أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وضعية الكنيست الثابتة وأوهام الإنجاز والتأثير

ساهر غزاوي
ما لا تجرؤ عليه الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست الإسرائيلي، هو الاعتراف صراحة أمام الجماهير العربية التي هي بالنسبة لها بمثابة (خزان أصوات انتخابي)، أن الكنيست الذي هو أحد الأعمدة الرئيسية للمشروع الصهيوني، وبتجربة أكثر من 70 عامًا، ذات وضعية ثابتة أُحبطت منه جهود أي عضو كنيست عربي وجعلت من نتائج إسراف طاقاتهم في مسرح الكنيست معارك وهمية وانجازات تكاد تصل إلى صفر. وإن حدث وامتلك أحد الجرأة على الاعتراف بذلك في لحظة صدق مع النفس ومع الناس، فلا يكون ذلك إلا بعد خروجه من “كرنفال” الكنيست.
خلافا لما تسوقه الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست الإسرائيلي عشية كل دورة انتخابية، فإن وجودهم في الكنيست لم يمنع فعليّا تمرير مشاريع وقوانين تشرعن المسّ بحقوق العرب وممارسة سياسات التمييز العنصري والقومي ضدهم. فحتى لو صوّت 15 أو 20 عضوًا عربيّا على رفض مشروع قانون للمصادقة عليه، فالذي يقابلهم غالبية تفوقهم بأضعاف.
مثال على ذلك، في عام 2018 تحديدًا، اعتبرت “القائمة المشتركة” بأعضائها الـ 13 نفسها، القوة الثالثة في الكنيست و”قوة برلمانية وازنة” لها دور مؤثر في الحياة السياسية الإسرائيلية، وقد شهد هذا العام هجمة تشريعية مسعورة في الكنيست الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، تهدف إلى تقنين الجرائم والممارسات العنصرية التي ترتكبها سلطات الاحتلال على أرض الواقع، طوال سبعين عامًا والتي تنتهك قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، لتثبت مجددًا فشل استثمار قوتهم العددية في امتحان وضعية الكنيست الإسرائيلي الثابتة، ووظيفتها البنيوية العنصرية، بما يحبط جهود أي عضو عربي كما أسلفنا.

إليكم تلك القوانين الإسرائيلية العنصرية:
1. قانون أساس القدس الموحدة عاصمة إسرائيل المعدّل (1 يناير/ كانون الثاني 2018)، أقرّ بالقراءتين الثانية والثالثة بتأييد أغلبية 64 عضوًا، مقابل معارضة 52 عضوًا وامتناع عضو واحد عن التصويت.
2. قانون احتجاز جثامين الشهداء (7 مارس/ آذار 2018). أقرّ بالقراءتين الثانية والثالثة بتأييد 45 عضوًا ومعارضة 10 أعضاء.
3. قانون سحب الإقامة الدائمة من أهالي القدس والجولان (7 مارس/ آذار 2018). أقرّ بالقراءتين الثانية والثالثة بتأييد أغلبية 64 عضوًا، مقابل معارضة 18 عضوًا.
4. قانون خصم مخصصات رواتب الأسرى والشهداء (2 يوليو 2018). أقرّ القانون بالقراءتين الثانية والثالثة بتأييد 87 عضوًا مقابل معارضة 15 عضوًا.
5. قانون أساس “قانون القومية”: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودية (19 يوليو/ تموز 2018). أيّد القانون 62 عضوًا مقابل معارضة 55 عضوًا وامتناع عضوين عن التصويت.
6. قانون منع فلسطينيي الضفة من رفع دعاوى مباشرة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية (26يوليو/ تموز 2018). حظي مشروع القانون بتأييد 55 عضوًا وعارضه 48 عضوًا.
7. قانون بمنع مضاعفة تخفيض فترات الاعتقال للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018). صادق الكنيست الإسرائيلي بشكل نهائي وبالقراءتين الثانية والثالثة على تعديل المادة رقم 68A من قانون السجون “النسخة الجديدة” لسنة 1971، واعتمد تعديل القانون بأغلبية 53 عضوًا مقابل معارضة 9 أعضاء.
8. قانون منع تقليص فترات سجن الأسرى الفلسطينيين “الشليش” (25 ديسمبر/ كانون الأول 2018). أقرّ القانون بالقراءتين الثانية والثالثة بتأييد 27 عضوًا وعارضه 6 أعضاء.
وحتى يبقى أعضاء الكنيست العرب على صلة بسؤال الإنجاز والتأثير وإخفاء حقيقة وضعية الكنيست الثابتة عن الجماهير العربية (خزان أصوات انتخابي)، ابتعدوا في خطاباتهم وسلوكياتهم السياسية عن صلب العمل السياسي العربي والفلسطيني وجعلوا جلّ اهتماماتهم وبيع أوهام إنجازاتهم الكنيسيتية تدور حول مطالب معيشية هنا وهناك، علمًا أن أحد الأسباب المركزية لعدم الحصول على هذه المطالب هي الدولة الإسرائيلية التي هجّرت وقتلت شعبنا، لنصارع على الفرع بدلاً من الأصل. وذلك بتفاخر تعاونهم مع أعضاء يهود آخرين في سنّ قوانين ليست ذات أثر حقيقي على قضايانا الأساسية.
لذلك تسعى حملات الأحزاب العربية الانتخابية للكنيست الإسرائيلي من خلال خطابها الخدماتي إلى تحفيز تلك العواطف والضرب على أوتارها، والذي سيجر هذا الخطاب إلى الإندماج ضمن مفهوم الأسرلة وتدجين فلسطينيي الداخل ضمن سؤال من يجلب لنا مكاسب معيشية أكثر، ولو على حساب الابتعاد عن القيم والمبادئ والارتباط ارتباطا مباشرًا بالمصالح والحسابات المادية والاقتصادية وإلى سياسة المقايضة “بهمنيش منين الحل المهم بدي حل”، مستغلة حالة التيه السياسي وتراجع الخطاب القومي الوطني، ولجم الخطاب الإسلامي بعد حظر الحركة الإسلامية التي حملت مشاريع سياسية واجتماعية كبيرة كان لها أثر كبير على الحراك السياسي والاجتماعي وعلى الوعي في صفوف الجماهير الفلسطينية في الداخل.
من جهة أخرى، تعمد الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست الإسرائيلي إلى تحجيم وتهميش تيار المقاطعة واظهاره بحجمه غير الحقيقي واعتباره تيارًا ضعيفًا لا أثر له أمام “بحر المشاركين”، رغم أن المعطيات الحقيقية والنِسب المئوية تقول غير ذلك، لا سيما في آخر عقدين، إذ أنه من مصلحة الأحزاب العربية الكنيستية تعزيز شرعية مشاركتها في الكنيست الإسرائيلي التي لم تحقق منذ عقود أية إنجازات حقيقية لوجودهم على هامش الهامش؛ ولا يمكن لهذه الأحزاب أن تعترف أنه لا يمكن حل مشاكلنا وتحصيل حقوقنا من خلال الكنيست الإسرائيلي، وذلك لتخوفها من انتشار وتوسع تيار المقاطعة وتضييق رقعة عملية الانخراط في لعبة الكنيست الإسرائيلي.
ختاما، للإجابة على سؤال المليون: ما هو الحل وما هو البديل؟ فالجواب أن الحلول والبدائل موجودة خارج وضعية الكنيست الإسرائيلي الثابتة التي وظيفتها احباط جهود أي عضو عربي، وموجودة خارج قواعد لعبة الكنيست مضبوطة الإيقاع وفق ما يتناسب مع أهداف المشروع الصهيوني، مع استحالة ضبط قواعد لعبتها وإيقاعها بما يتناسب مع هويتنا وذواتنا وطبيعة الصراع مع المؤسسة الإسرائيلية، لكن هذه الحلول بحاجة للمثابرة والصبر والعمل الجاد ووضع رؤية واضحة وشاملة لمستقبلنا كعرب وفلسطينيين في هذه البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى