أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وحدة الأمة الإسلامية (6): والجماعات الإسلامية، قراءة نقدية في كتاب د. عزمي بشارة “الطائفة والطائفية والطوائف”

د. محمود مصالحة
في ضوء التعريفات والمفاهيم البحثية العلميّةِ، يسعى الباحث لاتخاذها وسيلةً يحاول من خلالها دراسة ظاهرة أو مشكلة ما، والتعرُّف على العوامل المؤثِّرة على تلك المشكلة، أو للتوصُّل إلى نتائج تفسِّرها، أو للوصول إلى حلٍّ، أو علاج لها، فاصطُلِح عليها مشكلة الدراسة، فإن لكل كتاب أو دراسة بحثية خطة علمية تشمل: أهمية الدراسة، ومشكلة الدراسة، وأسئلة الدراسة، أهدافها، ومحدداتها، على الباحث أن يجيب عليها، ويتمحور في نطاقها، ولكن كتاب الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة” يخلو من تلك المنهجية العلمية، وهذا ما يعيب كتاب الطائفية، فأين هي مشكلة الدراسة؟ أهي عنوان الكتاب أم هي الطائفية في الحركات الإسلامية السياسية كما يدّعي؟ أم هي الهوية الوطنية؟ أم هي الدولة القومية الحديثة؟ أم على القارئ أن يستنبط مشكلة الدراسة وأهدافها ومحدداتها من خلال قراءته للكتاب أم ماذا؟ هي الأسئلة التي تنتظر الإجابة.
ذكر د. بشارة في ص20 أن “ظاهرة الطائفية السياسية الاجتماعية التي تشغل الناس في الحاضر… لم تكن الطائفية ظاهرة تحتل الصدارة في المشرق العربي في الماضي القريب” ص21. وفي الفقرة الأولى عرَّف الطائفية بأنها ظاهرة سياسية جديدة إضافة إلى طابعها الديني. وأورد د. بشارة في كتاب الطائفية أنه: “راهن التدين السياسي نفسه على الطائفية السياسية وتقاطع معها؛ وهو ما نفى الرهان أن يُشكل الدين سدًا ضد الطائفية”ص42.
بمعنى أن الجماعات الدينية ذات التوجّه السياسي أي (الجماعات والحركات الإسلامية)، قد أكدت بالرهان أن الدين الذي تعتنقه سيقاوم الطائفية ويقف سدًا أمامها، إلا أنها تقاطعت مع الطائفية وتفاعلت معها، وتحوّلت الجماعة إلى جماعة طائفية، ولنتساءل كيف توصل د. عزمي إلى هذه الاستنتاج، هلا قدم لنا تفصيلا عن هذه الجماعات المتدينة التي راهنت ونقضت الرهان! ومن هي الحركة السياسية التي لم تنقض الرهان؟ فأين هي الأدلة على ذلك؟ وأين هي دقة التنقيب عن الحقائق؟ حيث صنّف د. بشارة كتابه ذو منهجية علمية، ولكن التعميم والضبابية في تعريفاته تضعف من مستوى البحث العلمي للكتاب.
وفي ص43 قال “ساهم في صناعة الأقليات كل من الحكومات العربية والخطاب الديني السياسي الشعوبي للحركات الإسلامية والوعظ الديني الذين يكررون الأفكار المسبقة والخرافات وغيرهم من ناشري خطاب الكراهية ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى”.
وهنا بدا بشارة أكثر وضوحاً في تصويب هجومه على الخطاب الديني السياسي الشعوبي للحركات الإسلامية السياسية ضد أتباع الديانات الأخرى بقوله: “نشر الوعظ والخرافات وخطاب الكراهية ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى” فما هي نصوص الخرافات تحديداً، فليقتبس لنا ولو مثالاً واحدًا، وما هو خطاب الكراهية، ومن أي جهة صدر هذا الخطاب؟ ومن هي الحركات الإسلامية التي يقصدها د. عزمي، بخطاب الخُرافات والكراهية؟ واستخدامه أل التعريف وهي أل الاستغراق وتعني الكل في كلمة (ال حركات) أي كل الحركات الإسلامية السياسية، فأخطاء التعميم هذه جسيمة يقع بها الباحثون ومن بينهم د. بشارة، فعلى الباحثُ بحسب متطلبات البحث العلمي أن يقوم باستقصاء دقيق يهدف لاكتشاف الحقائقَ وتبيانها للعامَّة.
ومن عدالة الباحث عن الحقائق العلمية، ألا يقف موقف الخصم بكيل اتهامه لخصمه، والنص هنا يظهر أنه خصم للحركات الإسلامية بقوله: “بتكرار الأفكار المسبقة والخرافات ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى”، وهذا يؤكد ما قلناه في المقال السابق أن كتاب د. بشارة يحتاج إلى مراجعات وتدقيق علمي، وهنا حُق لنا أن نتساءل: أين أدلته على هذه الادعاءات؟ وما هي نصوص الخُرافات التي يدعيها د. بشارة؟ فمن واجب الباحث تدعيم وجهة نظره بالأدلة، ومن المعيب على باحث بوزن د. عزمي أن يطعن في الإسلام؟ ولِنسأل د. بشارة سؤالًا: إن حقيقة وجود العقل البشري المبدع الذي هو فوق المادة ومُشكِّلُها ولا يُرى، هل هو خرافة؟! أم أن حقيقة وجود الروح في الجسد، وهي فوق المادة وتُحركُه ولا تُرى، هل هي خرافة؟ فعجز العلوم المعارفية لا يعنى العدم، بل تدعو للإيمان بقدرة الله خالق الكون ومبدعه هو الحقيقة الكبرى دون أن يُري. والخرافة الحَجْرُ على الفكر البشري وحصره في حيز العالم الماديّ الضَيّْق، ولقد قال الوليد بن المغيرة في القرآن الكريم خرافات الأولين، فأنزل الله تعالى فيه قرآنًا “إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ” القلم:15.
وقال بشارة في ص34-35: “لقد تخاصمت الجماعات الدينية في الإسلام وتوافقت بوصفها “أحزابا” تتصارع على الخلافة أو الإمامة على الأحقية الدينية بها بوصفها فرقا تتبنى تفسيرات وتأويلات اعتقادية ومذهبية فقهية لنصوص مقدسة…ومن هذه الصراعات السياسية والاجتماعية…وهوياتها وعصبياتها تطابقت الانقسامات مع الانقسامات القبلية وساهم ابراز المذهب الديني في تعزيز العصبية القبلية”، فمن السهل توجيه أصابع الاتهام للمذاهب الدينية، ولكن المسألة ليست أحزابا، إنهما جماعتان مسلمتان اختلفتا اختلاف قناعات اجتهادية لفريقين، والاختلاف لم يكن على من هو أحق بالخلافة فهذه قراءة استشراقية استعمارية اعتمدها د. بشارة، يهدف لقلب الحقائق التاريخية، أمّا الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فحقيقته هي القصاص من قتلة عثمان أولًا قبل مبايعة معاوية لعلي رضي الله عنهما أو بعدها، وليس كما يدّعيه بشارة بأن التاريخ الإسلامي صراعات قبلية طائفية، وأخطر ما ذكره على خلافة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الصحابة الكرام أفضل الناس، في عملية تشكيك ممنهجة فألصق بهم صراعاتٌ سياسية قبلية، لكي يوصل فكرته القائلة: هذا هو شأن الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، للطعن بعدالة الدولة الإسلامية المعاصرة، هكذا يحرف نصوص التاريخ الإسلامي عن مواضعها.
خلاصة قولنا لِـ د. عزمي أن عيبًا هامًا يعتري كتابَهُ بخلوهُ من المنهجية العلمية، ثم استخدامه لأساليب التعميم، وعدم اتباعه لمنهجية التدقيق لكشف الحقائق والقواعد الأساسية في البحوث العلمية التي هي من واجبات الباحث؟ لذلك فالتعاريف تحتاج إلى إعادة نظر، وغالبًا ما يتبنى الرؤية الاستشراقية في قلب الوقائع التاريخية، واتهامه للمذاهب والحركات الإسلامية السياسية بنشر خطاب الكراهية لغير المسلمين، لتثبيت نظريته في الطائفية وصولًا لفكرة الدولة القومية الحديثة.
ثمّ نتساءل هل نماذج الدول الحديثة التي ينادي بها بشارة حققت شيئا من العدالة الإنسانية، فواقع الدول الغربية الاستعمارية تقول عكس ذلك، وأي نموذج من الدول الغربية يتبنى د. بشارة كدولة قومية حديثة، أهي القومية الليبرالية الفرنسية، أم الأمريكية، أم الإنجليزية، أم الألمانية أم هي التجربة الجديدة لِ د. بشارة بعد قسطنطين زريق ومشيل عفلق والحُصَري على الشعوب العربية؟ فليعرض ما يشاء من قناعاته الفكرية، ولكن ما الداعي لتزييف الحقائق التاريخية المفصلية لِ “بيعة السقيفة” بقوله: “ولا نعثر في واقعة السقيفة إلا على تعليلات قبلية” ص176، في اختيار أبي بكر رضي الله عنه خليفة، وسنفرد له مقالا بإذن الله، إنها محاولات لصياغة نظرية الطائفية، من ثم إلصاقها بالمشروع الإسلامي، ليخلص إلى استنتاجاته في الدولة العَلمانية الحديثة، وهل الشعوب الإسلامية حقلاً لتجارب الفلسفات القومية العَلمانية أو لغيرها؟! ولكن المجتمعات والشعوب لا تنشد إلا وحدة الأمة الإسلامية وعدالة الدولة الإسلامية الموحدة، القادرة على جمع القوميات تحت ظلالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى