أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وحدة الأمة الإسلامية واجب مقدس (9)

د. محمود مصالحة
على الأمة الإسلامية أن تقوم بأداء هذا الواجب الايماني، وعلى كل مسلم أن يلتزم به، وأن يعمل على تحقيق وحدة الأمة في ذاته وبيئته الاجتماعية، والتغلب على المعيقات التي تعترضها، منها الأمية الاجتماعية التي تعتبر من أهم المعيقات التي تقف أمام وحدة الأمة، ونجملها على النحو التالي:
أولا: الجاهلية كمصطلح: مصدرها جَهِلَ، وجَهِل الشيء أي عدم معرفته، ويُقصد بالجهل هنا أميّة القراءة والكتابة المتمثلة بالأمية التعليمية، وهي بِنِسبٍ متفاوتة في المجتمعات والدول الإسلامية، وتعتبر هذه الأميّة مخالِفة لفريضة العِلم، وتعني العدميّة المعرفية بالعلوم الإسلامية عامة والعلوم المدنية الحديثة، وهي من الأسس التي قام عليها الإسلام، فالأميّة هذه تعيق فهم الإسلام، ومن ثم عدم إدراك قيمة مفهوم وحدة الأمة، لذلك تشكل هذه الأميّة عقبة هامة أمام نهضتها، والعمل من أجل تحقيقها.
ثانيا: أما الجاهلية المجتمعية: هي الجاهلية الثانية التي يقصدها الباحث والتي نتعايشها اليوم، في واقع المجتمعات المسلمة التي تخطت عقبة الأمية المعرفية وأساسها القراءة والكتابة، فالغالبية العظمى من المسلمين قد أنهت مرحلة التعليم التوجيهي، وشريحة كبيرة قد أنهت التعليم الجامعي، ومنها من تخصص، ولكن هذه الشرائح غير قارئة، ولا تحرص على قراءة الكتب الإسلامية لتتفقه في دينها، وتقضي هذه الفئة جلَّ أوقاتها على البرامج الفضائية، والكثير منها بات مُشبَّعٌ بالثقافات الغربية، وعلى وجه الإجمال إن هذه الجاهلية هي الجهل بالإسلام ومقاصده، وأحكامه، والجهل به عقيدة وشريعة، وثقافة، وفكرًا، وإن عُلم ما عُلم منه، فإن الكثير من الناس، ينتابه الضعف في انتمائه لأمته، وغير مكترث بتطبيق أحكام الميراث، وحقوق الجار، وبر الولدين على سبيل المثال، فهذه الشريحة غير محصنة بالثقافة الإسلامية، فتبقى عرضة للغزو الثقافي الغربي.
ثالثا: الأمية في الثقافية الإسلامية: تأتي نتيجة لفقدان المرجعية الإسلامية، وتشكل ضياع العامل الأهم وهو المكون البنيوي لشخصية المسلم المتعلقة بسلوكه ومعاملاته من خلال أسلوب حياته المرتكزة على ثوابت الإسلام العقدية والتشريعية والتربوية والفكرية، وهي التي تميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها؛ وفي المقابل يمكننا القول إنه من تحصن بالثقافة الإسلامية فقد تميَّز بقدرته كفرد وأسرة ومجتمع على صد تغلغل الغزو الفكري الذي يسعى دعاته لتغيير انتماء وهوية الشخصية المسلمة من أجل تكريس تبعية الأفراد والمجتمعات للأمم الغربية، لذلك فإن ضياع الثقافة الإسلامية هو ضياع شخصية الفرد والأسرة والمجتمعات المسلمة، وذوبان كثير من المسلمين بثقافة الغير، وبذلك ستتشكل فئة معارضة ذات نزعة علمانية جاهلية ليست معيقة للوحدة الأمة الإسلامية فحسب، بل معارضة لها ولربما تتحالف مع أعدائها.
رابعا: التعصب القبلي: هو غضب الفرد لغضب قبيلته ورضاه لرضاها، بعيداً عن أحكام الشريعة الإسلامية وتعاليمها، وهذا النوع من التعصب هو حالة مرضية جاهلية مقيتة منكرة وباطلة.
ومن سلبيات هذا التعصب مرض الكِبر الذي يعتري الأفراد والقبائل المفضي لاحتقار الأفراد والقبائل والعائلات للأخرى، والناظر إلى الواقع سيرى الكثير من المجتمعات المسلمة التي جعلت التناصر بين أبناء القبيلة (العائلة) قائم على التعصب القبلي على حساب الدين، الأمر الذي أجج نار الفتنة التي ورَّثت العداوة والبغضاء والشحناء، والفُرقة بين القبائل أزمنة مديدة في البلاد العربية والإسلامية، ومازالت بعض العداوة قائمة تحصد العشرات بل مئات الأرواح، فإن هذا التعصب قد يؤدي إلى إزهاق الأرواح، وضياع الأموال، وفرقة المجتمع هو معَوِق خطير يقف أمام وحدة المجتمعات ومن ثم وحدة الأمة.
التفاخر القبلي: وهذا النوع من المعيقات يثير الحقد والحسد والبغضاء في المجتمعات المسلمة مما يُقطِّع أواصر صلة الأرحام بين أفراد المجتمع، فهو مُخل بتعاليم الإسلام ويؤخر وحدة الأمة.
ولكن السؤال المطروح: عن كيفية معالجة هذه المعيقات؟
يعتقد الباحث أنه يمكن تخطي كثيراً من هذه المعيقات وذلك بالتعامل مع كل معيق على حدة وذلك على النحو التالي:
1. أما المعيقات في البعد المجتمعي فيما يتعلق بأمية القراءة وهي العدمية التعليمية باعتبارها كارثية على تطور وتقدم الأمة، فيجب القضاء عليها وفق خطة تعليمية مبرمجة شاملة تتبناها الدولة، فهي من أهم التحديات التي تواجهها الدولة الإسلامية، وهذا النوع من الأمية مرفوض كليا على جميع الأصعدة الشرعية والاجتماعية والإنسانية، بل هو حجر عثرة أمام لحوق أمة الإسلام بالأمم المتقدمة، تتحمل وزره الدولة أولاً.
2. وأما الجاهلية المجتمعية: التي يجب التخلص منها بطرق متعددة، من خلال الخطط والبرامج التعليمية في المدارس والجامعات بالعمل على تعديل المناهج التعليمية لتشمل الثقافة والعلوم الإسلامية من جهة، ثم تنقية المناهج التعليمية مما علق بها من الغزو الفكري، ومن جهة أخرى على الجهات المجتمعية المؤثرة إقامة برامج تعليمية وتثقيفية تشمل المحاضرات والوعظ والإرشاد التعليمي والثقافي، الذي يشمل أيضا مواجهة الأمية الثقافية بنشر وترسيخ الثقافة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، أما ما يحدث في بعض الدول العربية والإسلامية من الردّة التعليمة المتمثلة بإلغاء المناهج الإسلامية في المدارس إرضاء للسياسات الغربية التي من خططها محاربة الإسلام وعلمنة المجتمعات، وتنشئة أجيال مسلمة منقطعة عن دينها وثقافتها ليسهل تغيير انتمائها وهويتها، إن ما تقوم به تلك الدوللهو أمر كارثي، فعلى علماء الأمة والبرلمانيين والمجتمعات بكل طبقاتها، والحريصون الأوفياء لدينهم وثقافتهم الحضارية الوقوف في وجه هذا المخطط الخبيث الذي يدور رحاه في مصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية، الذي يقوده علمانيون جهلة ومأجورين معادين للأمة ولدينها ولحضارتها.
3. أما مسألة التعصب القبلي: فهو نابع من ضعف في التربية الإيمانية، ومن ثم ضعف الوازع الديني وتقوى الله عند الأفراد والمجتمعات، وهذا المعوق خطير على الجبهة الداخلية للأمة، الذي قد يفتت وحدتها، فعلاجه الأكبر يكون من خلال الدعوة والتربية والإرشاد. فعلى علماء الأمة ودعاتها أن يأخذوا دورهم في علاج هذا الأمر، علماً أن البناء التربوي الإسلامي للفرد والأسرة والمجتمع هو صمام والأمان في تشكيل الذاتية والشخصية الإسلامية القوية والوفية لوحدة الأمة الإسلامية.
(من كتاب وجوب وحدة الأمة الإسلامية دراسة موضوعية- د. محمود مصالحة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى