أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هل تحوّل العرب!؟

د. ابراهيم خطيب- باحث سياسي ومحاضر جامعي
قطار التطبيع مستمر في طريقه، يزداد ركّابه، بشكل مطّرد، مما يثير العديد من التساؤلات حول الذي يحدث في العالم العربي ومسببات هذا التراجع والقبول بالتطبيع بعد أن كان من المحرمات والموقف الرافض له جزءًا من الإجماع العربي والاسلامي.
لا شك أن الموقف الرسمي المرتهن بالقرار الأمريكي وحسابات سياسية تخص قادة الدول التي قامت بالتطبيع وجزء منها متعلق بالمصالح المتخيّلة (الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية) لتلك القيادة الرسمية من اتفاق كهذا، إضافة لسعيها للحصول على شرعية خارجية تكتسبها من خلال هذا التطبيع، ووقف لمد الديموقراطية والإحراج الذي أدخله الربيع العربي لهذا الأنظمة، كل هذه العوامل وغيرها أدّت لخطوات التطبيع هذه على الصعيد الرسمي، ولكن يبقى السؤال حتى متى يمكن المراهنة على الشعوب العربية، وهل هذا التحوّل الذي أصاب القيادات في العالم العربي والاسلامي سيقتصر على هذه القيادات أم أنه سينتقل للشعوب وستصاب بتلك العدوى؟
في قراءة لموقف الشعوب والتحوّلات التي يمكن أن تؤثر عليها من التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية يمكن رؤية تحوّل الهم الجمعي وما يرتبط به من هوية جمعية للشعوب العربية والاسلامية من هم جمعي يتجاوز الدولة الوطنية وهوية عابرة للهوية الوطنية، لهم محلي مرتبط بالشأن الوطني وهوية وطنية محلية “متنكرة” للهوية الجمعية للأمة او بأحسن الأحوال “مفضلّة” للهوية المحلية ولو كان ذلك على حساب الهوية والقضايا الجمعية للأمة. وهذا الأمر مقلق، فإذا كان تأسيس الدولة الوطنية العربية حصيلة تقسيمات “سايسبيكو” واستمرت الشعوب العربية برؤية نفسها كجزء من أمة واحدة، فإن الواقع الجديد يشير إلى تراجع هذه الوجهة وترسّخ الهوية المحلية والدولة الوطنية ومشاكلها وتحدياتها عند الناس على حساب الهم الجمعي والهوياتي للأمة. طبعاً هذا التوجه او هذا التغيير ومداه بحاجة لفحص وبحث دقيق، ولكن هناك اتجاه بدأ يعلو صوته، مع أنه ما زال محدوداً وعدد كبير من الأمة وشعوبها الحية ما زالت ترى في فلسطين قضية مركزية.
بكل الأحوال، هذا التحول الممكن والذي يقود لتراجع دعم القضية الفلسطينية لحسابات القضايا المحلية، ترافق مع واقع صعب في صفوف الدول العربية وانعكس على الشعوب العربية، وتترجم بهموم كبيرة تزداد من وضع اقتصادي جداً صعب وحالة سياسية رثة تحاصر تلك الدول. لتكون الماسي جداً كبيرة وكثيرة تجعل من بعض الناس يفقد الصورة الكليّة من أجل الصورة الجزئية (الصعبة). وهنا يحتاج الأمر لقدرة على الموازنة بين الشأن المحلي والشأن والهم المتعلق بالأمة وقضاياها، والعلم أن الشأن المحلي مشتق من الشأن المتعلق بواقع الأمة وأزماتها، والحل لا يكون بأن يكون حل الشأن المحلي على حساب قضايا الأمة المركزية.
كما أن القارئ للواقع السياسي الحالي في المنطقة يجب أن يُدرك أن الخيارات القائمة للخروج من المآزق والتحديات الكبيرة التي تحيط بالشعوب، لا تقتصر ولا يمكن أن تقتصر على التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية أو الخضوع لمزاد المقايضة والمساومات الأمريكية، ويجب أن تتسع الخيارات السياسية وأن يكون هناك قيادات تسعى للتعاون المشترك والعمل المشترك المخلص لصالح الأمة بعيداً عن التخلي عن ثوابت الأمة.
بنفس الوقت لا يمكن إغفال أن بعض التغيير حصل على المزاج الشعبي عند عدد من الناس وخصوصاً ومع التحديات الكبيرة التي تحيط بالشعوب في كل مكان (والتي بقسم منها سببها الأنظمة القائمة ذاتها والمواقف الدولية المزدوجة، التوجهات الأمريكية والتدخلات الإسرائيلية) وبات يحاصر هذا الناس نوع من اليأس، ومحاولة الهروب منه باتت مقبولة ولو كانت بأي ثمن. وبناءً على هذا، فيجب العمل حثيثاً على زيادة الوعي الشعبي وزيادة الشحذ والتضامن العربي الإسلامي مع قضايا الأمة، وأن يكون هناك دور فعّال للأطر الفاعلة في هذا الاتجاه لعدم حرف البوصلة في الحاجة للاهتمام للهم الجمعي والهوية الجمعية إضافة للشأن المحلي. كما يجب على الفلسطينيين وقيادتهم صنع أنموذج في تعاطيهم مع قضيتهم وفي تعاملهم مع الاحتلال الإسرائيلي، ولتأصيل حقيقة أن قضية فلسطين هي ليست للفلسطينيين فقط، بل لكل الأمة ولكل الاحرار في العالم لقيمية هذه القضية، ليساهم كل ذلك في استعادة الالتفاف الشعبي حول قضية فلسطين (وبالمناسبة هذا ينسحب على قضايا الأمة الأخرى..).
أخيراً، ما زلت أعتقد أن الشعوب العربية والاسلامية ترفض بغالبيتها التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية ولكن التغيير، الذي ذكرته، يمكن أن يتغلغل ويزداد عند الناس ضمن العوامل والواقع الذي أشرت إليه، في حال لم يتم التعامل معه بجدية وبرؤية واضحة تضع نصب عينيها أن الهم جمعي والعمل عليه يجب ألا يكون بحسابات مقتصرة على الهم المحلي مع أهميته!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى