مقالاتومضات

هل باتت هذه أمنية عمر كنزنا المفقود!

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
منذ سقوط الخلافة العثمانية، وتفككيك العالم الإسلامي إلى دويلات واستفراد الغرب الصليبي من خلفه الماسونية العالمية، بهذه الدول، ووضع خطة إستراتيجية ممنهجة لاجتثاث الدين الإسلامي من قلوب وعقول أبناء الأمة الإسلامية، تمّ التركيز بواسطة خطط مدروسة على جيل الشباب بشكل خاص، وسلخهم عن الثوابت الدينية والوطنية، وتمييع كل القيم الأخلاقية، فنتج جيل لا يعتز بماضيه ولا يعمل لأجل حاضره ومستقبله!! جيلا مشوهّا دينيّا وفكريًا ووطنيًا، وبذلك بتنا نعيش أزمة تفوق كل الأزمات السياسية والاقتصادية التي عايشناها خلال هذه الفترة، لأن هذه الأزمة التي أقصد، هي السبب الرئيس في الأزمات الثانوية! إنها أزمة الرجال التي أقصدها، الرجال الذين يبنون الأمم والحضارات، الرجال الذين يصنعون التاريخ. قد يقول قائل ما هذا الكلام؟! ومجتمعنا مليء بالرجال! لكنني أقول إن مجتمعنا لديه وفرة بالذكور وليس بالرجال! لأن الذكر ليس بالضرورة أن يكون رجلا. وللعلم فقد يتصف بصفة الرجولة الذكور والإناث على حد سواء، فهناك امرأة (بألف ذكر)، وقد خلّد تاريخنا الإسلامي الكثير من الرجال الذين كانت لهم بصمات واضحة في صناعة تاريخنا العريق، أصبحنا ننظر إليهم كأنهم عمالقة من صنع الخيال، وإنّ المقوّمات التي جعلت منهم رجالًا لم تعد تتوفر لنا في وقتنا الحاضر!!!، مع العلم أن ظروفهم كانت أصعب من ظروفنا، فعلى سبيل المثال، لو قارنا بين جيلنا الحاضر وبين جيل الصحابة، لوجدنا أن الجيل الحاضر قد تهيأت له كافة الظروف والأسباب المادية لصناعة الرجال وصناعة الحضارة، لأننا والحمد لله موحِدون مسلمون كابرًا عن كابر، ونحن نعيش في دول إسلامية لا يوجد عداء قبلي بيننا أو بين الدين، وقد تم تهيئة قاعدة حضارية ضخمة من قبل من سبقنا نرتكز عليها ونبدأ من جديد، بينما لو تطرقنا للفترة النبوية وعهد الصحابة، لوجدنا أن الصحابة غالبيتهم ولدوا كفارًا ولوالدين كفار يعبدون الأصنام والأوثان، والبيئة العامة التي كان يعيشون بها بيئة عداء، وحرب مع الرسول والمسلمين، فهم لم يولدوا صحابة، ولا أتقياء، ولا كرماء، لكن هؤلاء الرجال حين دخلوا في الإسلام تمت تربيتهم تحت عيني النبي صلى الله عليه وسلم، فغيّرهم وبدّلهم بالإسلام، فنشأ منهم رجال صدقوا الله فصدقهم وقد بيّن الله ذلك في محكم تنزيله، بقوله: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). هؤلاء هم الرجال، هؤلاء هم النخبة، هؤلاء من تميز الإسلام بصناعتهم عن باقي الأمم والديانات، ففتحوا البلاد وأسسوا دولة الإسلام، هؤلاء من تمنّاهم الفاروق عمر بن الخطاب، حين سأل بعض الصحابة بينما كانوا يجلسون في أحد البيوت، سألهم أن تمنوا، فقال أحدهم أتمنى ملء هذا البيت ذهبا أنفقه في سبيل الله، وقال ثان أتمنى ملء هذا البيت جواهرا ولؤلؤا أنفقه في سبيل الله، فقال عمر تمنوا، فقالوا لانعرف ما نتمنى، تمنى أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أمّا أنا فأتمنى ملء هذا البيت رجالا كأمثال أبي عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله. يا الله ما هذه الأمنية العمرية ؟! رجال! تمنى الفاروق رجالا لأنه يعرف قيمة الرجال، لأنه يعلم أن الرجال سيفتحون البلاد ويدخلون أهلها في الإسلام ويغنمون المال والجواهر ويبنون الحضارة ويعلون كلمة الدين. تمنى عمر بن الخطاب رجالًا يكون الواحد منهم بألف رجل بل يكون الرجل منهم بجيش كامل، فهذا خالد بن الوليد عندما طلب المدد من الخليفة الصّدّيق في معركة القادسية، أرسل له القعقاع بن عمرو قائلا لخالد: لن يهزم جيش فيه القعقاع. هل تعرفون لماذا؟! وما الذي ميّز هؤلاء الرجال عن غيرهم، لأنهم مكّنوا دين الله في قلوبهم واستوطنها الإيمان والصدق والإخلاص، فمكّن الله لهم دينه في الأرض، فأين نحن من أمنية عمر؟! أين حكامنا الذين فُتحت الدنيا لهم وتهيأ كل شيء أمامهم، لكنهم ما زالوا ذكورا بل أشباه الذكور، أين شبابنا التائه بين صرعات الموضة وآخر تسريحات الشعر، أين فتياتنا اللاتي أصبحن كريشة في مهب الريح تَضاربها الجمعيات النسوية تارة، وجمعيات الانحلال الأخلاقي بمسمى الحرية الشخصية، أين أنتم من أمنية عمر أيها المنبطحون في حضن الأعداء، أيها المنهزمون نفسيا وفكريا، قبل انهزامكم العسكري!!!
لله درك يا أمير المؤمنين، لقد فقدنا البوصلة وتنازلنا عن مهمة صناعة الرجال، لأننا لا نقوى عليها، فقد فقدنا براءة الاختراع في صناعة الرجال، مذ أن انسلخنا عن الدين وتهنا في صحراء الشهوات!!! فأصبحت الدنيا أكبر همّنا فها هم شبابنا أصبح الواحد منهم جلّ همه الزواج بفتاة جميلة، بل بحورية من حوريات الأرض، لأن همّه واهتمامه مادي دنيوي بحت، ولم يبحث الشاب فيهم عن المرأة الصالحة لإنجاب الأولاد وتربيتهم التربية السليمة التي يتخرج منها رجال لهم هدف وغاية وحيدة، هي إعلاء دين الله في الأرض!! وهنا تستحضرني قصة نجم الدين أيوب، والد الناصر صلاح الدين الأيوبي، حينما كان عازبا أراد أخوه أسد الدين شيراكوه تزويجه فعرض عليه بنات الوزراء والأمراء، فأجاب أسد الدين، إنني لا أريد الزواج بمثل هؤلاء، إنني أريد الزواج بامرأة تأخذ بيدي معها للجنة، وأنجب منها ولدًا تربيه تربية حسنة حتى يشب ويصبح فارسا يحرر بيت المقدس، وبنفس المستوى من الوعي كانت أم صلاح الدين، حيث تقدّم لخطبتها أكابر مدينة تكريت، فرفضتهم وصدف أن جاءت للمسجد عند شيخ الحي، وكان عنده نجم الدين، فاستأذنت الشيخ وعندما تنحيا جانبا سألها الشيخ لما رفضت الخطاب، ألا يعجبونك قالت: بلى هم على الرأس، لكنني أريد رجلا يأخذ بيدي إلى الجنة، وأنجب منه ولدا نربيه تربية حسنة ويصبح فارسا ويحرر بيت المقدس. يا الله نفس الهم ونفس الهدف تحرير بيت المقدس الذي يبعد مسافات شاسعة عن تكريت العراق، لكن هكذا كان رجال أمتنا وهكذا خرج من أصلابهم رجال قادة ومحررين هل تعلمون لماذا؟! لأنهم اهتموا بالتربية السليمة وأحسنوا الاستثمار في أبنائهم، ولم يهتموا بالاستثمار لهم، بينما نحن في هذا الزمان، بتنا كمن دخل سباق فيمن يستثمر لأبنائه أكثر ويعدّ لهم درجة عالية من الرفاهية ورغد العيش، وتناسينا أهم عنصر في صناعة الرجال، ألا وهو الاستثمار في الأبناء!! الاستثمار الديني والثقافي والفكري والوطني الذي يبني ويحمي الأبناء من أي مؤامرات خارجية لضربنا بأغلى ما نملك من ثروات، ألا وهي الثروة الشبابية.
وهكذا يوم أصبحت الدنيا أكبر همّنا ونسينا الدين والآخرة، فقدنا الرجولة، عندما افتقدنا لرجال يقول الواحد فيهم أينقص الدين وأنا حي، فأصبحت هذه الماركة من الرجال كالكنز المفقود الذي علينا أن نبحث عنه بين ثنايا الذكور. وآخر دعوانا أن يسّر اللهم لهذه الأمة رجالا صالحين مصلحين يرفعون راية الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى