17% عرب أي 1،020،000 صاحب حق اقتراع.

بناء على هذه المعطيات المذكورة في الجداول أعلاه والتي تشير إلى حقيقة تؤكد أن تيار المقاطعة للانخراط في لعبة الكنيست الإسرائيلي، هو الحزب الأكبر في المجتمع العربي، ما أثار تخوف الكثيرين من مؤيدي الانخراط في الكنيست الإسرائيلي كما أعرب عن ذلك الباحث الأكاديمي د. نهاد علي في مقابلة تلفزيونية له عشية الانتخابات مع قناة (إحنا تيفي) عندما قال: “الخوف الأساسي الموجود عندي أن يرجع حزب العازفين عن التصويت كالحزب الأكبر داخل المجتمع العربي، يعني أهم مكاسب القائمة المشتركة أنها تحولت إلى الحزب الأكبر في المجتمع العربي بعد ما كان مقاطعي الانتخابات واللا مصوتين هم الحزب الأكبر”.
بعد هذه الحقائق، هل سيبقى أولئك الذين يناقشوننا (بالأحرى يناكفوننا) في منتديات التواصل الاجتماعي مُصرين على إسكات الصوت المقاطع بأي وسيلة وفرض آرائهم عليه لقبول ثقافة “عنزة ولو طارت” وإقناعه حتى لا يُتعب نفسه بالتنادي إلى المقاطعة أن “الناس كلها مع التصويت وبدها مشاركة”؟ وهل سيبقى من يتغنى هناك بـ “شرعية الخيار المؤيد للمشاركة” بحكم أنهم أغلبية المجتمع وما المقاطعون إلا “شرذمة قليلون” وأصواتهم “نشاز” لا شرعية لهم لأنهم لا يعبرون عن صوت ونبض الشارع كما يُعبر عنه خيار الانخراط في الكنيست الإسرائيلي؟ وهل سيبقى أيضا من يحاولون تمرير روايتهم علينا غصبًا، التي تدحضها الحقائق والأرقام، أن هذه الانتخابات الأخيرة بين القائمتين (المشتركة والموحدة) “مهمة للغاية” لأنها بمثابة استفتاء لأبناء المجتمع العربي حول أي نهج يريدون لحياتهم الاجتماعية والسياسية؟ مع العلم كما بيّنا في الجدول (رقم 2) أن القائمة المشتركة حصلت 20.32% من أصوات أصحاب حق الاقتراع العرب، بينما حصلت القائمة الموحدة على نسبة 16.38%، والقائمتان معًا حصلتا على نسبة 37.17% فقط من المجتمع العربي! فهل هذه النسب المئوية القليلة المذكورة تمنح إحدى القائمتين، أو حتى القائمتين معًا، ثقة المجتمع بأكمله واستفتائه حول اختياره للنهج الذي يريده؟
غير أن معطيات هذه النتائج التي أفرزتها انتخابات الكنيست الإسرائيلي الأخيرة، تلقي بالمسؤولية الكبيرة على عاتق التيارات والأحزاب السياسية في الداخل الفلسطيني، وتفرض عليهم عدم التوقف عند التنادي للمقاطعة من خلال المؤتمرات والبيانات والتغريدات فقط، بل عليهم التحرك لإطلاق حوار جدي وحقيقي شامل لكل التيارات الوطنية لتنظيم المجموعة الفلسطينية في الداخل لرفع شأنها، والاتفاق على بلورة مشروع فلسطيني جامع في الداخل الفلسطيني، وبناء لجنة المتابعة العليا وانتخابها بشكل مباشر كمرجعية عليا للفلسطينيين في الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى