مقالاتومضات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها؟ (19)

عائشة حجار
هل يمكن للإعلام أن يؤثر على العنف في المجتمع؟ طبعًا. إلى أي مدىً يصل هذا التأثير؟ أكثر بكثير مما يتوقع معظمنا. في الواقع تشير بعض الأبحاث، والأحداث، أن الإعلام يمكنه أحيانًا أن يكون طرفًا فاعلًا في انتشار نوع ما من الجرائم. كيف؟
البشر بطبيعتهم مخلوقات تقلد ما تراه، بالذات إنْ رأت المشهد عددًا كافيًا من المرات ليدخل الفعل ويعشش في عقولهم. تعاطي الاعلام مع الجرائم عادةً يتطرق إلى الجريمة نفسها، وفي بعض الأحوال إلى الظروف التي أدّت الى الفعل الشنيع. هناك مشكلة في التركيز على الجريمة بتفاصيلها، فالذكر المتكرر لطريقة الاعتداء أو السرقة أو القتل يؤدي الى نتيجتين أساسيتين: تحول الاستهجان لدى الجمهور إلى تقبل وموت للعاطفة، ما قد يصل إلى رؤية الجريمة كأمر طبيعي وعدم تقديم يد المساعدة لضحاياها (بعض الجرائم حصلت في الشارع أمام المارّة، هل يبدو لكم هذا الامر طبيعيًا؟). النتيجة الأكثر خطورة هي التقليد. عندما تحصل جريمة نكراء يميل الاعلام لتغطية الجوانب الغريبة فيها، هذه الجوانب التي تلفت الانتباه وتجمع اللايكات والمتابعات ولا تضيف شيئًا الّا الالم لقلوب ذوي الضحايا والتسلية للجمهور (نعم تسلية، لم يكن لديك سبب حقيقي لتشاهد ذلك الفيديو المروع للجريمة إلا أنك شعرت بالفضول كما تشعر حيال حلقة في مسلسل)، هذه الجوانب تنطبع في العقول الخطأ وتُقلَّد في العديد من الاحيان.
عندما يعمل الاعلام بدون منهجية واضحة، عندما لا يكون هناك جسم يجمع الاعلاميين ليضعوا قوانين وحدودًا لعملهم على أساس علم وتجربة، عندها تنتج حالة من الفوضى فيها ترشق كل معلومة ضرورية وغير ضرورية على صفحات صحافتنا، شرط أن تكون التفاصيل جاذبة للانتباه وتلائم معايير الصحفي الشخصية، فيعمل الصحفي والاعلامي على أساس حدسه ورأيه دون موجّه واضح وبهذا يمكنه أحيانًا أن يضر أكثر مما يفيد.
في مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني يلعب الاعلاميون دورا اساسيا في صقل الوعي المجتمعي، مجتمعنا ما زال، حاليًا على الاقل، يحترم إعلامه ويرى فيه المصدر الأمين الوحيد للمعلومات في بيئته، لذلك فالمسؤولية على عاتق هذا الاعلام مضاعفة ولا تنتهي بنقل المعلومة بل هي صياغة للواقع الذي نعيشه وسيعيشه أطفالنا (جزئيًا على الاقل). إذا لم يبدأ الاعلاميون أنفسهم بإصلاح شامل في مجالهم ويطوروا الطرق الصحيحة لتغطية الاحداث في مجتمعنا، فإنّهم يشكلون أداة للسقوط الذي يعيشه المجتمع، وعلى ما اعتقد فإن أحدًا لا يريد أن يكون هو من يدخل فكرة في رأس المجرم القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى