أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرعرب ودوليومضات

“ساوى الجلاد بالضحية”… تقرير فرنسي يشعل غضبا بالجزائر

أثار تقرير مؤرخ فرنسي حول حقبة استعمار باريس للجزائر (1830-1962)، انتقادات واسعة وحالة غضب شديد في صفوف الجزائريين، واعتبره البعض أنه “تلاعب بالمراجع التاريخية، وساوى بين الجلاد والضحية”.

والأربعاء الماضي، تسلمّ الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، تقريرا من المؤرخ بنجامان ستورا، حول فترة استعمار بلاده للجزائر، تضمن مقترحات لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الشلل التي تسببت بها قضايا ذاكرة الاستعمار العالقة بينهما.

وورد في التقرير توصية بتشكيل لجنة تسمى “الذاكرة والحقيقة”، تطلق مفاوضات حول ملفات عالقة مثل الأرشيف الجزائري الذي هربته فرنسا خلال فترة الاستعمار، إلى جانب تنظيم أنشطة تذكارية للتعريف بهذا التاريخ المشترك بين البلدين.

وتقول السلطات الجزائرية، إن القوات الاستعمارية رحلت نحو فرنسا خلال مرحلة الاحتلال مئات الآلاف من الوثائق وحتى أشياء تصنف ضمن الآثار التاريخية منها ما يعود إلى الحقبة العثمانية (1518- 1830).

كما تضمن التقرير التوصية بتمكين “الحركى” (الجزائريين الذين خدموا الجيش الاستعماري الفرنسي) من زيارة بلدهم الأم، واقتراح تاريخ 25 سبتمبر/أيلول يوما سنويا لتكريمهم.

لكن التقرير، المكون من 150 صفحة، أهمل أي توصية تستجيب لمطالب الجزائريين لفرنسا بالاعتذار عن “جرائمها” إبان فترة الاستعمار، كما رأى باحثون ومراقبون جزائريون.

وفي يوليو/تموز الماضي، كلف الرئيس ماكرون، بنجامان ستورا، أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، “بإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا في ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر” التي وضعت أوزارها عام 1962 وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات الملايين من الفرنسيين والجزائريين.

“لم نبلغ بالتقرير”

وتعقيبا على التقرير قال عبد المجيد شيخي، المستشار بالرئاسة الجزائرية المكلف بملف الذاكرة، إنّ التقرير لم يرسل إلينا رسميا ولا يمكننا الرد على أساس ما نقلته الصحافة”.

وأضاف شيخي، الإثنين، في تصريحات لصحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية (خاصة)، إن “العلاقات بين الدول لا تسير بهذا الشكل”.

واستطرد قائلا: “سوف نرد عندما نتلقى التقرير رسميا”.

انتقادات واسعة

لكن التقرير واجه انتقادات واسعة في الوسط الثقافي والحزبي والإعلامي ومواقع التواصل بالجزائر، اتهمته بإغفال مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها بالبلاد على مدار 132 عاما.

عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد) علق على تقرير المؤرخ الفرنسي قائلا: “تشعر وكأن التقرير كان يتحدث عن قصة فئتين من الناس تقاتلا على أرض مشتركة بينهما”.

وأضاف مقري، في تدوينة عبر “فيسبوك” “لا تشعر أن التقرير كان يتحدث عن قصة احتلال هو أسوء أنواع الاحتلال التي عرفتها البشرية، وعن دولة أجنبية اغتصبت دولة أخرى، وأرضا ليست أرضها”.

وتابع “إنه جيش همجي ارتكب في حق الشعب الجزائري أبشع الجرائم بكل أنواعها قرابة قرن ونصف من الزمن”.

 “لا جديد بالتقرير”

من جانبه، قال أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر مولود عويمر، إن “غالبية الاقتراحات بالتقرير تتعلق بفتح الأرشيف، والتعاون بين الباحثين الجزائريين والفرنسيين في مجال البحث التاريخي”.

وأضاف عويمر، أن “المؤرخ ستورا اعتمد على حوارات مع شخصيات سياسية وعلمية فرنسية وجزائرية، واستخدم مراجع كثيرة منشورة باللغة الفرنسية”.

وقال: “لا أرى أشياء جديدة في هذا التقرير. هذا العمل جاء مستعجلا بضغط التحديات الانتخابية القادمة في هذا البلد”.

ووفق عويمر، فإن “ستورا ركز على فترة 1954-1962 وأهمل الفترات الأخرى من التاريخ الاستعماري لبلادنا، واختصر الحديث عن جرائم الاحتلال بالقرن التاسع عشر”.

وذكر أن التقرير “لم يخض في تجريد المجتمع الجزائري من أملاكه ومقوماته الثقافية خلال 132 سنة من الاستعمار الفرنسي”.

واعتبر عويمر، أن الذاكرة لم تعد اليوم مسألة تاريخية صرفة ليهتم بها المؤرخون أو السياسيون فقط، وإنما أصبحت مسألة مصيرية متعددة الجوانب تحتاج إلى كل العقول المفكرة والمبدعة لتشكيلها.

“يساوي الجلاد بالضحية”

في السياق، قال لزهر بوغمبوز، وهو باحث جزائري في التاريخ، إن “تقرير ستورا لا يهمنا من بعيد أو من قريب لكونه يساوي بين الجلاد والضحية”.

وأضاف بوغمبوز، أن “التقرير تلاعب بالمراجع وربط العنف الاستعماري بدفاع الثوار الجزائريين عن بلادهم”.

وأردف: “لسنا بحاجة لمن يرسم لنا معالم كتابة تاريخنا، فنحن أولى بكتابته”.

وشدد على أن ما يهم الجزائريين اعتراف فرنسا بجرائمها وتعويض عائلات الضحايا “لأنها أبادت ملايين الجزائريين حسب ما أكدت كتب التاريخ”.

ووفق بوغمبوز، فإن “بقية الأمور ثانوية ويمكن للجان مشتركة من البلدين معالجتها وفق القانون الدولي”.

ستورا يرد

بدوره، رد المؤرخ الفرنسي ستورا على الانتقادات لتقريره، قائلا في مقال نشرته الإثنين الماضي، صحيفة “لوكوتيديان دورون” الجزائرية الناطقة بالفرنسية، إنه “ينبغي أن لا تكون خطابات الاعتذار كلمات تلفظ يوما ما للتخلص في اليوم التالي من مشكلة عميقة جدا”.

وأوضح ستورا، أنه قام بعمل جديد حول طريقة تجاوز أزمة ملفات الذاكرة بين الجزائر وباريس وفق منهجية جديدة تتفادى السقوط في فخ الأحكام الجاهزة حول من هو الظالم والمظلوم‎.

وأشار إلى أن تقريره يقترح طريقة تفضل التعليم والثقافة عبر معرفة كل طرف للآخر.

ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، حيث تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون، إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات‎.

ويردد المسؤولون الفرنسيون في عدة مناسبات بضرورة طي الجزائر لصفحة الماضي الاستعماري وفتح صفحة جديدة، لكن الجزائر طالبت مرارا باعتراف رسمي من باريس بجرائم الاستعمار، وحل ملفات مرتبطة باستعادة الأرشيف وتعويض الضحايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى