أخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (50): فخ الأحزاب الصهيونية ومحاولات الاختراق

حامد اغبارية
عليك أن تعرف ما هي قضيّتُك لكي تفهم ما يجري، ولكي تعرف الطريق وتعي اتجاه البوصلة الذي سيقودك إلى المكان الصحيح.
إن قضيتك كفلسطيني وجد نفسه يعيش- بغير إرادته- في دولة قامت على أنقاض شعبه هي أكبر مليون مرة من مجرد حقوق مواطنة عادية ويومية. قضيتك ليست مجرد مطالب توجهها إلى “حكومتك”… قضيتك أكبر من ذلك بكثير…
لذلك لا تكن عنوانا للخداع… لا تترك لأيٍّ كان أن يخدعك ويبيعك الأوهام.
منذ الكنيست الأول عام 1949 عملت الأحزاب الصهيونية الخارجة من عباءة العصابات الصهيونية، التي هدمت القرى وقتلت وشتت وهجّرت وزوَّت التاريخ والرواية وغيّرت الواقع على الأرض وفرضته بقوة السلاح وبطش العسكر، منذ تلك اللحظة عملت تلك الأحزاب على اختراق صفوف الفلسطينيين في الداخل من خلال تجنيد عملائها الذي مارسوا معها قبائحها بأشكال مختلفة قبل النكبة وأثناء النكبة وبعدها، وجنَّدت معهم ذوي النفوس الضعيفة والقلوب المريضة وأصحاب المصالح الضيقة من أجل دفع العربي الفلسطيني، الذي ما يزال ينزف من آثار النكبة، للانخراط في أتون الأسرلة، من خلال انتخابات الكنيست. فكانت المشاركة في الكنيست إحدى كبريات الكوارث السياسية التي أصابت مجتمع الداخل الفلسطيني وأطاحت بأحلامه وغيّرت مسار طريقه، وقيّدته بقيود وثيقة، وأدخلته في لعبة السياسة الإسرائيلية، حتى أوصلت شريحة واسعة منه إلى التمني ألا يأتي عليه يوم ويضطر للخروج منها.
لقد أنفقت تلك الأحزاب الأموال الطائلة، وقدمت الوعود الوردية، ووزعت الوظائف، ومنحت الامتيازات لبضع مئات من الذين باعوا أنفسهم وضميرهم وشعبهم وقضيتهم، لتحقق من خلالهم كسب أصوات الناخب العربي الفلسطيني.
هكذا بدأ الفخ.. ولا يزال مستمرا حتى هذه اللحظة..
الأسماء والوجوه هي التي تغيّرت فقط..
ولذلك نجد مجتمع الداخل الفلسطيني يتعرض اليوم لهجمة غير مسبوقة – ربما- من الأحزاب الصهيونية في محاولة مستميتة لإحداث اختراق في الجدار الصلب الذي أنشأه شعبنا في وجه هذه الأحزاب في الداخل منذ يوم الأرض عام 1976.
كلّ ذلك سعيا إلى الحصول على أكبر عدد من الأصوات.
يلعبون على كل حبل كالبهلوانات، من أجل الأصوات. ويرقصون في كل عُرس من أجل الأصوات…
ويقدمون الوعود الزائفة والأوهام المضللة لمن يريد، من أجل الأصوات..
لكن الحقيقة أن هذا كلّه يبقى مجرد وهم، كذبة كبرى وخديعة أكبر. ذلك أنك لن تحصل على شيء.
لماذا؟
لأنهم ليس في أجندتهم أن يُعطوك… هم فقط يأخذون منك..
يأخذون صوتك ويأخذون (كرامتك) ويشوهون هويتك وانتماءك، ثم تمضي، ثم لا تحصل على شيء..
وهذا عليه عندي وعندك ألف دليل خبرناها طوال أكثر من سبعين سنة..
أنت في نظر هذه الأحزاب وقياداتها لستَ أكثر من صوت.. مجرد رقم واسم في سجلّ الانتخابات..
فلا تقع في فخ الأحزاب الصهيونية، لأنك إن سقطت في الفخ فأنت في طريقك إلى الضياع التام، ولن تستطيع بعد ذلك الخلاص…. وستبقى الوصمة تلاحقك حتى الموت..
ما انتخابات الكنيست أساسا إلا لعبة خطيرة لإلهائك عن قضيتك الكبرى، وعن هموم شعبك وقضاياه الحارقة، ومن أجل السيطرة عليك…
انظر كيف أن كل جهودك منصبّةٌ فقط في انتخابات الكنيست ولا شيء غيرها…
هذا أسلوب من أساليب السيطرة على دماغك…
إنها أكبر عملية غسيل دماغ تعرض لها الفلسطيني في الداخل منذ النكبة.
لذلك لا تكن مجرد رقم يلهثون خلفه ثم يلقون به على قارعة الطريق.
كن الرقم الصعب الذي لا يمكن لأحد أن يتعامل معه أو يكسره.
كن أنت الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها أحلام الأحزاب الصهيونية..
كن سدا منيعا أمام اختراق الأحزاب الصهيونية..
ولكن…
هذا لا يعني إطلاقا أن من يسمون أنفسهم أحزابا غير صهيونية هم أفضل منها! على الإطلاق..
فكلهم في الأسلوب والطريق سواء.. وفي الهمِّ سواء… وهمُّهم الوحيد كيف يحصلون على صوتك. أما أنت ومستقبلك وهمومك وقضاياك فهي آخر ما يفكرون به، إن كانوا يفكرون بها أصلا!
ولعلك تسأل الآن: ما الذي دفع الأحزاب الصهيونية للخروج بهذه الحملة الآن؟
أولا عليك ألا تنسى أن الأحزاب الصهيونية لم تتوقف يوما عن محاولات اختراق الشارع الفلسطيني في الداخل، سواء أثناء الانتخابات أو في غير الانتخابات. لكن الملفت هذه المرة حجم هذه الحملة، واتساع رقعتها، وكثرة الأحزاب التي تشارك فيها، وظهور وجوه عربية جديدة صُنعت على يد الساحر، أمثال تلك الأسماء التي طُرحت مؤخرا من خلال أحزاب جديدة أو من خلال ضمّها إلى أحزاب قائمة… ولا يزال الحبل على الجرار…!
إن أحد أهم أسباب هذا الاختراق هو الذي أنتجه سلوك القائمة المشتركة في الشهر الأخيرة. وسوف أتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل في مقال قادم.
هناك فراغ قاتل أصاب مجتمعنا بسبب تراكمات أحداث صنعت اليأس والإحباط. هذا الفراغ تحاول الأحزاب الصهيونية ملأه الآن…
يحدث هذا عندما تغيب الرؤية الصحيحة، وتنحرف البوصلة، ويسود الصمت القاتل، وينتشر التضليل والكذب، وتسوّق الأوهام، فيستيقظ الواحد على أجواء محتقنة ومشهد ضبابي صنعوه بأيديهم، فلا يدري أين المسير، وتُغَمُّ عليه معالم الطريق. عندها يسهل الاختراق.
فهل يعقل أن يبقى الفلسطيني مثل كيس رمل أمام ملاكم يجرّب عليه قوة قبضاته؟ أيعقل أن يبقى الفلسطيني مخزن أصوات وحسب، تنهش فيها الأحزاب، جميعها، بلا رحمة، دون مقابل حتى؟
أيعقل أن تنطلي عليه أكاذيب نتنياهو الذي أصبح فجأة مُحبّا للعرب؟ أيعقل أن تجد فلسطينيا رضع من حليب أمه يصدق أضاليل جانتس؟
أيعقل أن تجد فلسطينيا حُرا يقع في فخ أوهام جنرال دموي مثل بوغي يعلون؟
أيعقل أن يصدّق فلسطيني الأفاعي التي أخرجوها فجأة من جراب الحاوي، بأسماء عربية فصيحة، تسوّق ليهودية الدولة وتريد الانخراط التام في محرقة الأسرلة؟
لا يفعلها إلا جاهل.. ولا يقبلها على نفسه إلا ضعيف نفس ومريض قلب وذو مصلحة ضيقة أو باحث عن مجد شخصي زائف..
أما الفلسطيني الحر فلا يمكن أن تنطلي عليه أضاليل الأحزاب الصهيونية أو أوهام القائمة المشتركة.
الفلسطيني الحر هو الذي يبقى الرقم الصعب في اللعبة. وهو الذي لا يقبل أن يكون حجرا على رقعة الشطرنج الصهيونية.
ولا يقبل أن يكون إمّعة، لأنه هو الحجر الباقي في الوادي.
إنه الذي يدرك أن الأحزاب الصهيونية هي عمليا المشروع الصهيوني.
وما أدراكك ما المشروع الصهيوني!!
إنه يعني كل شيء مضاد ومعاكس للمشروع الوطني الفلسطيني. إنه حلم السيطرة على كل شيء، وعدم إعطاء أي شيء..
إنه المشروع الذي يعني كل شيء ضد مصلحة العربي الفلسطيني في الداخل..
فهل تقبل على نفسك أن تكون عودا في حزمة الحطب التي تتدفأ عليها أحزاب الكنيست؛ الصهيونية وغير الصهيونية؟
أنت الآن على مفترق طرق خطير..
بل أنت تخوض معركة وعي كبرى… فلا تسقط في الامتحان..
لا تسقط في الفخ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى