أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (51): على شفا جُرُف الكنيست…

حامد اغبارية
في الوقت الذي ينشغل المتصارعون على كرسي الكنيست باستطلاعات الرأي تارة، وبصياغة التصريحات النارية تارة أخرى، وبالطعن المتبادل وإطلاق السهام بين أقطاب المشتركة تارة ثالثة، وبجهود حثيثة لإنقاذ ماء الوجه خشية السقوط المريع و”انفضاح الطابق”، وتجنبا لانكشاف أوراق كثيرة ما تزال طي الكتمان تارة رابعة، فإن مجتمع الداخل الفلسطيني لا يزال يتلقى الضربات تلو الضربات، دون أن يجد مِن بين هؤلاء المتصارعين مَن يمد له طوق النجاة أو حتى يتقدم خطوة واحدة نحوه. وأقصى ما “حصل” عليه مجتمعنا هو حزمة من “الإنجازات” الوهمية التي يرددها الأعضاء العرب في الكنيست الصهيوني، والتي يصورونها على أنها “نصر من الله وفتح قريب”!! بينما هي في حقيقتها لا تعدو كونها حزمة من الوعود البراقة التي أطلقتها حكومة نتنياهو لتضاف إلى أرتال من الملفات الممتلئة بوعود وخطط وبرامج ممتدة على عمر النكبة. وإذا كان هناك من نسي، فإن المقصود هنا نكبة شعبنا الفلسطيني التي أوقعت عليه عام 1948، والتي تحوي في داخلها نكبات ارتدادية متعددة ومتشعبة، على رأسها زحف الزاحفين إلى الكنيست الصهيوني في مشهد أشبه ما يكون برفع الراية البيضاء تعبيرا عن الهزيمة الميدانية والنفسية والفكرية…
لقد زعم قادة القائمة المشتركة- من أجل إقناع الجمهور بنجاعة المشاركة في الكنيست وبالخروج للتصويت لهم- أنهم حققوا الكثير من المطالب التي تهم هذا الجمهور، تارة على غرار الخطة 922 لتطوير البلدات العربية وعلى رأسها البند (7) المتعلق بالتخطيط والبناء، والذي يعني بطريقة غير مباشرة حل مشكلة البناء غير المرخص ومن ثمّ وقف غول الهدم، بميزانية تصل إلى 9.5 مليار شيكل. فماذا تحقق من هذا؟ صفر كبير!!! (0… هذا شكل الصفر لمن يمكن أن يكون قد نسيه أو أنسته إياه الأوهام والأضاليل).
الهدم لا يزال مستمرا، والمواطن الفلسطيني المسكين لا يزال مضطرا لبناء بيت دون ترخيص يُؤويه وأسرته، والسلطات المحلية ما تزال تلهث خلف إقرار الخرائط الهيكلية دون أن تحصل عليها، والسلطات مستمرة في التضييق على هذه البلدات وقضم أراضيها لتوسيع الشوارع تارة ولتوسيع مستوطنات يهودية جديدة أو مستوطنات قائمة تارة أخرى. (بالمناسبة: هذه الخطة خمسية للسنوات 2016-2020، وقد انتهى الوقت المحدد ولم ينفذ منها شيء… ولن ينفّذ… لن ينفّذ…).
فماذا فعلت قيادات المشتركة؟ خرجت إلى الشوارع والميادين للتظاهر ضد هدم البيوت. وهذا بالضبط ما ندعو إليه: التأثير والتغيير من خارج الكنيست. فماذا حققت المشاركة في الكنيست؟؟؟؟
وزعم قادة المشتركة أنهم حققوا خطة لمواجهة العنف. فما الذي حدث؟
في 2018 وضعت حكومة نتنياهو ثلاث خطط لمواجهة العنف، وتسلمت المشتركة رئاسة لجنة الكنيست الخاصة بالعنف (برئاسة عضو الكنيست منصور عباس)، وناقشت واجتمعت، وأحضرت “نتنياهو” (صاغرا رغم أنفه!! مش هيك؟؟؟؟؟) إلى إحدى جلساتها، فوعد و”تفْتفَ” ونثر الأحلام الوردية وابتسم للكاميرات وابتسم لعباس منصور، ثم فكر ودبّر ثم أدبر ثم لما عنَّ له أن يغزو مجتمعنا فتل عضلات فكّيه وصاح في وجه عصابات الإجرام: انظروا!! أنا أحذّركم!!! ولا تزال المقابر تحكي عن النتائج…. وبقيت الخطط في الأدراج ولم ينفذ منها شيء، ولن ينفذ منها شيء…
ثم لما غضبت قيادات المشتركة خرجت إلى الشوارع وأغلقتها احتجاجا على العنف. وهو بالضبط ما ندعو إليه… التأثير والتغيير من خارج الكنيست. فماذا حققت المشاركة في الكنيست؟؟؟
فقط من أجل أن تحكَّ رأسك قليلا وتفكر: في 2020 جاء في تقرير مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست أن الشرطة فتحت عام 2018 ما نسبته 43.5% ملف تحقيق في قضايا حيازة السلاح من كل ألف شخص في المجتمع العربي في الداخل (أكثر من 9200 حادث سلاح)، وهي نفس السنة التي وضعت فيها الخطط الوهمية لمكافحة الجريمة. وكما لاحظنا فإن نسبة الجريمة واستخدام السلاح ارتفعت بشكل رهيب خلال 2019-2020.
وزعم قادة المشتركة أنهم حققوا وعودا باعتراف رسمي بعدد من قرى النقب غير المعترف بها. وبقيت هذه مجرد وعود لا علاقة لها بالواقع، فلم يُعترف بأي قرية (ولن يُعترف…)، بل ازداد وضع هذه القرى سوءًا، ولا تزال الداخلية تمنع البناء وجرافاتها تهدم البيوت والخيام فوق رؤوس أصحابها الذين يتعرضون للملاحقات والمحاكمات والغرامات الباهظة. ولم تجد قيادات المشتركة من وسيلة تعبر بها عن غضبها واحتجاجها سوى المشاركة في المظاهرات الشعبية، المسانِدة للأهل في النقب. وهذا بالضبط ما ندعو إليه…. الـتأثير والتغيير من خارج الكنيست. فماذا حققت المشاركة في الكنيست؟؟؟؟
ولا يزال قانون القومية يواصل ضرباته، بينما لم يتجاوز “إنجاز” المشتركة بهذا الخصوص حلقوم الاحتجاج والتعبير عن الغضب. وهذا يجيده أصغر طفل في مجتمعنا. فماذا حققت المشاركة في الكنيست؟؟؟
ولا يزال قانون كامنتس يحفر الأخاديد الدامية في جسد مجتمعنا. حتى في اليوم الذي أعلن فيه قادة المشتركة أنهم “نجحووووووووااااا” في تجميد القانون (في تشرين الثاني الماضي)، كانت جرافات الداخلية تهدم بيوتا جديدة في البلدات العربية. ثم اتضح أن التجميد كان كذبة أو عملية خداع، مارستها المشتركة على الجمهور. ذلك أن القانون لم يجمّد وإنما أدخلت تعديلات على بعض بنوده وآليات تنفيذه تكون نافذة حتى نهاية 2022، وتشمل هذه التعديلات تحديث آليات تنفيذ القانون وبعض التسهيلات في طريقة التعامل مع البيوت المأهولة بالسكان والتي لا تؤثر على عمليات التنظيم والبناء. وهذا ما أكده المستشار القضائي لحكومة نتنياهو الذي قال إن القانون لم يجمد، وخاصة البند (116) الخاص بفرض الغرامات المالية. هذا بالإضافة إلى أن تلك التعديلات لا تشمل البلدات والقرى في النقب..
وقد وجدت قيادات المشتركة من المناسب التعبير عن غضبها من تواصل الهدم بالاحتجاج الشعبي والتواصل مع أصحاب البيوت المهدومة. وهذا عين ما ندعو إليه… التأثير والتغيير من خارج الكنيست. فماذا حققت المشاركة في الكنيست؟؟؟
وتتفاخر المشتركة في بياناتها أنها أكثر كتلة قدمت وتقدم استجوابات في الكنيست حول القضايا المختلفة المتعلقة بالمجتمع العربي، مقارنة مع سائر الأحزاب..
للوهلة الأولى يبدو الأمر “إنجازا كبيرا”. ولكن مع قليل من التأمل ستكتشف ما يلي:
الاستجواب هو أداة برلمانية لمراقبة عمل الحكومة.. جميل!!!
وهو أداة لإلزام الوزارات بتقديم تقارير عن أعمالها.. أجمل من جميل…!!
ولكن السؤال: هل مشكلتنا تتعلق بمراقبة عمل الحكومة؟ وهبْ أننا راقبنا عمل الحكومة، فما النتيجة؟؟
وهّبْ أن كل الوزارات قدّمت تقاريرها حول أعمالها للقائمة المشتركة من خلال الاستجوابات، فما الفائدة من هذا كله؟ ماذا تحقق لمجتمعنا من ورائه؟ لا شيء.
يستطيع أي منا أن يدخل موقع الكنيست ويبحث في الاستجوابات المقدمة ويراجعها مع ردود الوزارات المختلفة. سيجد العجب العجاب. أجوبة “نص كم”، وعنتريات ومسرحية لها أول وليس لها آخر.. بينما الحكومة ماضية في سياساتها، وقيادات المشتركة تستعرض عضلات “إنجازاتها” عبر بريد إلكتروني ترسل بواسطته استجواباتها للنشر في وسائل الإعلام… والنتيجة؟؟؟؟ تسويق أوهام لا تسمن ولا تغني من جوع. فكل تلك الاستجوابات وآلاف قبلها وعشرات الآلاف بعدها هي ذات الصرخة التي يطلقها الجمهور على مدار الساعة منذ سبعة عقود. فالجمهور لا يحتاج إلى استجوابات تراقب عمل الحكومة، ولا إلى ردود وزارات كاذبة تتبجح بإنجاز أعمال لا علاقة لها بالواقع، ذلك أن الجمهور يعرف عمل الحكومة ويراقبه ويحفظه عن ظهر قلب منذ سبعين سنة، وليس لديه وقت ولا رفاهية لقراءة تقارير الوزارات عن أعمالها.. هو يحتاج إلى الحصول على حقوقه، وهذا لم تحققه استجوابات ولم تحققه المشاركة في الكنيست، ولن تحققه…. لأن العملية أشبه بدولاب الساقية، يلف يلف ويبقى مكانه…. فماذا حققت لنا المشاركة في الكنيست؟؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى