الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها؟ (23)

عائشة حجار
قلنا ونعيدها: نحن شعب تحت احتلال! وجزء أساسي من المنظومة الاحتلالية هو الإعلام الإسرائيلي، الذي يهتم دومًا في إظهار العربي على أنه مخلوق متخلف مخيف يستيقظ كل صباح ولا يفكر إلا بالقتل والتخريب. الإعلام الاسرائيلي منذ تأسيسه كان مجندًا مع أجندات يمرّرها، ولم يكن يومًا إعلامًا ربحيًا خالصًا، بل في أفضل حالاته يظهر التعاطف مع العربي ثم إذا نظرت ثانية، تجد رسالته الأساسية أن العرب كائنات بائسة بسبب عروبتهم وإسلامهم ولا بد لهم أن يمسخوا هويتهم ليصبحوا من زمرة البشر. نجده دومًا يظهر العربي إمّا عنيفًا بطبعه لا يعرف طريقًا آخر، أو مسكينًا اختار أن يتنوّر رغم تخلف مجتمعه، ونجد هذا التنور دومًا مرافقًا بشذوذ أو إلحاد أو تجند للجيش ونحوه. ومع أن هناك زملاء يعملون في قنوات التلفزة والصحافة الاسرائيلية هم من أفضل أبنائنا ولا يقبلون قوانين اللعبة، لكننا نجد أنهم في اللحظة التي يحاولون تغيير هذه القوانين، يبعدون جانبًا مهما كانت موهبتهم. ومع أنه لا بد أن نشيد بمحاولات هؤلاء الصحفيين المتكررة بتغيير قوانين اللعبة، واهتمامهم بأن يسمع صوتهم ولو لبضع ثوان، لكن لا يجب أن ننسى أن هذا عنوان للضغط على الشرطة الاسرائيلية، أو إحراج الحكومة، وليس العنوان للتغيير الداخلي في مجتمعنا.
العنوان للتغيير الداخلي في مجتمعنا هو إعلامنا نحن، مرة تلو مرة نقول: وظيفة الإعلام ليس مواكبة الأحداث والتبليغ عنها، بقدر ما هو صناعة الوعي، لكننا أمام شحٍ في الإعلام الهادف، فنجد قلّة من طلابنا يتوجهون لدراسة الإعلام، بل ان بعض المدارس تضطر لإغلاق تخصصات الإعلام لديها لقلة المتسجلين، كل هذا لأن تخصص الإعلام ليس “معتبرًا” بما فيه الكفاية، ولاعتقاد البعض أنهم سيفخرون بولدهم لو كان طبيبًا أو مهندسًا أكثر ممّا لو كان صحفيًا. خاصة أن مهنة الصحافة ليست من المهن التي تضمن الغنى لصاحبها. لهذه الأسباب يخسر مجتمعنا صحفيين شباب ممتازين يمكنهم أن يحدثوا تغييرًا حقيقيًا.
الإعلاميون هم من يملكون مقاليد وعينا السياسي، وإذا لم يأخذوا دورهم فهم يتركون فراغًا تمرح فيه قوتان أساسيتان: شخصيات معظمها فارغ تقود تجمعات في الشبكة ويهمها فقط ما يرفع شعبيتها ويزيد متابعيها، فنجد في صفحاتها العنف والنميمة على أشكالها، ويظن الناظر إليها أننا مجتمع لا يشغله إلا السلاح ومعارك الحماة والكنّة. والقوة الثانية هي الأسوأ، تلك التي يقودها أصحاب الأجندات من أحزاب وجمعيات، وسنلحظ وجودها كثيرًا في الفترة الانتخابية القريبة، والتي تحصر الحلول بنصرة فلان وانتخاب علان، وتسوق لفكرة العصا السحرية التي ستخلصنا من كل مشاكلنا بمجرد أن نتبنى المبادئ التي تعرضها. إذا لم يأخذ إعلامنا المحلي مكانه الصحيح، وبسرعة، فإننا سنبقى أيتامًا نبحث عن البديل لصقل وعينا، أو متفرقين لا نجد منتدى يوحدّنا وينظّم حراكنا ووعينا. نحن في خضم أزمة وعي إعلامية سيربحها من يعلم مكانه ويدخل عقول الشباب، فإمّا يبني أو يحطّم.