أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

في قراءته للحراك الشبابي المناهض للعنف، د. ابراهيم خطيب: نحن في مرحلة ما بعد القيادة التقليدية

عائشة حجار

بعد مضي أكثر من شهر على بداية الحراك الشعبي في مواجهة العنف في المجتمع العربي، وخروج عشرات آلاف الشباب إلى الشوارع مطالبين بتغيير الواقع ورافضين التسليم به، تحدثت صحيفة “المدينة” إلى الباحث د. ابراهيم خطيب، ليلخص قراءته لهذا الحراك حتى الآن، ويستعرض توقعاته حول تأثيرات هذا الحراك على الشباب والقيادة في الداخل الفلسطيني.

المدينة: كيف ترى الحراك الاخير ضد العنف بشكل عام؟

خطيب: لا شك أن الأحداث الأخيرة وتزايد وتيرة جرائم القتل في مجتمعنا العربي أدّت إلى تصاعد الغضب الجماهيري، والذي كان موجودًا دائمًا، ولكنه كان حبيس البيوت، وحبيس الأحاديث العامة، والآن أعتقد أنه يتدحرج ليكون صوتًا في الشارع من خلال المظاهرات التي كانت، ومن خلال الحراكات التي تمّت. طبعًا هذا يدل على حالة غليان مجتمعي يعيشها مجتمعنا في هذه الآونة، بسبب جرائم العنف وعدم الوصول إلى حل لهذه الجرائم، وبالتالي الشعور أن الجميع مهدد. شعور التهديد هو شعور جدًا صعب وهو من المشاكل الأساسية التي يسعى الانسان بطبيعته الانسانية للتعامل معها، لأن العيش بأمان هو من الحاجات الانسانية الأساسية، وبالتالي هناك شعور أننا وصلنا إلى مرحلة اللاعودة ويجب النهوض، وحالة اليأس يمكن أن تؤدي إلى عنف إضافي. أعتقد أن مجتمعنا بين حالتين، حالة من اليأس يعيشها بعض الناس، لدرجة إحباطهم من إمكانية توفر حلول للوضع المتردي. وهناك حالة من الحراك الشبابي، بالأساس يقول إنه يجب أن نقوم بشيء، ويجب أن نحاول تغيير الواقع الموجود اليوم من خلال مظاهرات وعمل جماهيري وعمل متتابع في هذا الاتجاه. الآن هناك حاجة لتحريك هذه الفئة الخاملة التي أصابها نوع من اليأس اتجاه العنف الذي يعيشه مجتمعنا. كذلك يجب أن يكون الحراك متجانسًا قويًا ويمثل الجميع، لأن حراكًا بهذا الاتجاه يمكن أن يؤدي لنتائج أفضل بكثير إن كان يجمع الجميع ويحرك الجميع. هذا لا يعني أن الحراك القائم هو حراك محدود، بل هو حراك قوي وإيجابي، غير أن واجب المرحلة يحتم العمل في ثلاث نواحي، أولًا: جعل الالتفاف الجماهيري حول الحراك أوسع. الأمر الآخر هو النفس الطويل الذي يحتاجه هذا الحراك، وهذا يعني وضع برامج عمل وأهداف يسعى إليها هذا الحراك. الأمر الثالث هو الحاجة إلى التشبيك بين هذه الاطر في البلدان المختلفة، ليكون هناك عمل جماعي وتوفير قاعدة قيادية تجمع هذه الاطر لتكون فاعلة ولها وزنها ويتم التنسيق بينها جميعًا لتحصل مطالبنا بمجابهة العنف. هذا العمل القيادي المطلوب اعتقد إنه جاء إثر حالة سأقول إنها نوع من عدم الرضى عن القيادة القطرية السياسية الموجودة حاليًا، هذا كما يبدو أدى لظهور هذه القيادات.

يجب على القيادات التقليدية المتمثلة في لجنة المتابعة بأحزابها ومركباتها المختلفة أن تتدارك نفسها. كذلك ربما نحن في مرحلة ما بعد القيادة التقليدية التي كانت لسنوات. طبعًا لا اعتقد أن الامر بهذه السهولة، ويجب أن يكون هناك شعور لدى القيادة التقليدية ان هناك حاجة للعمل وللمساهمة بهذا الحراك وليس لجمه او شلّه.

المدينة: إذًا هل يمكن ان يولد هذا الحراك قيادة شابة جديدة؟

خطيب: هذا سؤال مهم، واعتقد انه يتعلق بثلاثة عوامل. العامل الأول، هو مدى نجاح الحراك، لأن من شأن هذا النجاح دوام ظهور القادة الشباب الذين يديرون الحراك، طبعا نقول ذلك في حال كانت هناك قيادة واضحة لهذه الحراكات أصلًا، حيث ما هو حاصل إلى الآن، إنما هو غضب شبابي يترجم من خلال هذه المظاهرات. العامل الثاني والمهم برأيي، هو أن القيادات التقليدية كذلك لها حضورها ووزنها ولا يمكن اغفال ذلك ولكن ما اقوله إن هناك حاجة لتشبيك العمل بين هذه القيادات وأن تعلم ان مجتمعنا يمر بمرحلة تغيير، مجتمعنا يمر بمرحلة من تراجع الثقة بالقيادات التقليدية. وأنا لا ألوم القيادات التقليدية، فهي تحاول أن تغير ولكن بأدواتها ورؤيتها التقليدية، ويبدو ان هذا لم يجد نفعًا في مجابهة العنف ولم يغير شيئًا على أرض الواقع وبالتالي جاءت هذه الحاجة لخروج هذه القيادات أو ما يمكن ان نسميه العمل الشبابي في هذه المرحلة في كافة البلدان. العامل الثالث الذي يشير إذا كان هذا العمل سيأتي بقيادات شابة جديدة على الحلبة السياسية، هو أن يتطور الحراك ليتجاوز موضوع العنف. يمكن أن تكون هذه القيادات هي قيادة خاصة بالحراك الشبابي، فإذا ما اقتصر الحراك على موضوع العنف، لن تكون قيادة على مستوى المجتمع ككل، وبالتالي لن تكون هناك قيادة عامة منبثقة عن هذا الحراك، إلا إذا كانت هذه الاعمال ذات استمرارية وحاولت معالجة القضايا الأخرى، وحاولت تنظيم نفسها بشكل أو بآخر لتعالج المحاور الأخرى وقدمت بديلًا للمجتمع. أعتقد اننا بعيدون عن هذا التوجه، ولكن هناك خطوات بهذا الاتجاه خلال هذه الحراكات التي تحتاج لتنظيم ورؤية عامة لنصل الى مرحلة تكوين قيادات جديدة في المرحلة المقبلة.

المدينة: قسم من المشاركين هم من أبناء الألفية الثالثة الذين لم يعايشوا أزمات شديدة مقابل المؤسسة الإسرائيلية. كيف يمكن أن يؤثر هذا على نشاطهم السياسي؟

خطيب: هناك تراكمات من الخطاب السياسي الوطني ما زالت حاضرة في مجتمعنا، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في السنوات الأخيرة، بات هذا الخطاب يتراجع لصالح الخطاب المطلبي، وبالتالي يجب الأخذ بعين الاعتبار ترشيد هذا الحراك، وبنفس الوقت أن يكون حراكًا يقارب انتمائنا الوطني الفلسطيني الاسلامي ويعالج مشاكل مجتمعنا. هذا الجيل يعايش حالة من صراع الخطابات مع خلفية وطنية لا يمكن التشكيك بها، ولكنه يعايش هذا الصراع بين الخطابات. يبدو أن الشباب المنتمي هو من يتصدر المشهد، لكن يجب الحفاظ على هذا الدور وهذا الانتماء، ما يتطلب جهدًا من الفاعلين على الأرض من خلال هؤلاء الشباب ومن خلال فاعلين آخرين للحفاظ على هذا الخطاب والتمسك به والحفاظ على هذا الجيل من الشباب وتنشئته على هذا الخطاب.

 المدينة: الادعاء ان مدينة ام الفحم وقفت وحدها بداية وبعدها انضمت باقي المدن للحراك، الى اي مدى هذا الادعاء صحيح؟

خطيب: أم الفحم نزفت كثيرًا وبالتالي الحراك الفحماوي كان حصيلة نزيف الدماء المتتالي في أم الفحم بعدد ضحايا كبير. ولا يمكن النفي أن أم الفحم مدينة لها حضور وطني كبير وهذا يعطي أفضلية لام الفحم مقابل القرى والمدن الأخرى. بنفس الوقت لا يمكن أن نفصل أم الفحم عن باقي البلدان، هي تمثل حراكًا بدأ فيها، لكنه يمثل مجتمعنا. برأيي هناك ثلاثة أمور تجعل هذا الحراك يمتدّ الى مناطق أخرى. اولًا للأسف نزيف الدم وتصاعده في كل بلدة وبلدة. الامر الثاني هو وجود قيادات مبادرة في هذه البلدات. والامر الثالث هو الحاجة مجددًا الى تشبيك العمل عبر التعاون بين الاطر المختلفة وجعل الحراكات فاعلة في كل البلدان وجعل مجتمعنا مجتمعًا متماسكًا في مواجهته للعنف وهذا يتطلب عملًا قطريًا.

المدينة: نتيجة الاحتجاجات كان هناك ايضًا حراك ومطالب للحكومة الاسرائيلية. اكثر المقترحات التي لفتت الانتباه وجوبهت برفض كبير كان اقتراح نتنياهو بتنصيب مفوض لشؤون المجتمع العربي، على ماذا تدل مثل هذه الخطة؟

خطيب: أولًا لنرى الأمور في إطارها، الآن نحن على أبواب انتخابات ستجري في شهر آذار، ولذلك هناك توجه من قبل نتنياهو لجلب الصوت العربي لليكود، وهو يحاول اللعب على الوتر الصعب وهو وتر العنف الذي يضرب في مجتمعنا، وبالتالي هذه الخطة جاءت في محاولة لجذب الصوت العربي ولا يمكن نفي ذلك. الامر الاضافي أن مشكلة العنف هي الآفة المركزية التي تحاصر مجتمعنا وهناك حاجة للتعامل معها بشكل قوي، واعتقد أن المؤسسة الاسرائيلية ولو بعد حين ستدرك أن جائحة العنف إذا ما تجاوزت خطوطًا معينة وضعتها، سيتوجب التعامل معها لأن هذا سيصب للمصلحة الاسرائيلية لسببين مركزيين، الاول هو أن منظمة التعاون الاقتصادي تطالب أن يكون هناك تعامل مع المجتمع العربي في قضايا مختلفة، وهناك فجوة بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي، فهناك مصلحة اسرائيلية، الأمر الآخر هو الحاجة الاسرائيلية ليكون المجتمع العربي منتجًا اكثر ومندمجًا اكثر، وذلك لن يكون إلا من خلال مجابهة العنف. هذا بالإضافة الى الخشية من أن يصل العنف إلى المجتمع اليهودي، وهذا أمر مقلق للمؤسسة الإسرائيلية، ويبدو أنها عملت في استراتيجية أن تدع العنف يصل هذه المرحلة، لنأتي ونستجدي المؤسسة أن تأتي بعدها وعتادها لتجابه العنف في مجتمعنا وهذا ما تريده، أن نكون مرتبطين بها ونستجديها لمعالجة مشاكلنا. مجددًا التوقيت هو توقيت سياسي بحت يرى نتنياهو أنه سيفيده. مع الأخذ بعين الاعتبار أن القيادات العربية مع الاسف لم تنجح في العمل بشكل جدي على الاقل لإظهار ذلك لمجتمعنا، لتربح انتخابيًا عن طريق التعامل الجدي مع قضية العنف.

المدينة: المطالبة بحماية دولية، الى اي درجة هو طلب واقعي؟

خطيب: لا شك هناك حاجة للعمل بشكل أكبر وبشكل غير تقليدي في مجابهة العنف، وموضوع الحماية الدولية هو موضوع مهم خصوصًا أن الأبحاث تشير الى أن هذا العدد من القتلى يشير الى نوع من الحرب في مجتمعنا، وهناك حاجة للتعامل مع هذا الموضوع. لكن هناك حاجة لخطوات جدّية حثيثة وبشكل واضح وليس فقط جعلها شعارات وهذا ما ينقص مجتمعنا، فحتى موضوع المظاهرات والمسيرات لم يتم التعامل معها واستثمارها بشكل جدي وجماعي، وبالتالي لم تؤت ثمارها كما يجب. أعتقد أن الخطوات التي يجب أن يتم العمل عليها يجب أن تكون ضمن خطة واضحة ومنهجية ومحاولة حثّ الجماهير على الالتفاف حول هذه الخطوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى