أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (18)

عائشة حجار
“دوباي”، الوجهة الجديدة لكل حامل بطاقة هوية زرقاء يبحث عن سفرة في زمن الكورونا. المدينة الصحراوية التي يلمع ذهبها جيدًا تحت الشمس الحارقة، ذات الشمس التي خلقها الله قبل ملايين السنين وانصلى بحرّها كثيرون، نفس الشمس التي صمد تحتها سيدنا ومؤذن رسولنا بلال رضي الله عنه وكاد يلفظ آخر أنفاسه في سبيل دينه، نفس الشمس التي حرقت لاجئين فلسطينيين يبحثون عن حياة جديدة بدل تلك التي سلبها احتلال أرضهم، نفس الشمس التي ستبقى تطلع وتغرب على الشرّ والخير الى يوم الدين. هذه الشمس تدعوكم اليوم لتستمتعوا بلمعانها والرمال تحتها ولتضعوا كل شيء جانبًا، كل شيء.
الرسائل المتكررة من “دوباي”، مدينة الهراء والبغاء، تقول لكم تعالوا واستمتعوا، استمتعوا وانسوا النكد والماضي، إنس دم جدك الذي سال على أرضه، إنس أراضيك التي سُلبت، إنس قانونًا يقول إنك لست سوى نصف مواطن، لا حق لك في تقرير المصير، انس أنك قد تقتل لأن أحدهم رآك جانب سيارته واعتقد، بما أن سحنتك عربية، أنك تسرق سيارته، ثم يصبح بطلًا لأنه قتلك يا أخي. إنس كل هذا وتعال استمتع بكل ما تعرضه مدينة الرمال والأبراج.
ربما هذه من أخطر الرسائل الخفية في إعلامنا الحديث، فكل وسيلة اتصال جديدة تحمل معها مضامين أقل، مبادئ أقل، ومتع مباشرة أكثر، يصور لنا الانستغرام والتيكتوك الطعام والشراب والرقص على أنه زينة الحياة، الجميع سعداء عندما يأكلون ويشربون ويرقصون، يضحكون لنكات سخيفة يلائم مستواها مستوى طفل في الخامسة أو أقل. ببساطة فالكمية الهائلة من تصوير المتع الجسدية جعلت الثوابت والأهداف الجماعية والفردية طويلة الأمد شيئًا غير اعتيادي، بل أصبحت حكرًا على نخبة كثيرة الكلام وغير محبوبة.
هذه الرسالة- كل واشرب ونم ودعك من العالم، هي أحد العوامل التي أنتجت لنا ظواهر المتأسرل المتدثر بالخطاب الإسلامي، وقد شوّهه وحوّله إلى خطاب عبادات بلا ثوابت، والساخر من بلداننا بحجة “المزح”، و”ايقونة” ذات خطاب ركيك لم تسعفها لغتها فقالت إنها في السجن كانت “تتهبل”، والآن شباب وفتيات ليس لهم رصيد في الدنيا سوى بضعة صور متقنة يدعوننا لترك السياسة والنكد والسفر إلى “دوباي”، حيث تهان كما تهان هنا، لكن بايدٍ خليجية.
ربما حان الوقت ليستيقظ أبناء المشاريع الوطنية وقاداتها، وينزلوا من برجهم العاجي الذي بات مع الزمن أشبه بدار العجزة. حان الوقت ليلتقوا بشبابنا ويبثوا فيهم وعيًا حقيقيًا لذواتهم، فاذا لم ينته عهد زعامة “المخترة” التي حوّلتنا من أصحاب حق إلى أقلية تستجدي تعبيد شارع هنا وفتات ميزانية هناك، إذا لم تنته فسنجد جيلًا تقوده كأس “ميلكشيك” ويسلب نفسه حقوق نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى