أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

وجوب وحدة الأمة الإسلامية (10).. القرآنيون: فرقة تنكر السنّة

د. محمود مصالحة
هذه الفرقة المنحرفة عن الإسلام، عن ظهورها أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من صنيعة الاستعمار الإنجليزي في الهند عام1902م، وهي كأختها فرقة القاديانية، وُلِدتا من رحم ٍاستعماريٍ، إنهما فرقتان أُوجدتا لهدم الإسلام، وسنذكر بعض الأدلَّة التي تفضح ضلال وكذب وزيف هذه الفرقة التي تسمَّت بأهل القرآن، والقرآن منهم براء، لإنكارهم الآيات القرآنية، ولكن هو اسم يطلق على فرقة تكتفي بالقرآن كمصدر للإيمان والتشريع في الإسلام، وتنكر السنة النبوية المُطهّرة، ظهرت لأول مرة على يد الخوارج الذين رفضوا إقامة حد رجم الزاني والمسح على الخفين وغيرها، من تشريعات الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي العصر الحديث: ظهرت هذه الفرقة وابتدعت فكرة إنكار السنّة في الهند، في فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان الذي فسَّر القرآن بما يتنافى مع مناهج التفسير وقواعده، ورفض قبول حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بادعائه إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم، وترك السُّنّة النبوية الشريفة الشارحة له والمشرعة، والمتممة لدين الإسلام، بصفتها المصدر الثاني من مصادر التّشريع الإسلامي، وما جيء بهذه الدعوة إلا لضرب الإسلام.
وكثيرة هي الدلائل القرآنية المؤكدة على حجّية السنّة النبوية كمصدر ثاني في التشريع الإسلامي، وقد ذهب العلماء قديمًا وحديثًا في سياق تأصيل حجّية السنة النبوية الشريفة، وبيان تكاملها مع القرآن الكريم، ونكتفي ببعض هذه الدلائل، منها:
الدليل الأول: قوله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم: “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” سورة النحل: 44. أي ليؤصّله. وقد تبعه في ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره، قال: ليُبيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل مفصّل، وقال ابن كثير: إن أصح الطرق في التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجْمَلَ في مكان، فإنه قد فسَّر في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنّة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وقال الإمام الشافعي، رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: “وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ” يَعْنِي الْقُرْآنَ. “لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ” في هذَا الكِتَابِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ بِقَولِكَ وفِعْلِكَ، قال رحمه الله تعالى: فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبلغٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ومُبَيِّنٌ مُرَادَهُ مِمَّا أَجْمَلَهُ في كِتَابِهِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُفَصِّلْهُ من أقوال وأفعاله”.
والدليل الثاني: قوله تعالى: “وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” سورة النحل: 64.
الدليل الثالث: قوله تعالى: ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” الحشر:7. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام، واتباع ما جاء به، ووجوب اتباع كتاب الله، والتمسك به، وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان، مَن جَحَد واحدًا منهما فقد جحد الأخر وكذّب به، وذلك كفر وضلال، وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم والإيمان.
الدليل الرابع: قوله تعالى: “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ”” سورة البقرة:129، والحكمة في الآيات الكريمات هي السنّة المطهرة.
الدليل الخامس: قوله عز وجل: “وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا” سورة النساء: 113.
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب طاعته، واتباع ما جاء به، وتحريم معصيته في حق من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يأتي بعده إلى يوم القيامة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله” رواه البخاري (2957)، ومسلم (1835).
وقوله صلى الله عليه وسلم: “أَلآ إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ ومِثلَهُ مَعَهُ” رواه أبي داود (4604)، وأحمد (17174)، قال ابن كثير يعني: السنّة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي، رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة، منها.
قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حينما بعثه إلى اليمن: “بم تحكم؟، قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟. قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟. قال: أجتهد برأيي. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله” وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد، رواه أبو داود: (327/2) والترمذي (616/3).
ومن الأدلة: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث العرباض بن سارية قال رضي الله عنه: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ” رواه أحمد (17145).
ومن القائلين بثبوت حجية السنة النبوية:
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كما أشار إلى ذلك ابن كثير آنفاً، والإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده بتحقيق شعيب الأرناؤوط، وآخرون في بيان تعليم الحكمة، أردف قائلا: وابتعَث الله تعالى نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعَلِّمَ الناسَ الحِكمة: “وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ” أي السنّة.
ومن أقوال العلماء في القرآنيين:
الشيخ المحدث محمّد أبو شهيد أستاذ الأزهر إذ قال: قد ظهرت فئة في القديم والحديث تدعو إلى هذه الدعوى الخبيثة (وهي الاكتفاء بالقرآن) وغرضهم هدم نصف الدّين، أو إن شئت قلت: تقويض الدّين كلّه.
وقال ابن باز: إنهم “ليسوا قرآنيين، ولكنَّهم كذَّابون، أعداء للقرآن؛ لأنَّ القرآن أمر بالسنّة، وأمر بطاعة الرسول ﷺ، ومَن أنكر السنّة فقد أنكر القرآن، ومَن عصى الرسول فقد عصى القرآن، فليسوا قرآنيين، ولكنَّهم ضد القرآن، وملاحدة، وضالُّون، بل كفَّار بإجماع أهل العلم.
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ”. أخرجه: أحمد (23861)، والبخاري في التأريخ الكبير 7 /288، وابن ماجه (13)، وأبو داود (4605)، واللفظ له، والترمذي (2663)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2342)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (50).
هذا الحديث الشريف لهو الدلالة والبينّة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم، وأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، والحديث هذا من دلائل النُّبوة عند البيهقي؛ حيث نبَّه فيه صلى الله عليه وسلم عن أناس سيأتون من بعده يردّون فيه السنَّة النَّبوية، مُكتفين بالقرآن في زعمهم الكاذب، وفهمهم الباطل، وقد وصفهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالاتكاء على الأريكة، والاتكاء يدل على الشبع والبطر، والتكبر والغرور واتباع الهوى.
وخلاصة القول: إن إنكار القرآنيين للسنّة النبوية المطهرة، هو إنكار للقرآن الكريم الذي يخاطب الناس باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته بالعمل بسنّته؛ لذلك فهي فرقة كافرة مُضلة، وما أوجدها الاستعمار الانجليزي إلا لهدم الإسلام، فمن أنكر السنّة النبوية فهو كافر خارج عن دائرة الإسلام، ويعمل على تمزيق وحدة الأمة الإسلامية، ونحذر من الانخداع بها. أما حكم اتباع السنّة فواجب بإجماع أهل العلم، فهي المصدر الثاني التي تأمر بوحدة الأمة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى