أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (52): {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}

حامد اغبارية
إن الراعي- المسؤول، الذي سلّمه الناس قِيادتهم ووضعوا به ثقتهم وهم يتوقعون منه أن يسعى إلى خدمتهم ورفع المعاناة عنهم وحمل همومهم، إنما هو مؤتمنٌ في هذا كلّه، فإن قصّر أو تراخى أو التفت إلى قضايا لا تهم الناس أو قدَّم قضية يمكن إرجاؤها على قضيَّةٍ لا يجوز القفز عنها، فقد خان ثقة الناس وأهمل خدمتهم. مثلُ هذا لا يليق بالموقع الذي أنزلوه فيه، وأصبح من واجبهم خلعُه واستبدالُه بمن يحمل أثقال العبء ويكون على مستوى المسؤولية.
هذا ينسحب على القائد السياسي، وعلى الداعية، وعلى إمام المسجد، وعلى المربي في المدرسة، وعلى كل من يشغل منصبا أو وظيفة لها علاقة مباشرة بهموم مجتمعه، كرئيس سلطة محلية، أو رئيس حزب، أو تنظيم ديني أو اجتماعي، أو جمعية أو لجنة شعبية….
هكذا نجد في زماننا المُرّ هذا أن الذين وجدناهم (فجأة…) في مقدمة الصفوف، وقد أشبعوا الناس وعودا، وأعلنوا أمام الملأ التزامهم بقضايا مجتمعهم قد استداروا إلى الجهة الخطأ، وأداروا ظهرهم لمجتمعهم وانشغلوا بتوافه الأمور. وليس- في نظري- أتفه ولا أرخص ولا أوضع من الانشغال بانتخابات الكنيست وإشغال الناس بها، بينما يتعرضون لخطرٍ داهم يكاد يحرق الأخضر واليابس من حولهم.
إن أكبر همٍّ يعاني منه مجتمعنا في الداخل الفلسطيني الآن هو نزيف العنف وسفك الدماء المتواصل الذي أصبح يقضُّ المضاجع، حتى بات الواحد لا يأمنُ على نفسه ولا على أهل بيته وأولاده. ولذلك فإن واجبَ الساعة تركيزُ كل الجهود والأوقات والأموال والأفكار والطاقات في ناحيةِ مواجهة هذا الوباء الخطير الذي- فيما يبدو لنا جميعا- لا يفرق بين كبير وصغير أو قائد ومقود. فقد أصبحت دماؤنا جميعا مستباحة، في وقت أصبح الحثالة والحقير والتافه والرويبضة يجدُ في نفسه الجرأة والوقاحة لإطلاق النار على الناس وسط الشارع أو في بيوتهم في رابعة النهار، متمترسا خلف سلاح قذر أُعطيَ له من جهاتٍ ذات أجندات هي أقذرُ منه، تسعى إلى تدمير مجتمعنا وتفكيكه وإبقائه رهن القيود والأغلال التي كبّلت يديه.
إن واجبنا جميعا، دون استثناء أن نفرّغ كل شيء لإنقاذ مجتمعنا من هذه الكارثة، لأن الاهتمام بها ودفع الناس إلى الانشغال بها هي من ضرورات الدين، ومن ضرورات الحياة، ومن ضرورات البقاء. لذلك لا بدّ أن تبقى البند الأول في سلم أولوياتنا، فلا نهدأ ولا ننتقل إلى غيره حتى نُنهيَ هذا الملف الدامي ونطويَ صفحتَه. هكذا يجب أن تُفهم الأمور، وهكذا يجب أن نتعامل مع القضايا الحارقة. ذلك أن تراخينا في هذه المسألة والتفاتنا إلى قضايا (حارقة أخرى) قابلة للتأجيل والتأخير- مهما كانت ذات شأن- معناه تفاقم الجريمة والمزيد من سفك الدماء، وفي ذات الوقت العجز التام عن معالجة أية قضية أخرى.

ما العمل؟!!
كيف نواجه هذا الوباء؟

ليس بالكلام.. ولا بالتنظير، ولا بالشعارات، ولا بالخطب النارية… وإنما بالحراك الشعبي الجماهيري المتواصل. وليكن الحراك الذي شهدتْهُ وتشهده مدينة أم الفحم في الأيام الأخيرة نموذجا يُحتذى، يتوسع ويتمدد ليشمل كل الداخل الفلسطيني، من أقصى النقب إلى أقصى الشمال، ومن النهر إلى البحر. وليكن هذا الحراك منظّما، لا عفويا ولا ارتجاليا ولا يكون مجرد ردة فعل تنطفئ جذوتها بعد انتهاء الحدث؛ حراكٌ تشكَّلُ لأجله هيئةُ إنقاذ عُليا من ممثلي اللجان الشعبية الفاعلة والشخصيات الثقات ذات الوزن والتأثير، من التي تحظى بالقبول، تعدّ برنامجا ذا مراحل يشمل:
خروج مظاهرات أسبوعية (أيام الجمعة) في كل مدينة وبلدة، وإن تعذّر فيمكن تنظيم المظاهرات حسب المناطق (النقب، المثلث الجنوبي، المثلث الشمالي، الناصرة، شفاعمرو، المرج، مثلث يوم الأرض، الشاغور، الجليل الأعلى، حيفا وعكا، يافا واللد والرملة.
تنظيم وقفات/ مظاهرات أمام مراكز الشرطة الرئيسية في المناطق المذكورة.
مظاهرة شهرية أمام مكاتب الحكومة في القدس.
إمهال الحكومة الإسرائيلية فترة محددة، بحيث إذا لم تتحرك لوقف النزيف وجمع كل السلاح، يقدِّم رؤساء السلطات المحلية العربية استقالة جماعية.
تكثيف التركيز الإعلامي بشكل يومي على هذا الملف، من خلال تشكيل خلية أمنية تعمل على التوعية الجماهيرية، والتواصل مع الجمهور بخصوص الفعاليات والأنشطة المختلفة، واستثمار منصات التواصل الاجتماعي لهذا الغرض.
وضع آلية مفصَّلة لإعداد مجتمع الداخل للتعامل مع إمكانية إعلان عصيان مدني (بعد دراسة الأمر من جميع جوانبه…) قد يُضطرُّ إلى اتخاذه كخطوة إضافية، إذا لم تُثمر الأنشطة السابقة.
تعميم نشرات توعية على الجمهور تعكف عليها الخلية الإعلامية، بحيث تُصدر نشرة توعية مرة كل أسبوع (وإن تعذر ذلك لأسباب، فلتكن نشرة شهرية).
تشكيل خلية من الدعاة ورجال الإصلاح من مختلف المناطق تكون مهمتها التواصل الأسبوعي مع الجمهور، في المساجد، من خلال خطبة الجمعة، وفي خيام الاعتصام والتجمعات الشعبية والمظاهرات.
تشكيل خلية من النخبة المثقفة تكون مهمتها عقد الندوات التي تخاطب الجمهور عبر كل وسيلة ممكنة.
تشكيل فرق حراسة تطوعية في كل بلدة. ولتكن في كل بلدة فرقتان على الأقل، إحداهما لساعات النهار والأخرى لساعات الليل.
الإعلان رسميا وشعبيا نزع الثقة من جهاز الشرطة، واعتباره جزءا من المشكلة، لا جزءا من الحل ولا وسيلة للحل، ويتْبعُ ذلك مقاطعة أي لقاء أو اجتماع مع قياداتها، يشمل وزير الأمن الداخلي الذي لا يوفر أمْنًا ولا يمنع جريمة ولا يعتقل مجرما ولا قاتلا ولا عصابة إجرام ولا يحزنون.
بطبيعة الحال لا يخلو الأمر من إشكاليات معينة وعقبات وعثرات، ومن نواقص، ومن آليات أخرى يمكن إضافتها من أهل الخبرة والتجربة. ولكن يجب ألا نرضخ للأمر الواقع، وهو واقع مرير يكلفنا أرواحا بريئة، وفي التالي لا يجوز السكوت والوقوف عاجزين. فنحن لسنا عاجزين.
لقد حان الوقت لأخذ أمورنا بأيدينا وحماية أنفسنا بأنفسنا، وعدم الركون إلى سلطة هي أصلا تعتبرنا عبئا عليها، وتريدنا أن نبقى في حالة ضعف وتفكك وقلق وتوتر وانشغال….
نعم، {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}، غير أن الله تعالى أمرنا أن نأخذ بالأسباب، وأن نسعى- بكل ما أوتينا من قوة ووسائل وإرادة- إلى النهوض بمجتمعنا، وإلا فإننا سندفع الثمن من أنفسنا.
هذا وقت الحراك… لا مكان للانتظار… لا مكان للصمت.
إنها مسؤولية الجميع..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى