أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وحدة الأمة الإسلامية (4).. وقراءة نقدية في كتاب د. عزمي بشارة: “الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة”

د. محمود مصالحة
الطائفة والطائفية، محوَران لعنوان الكتاب المُؤلَفُ من 822 صفحة للباحث عزمي بشارة، الذي صدر عام 2018م، في محاولة تحليلية لبُنى طائفية، مما يستدعى الرد على ما ورد في الكتاب من نصوص، لكونه من وجهة نظر عَلمانية، يختزل صراعات في التاريخ الإسلامي والعربي، من خلال سردية الكتاب التاريخية للانقسامات السنية الشيعية وانعكاسها على المجتمعات، وعلى النُظم الحاكمة بعد غزو العراق، ومن ثم اسقاط ما يسميه “بمصطلح الطائفية أو الطائفية المتخيلة” على الجماعات الدينية، والحركات الإسلامية التي تعمل على وحدة الأمة ورفعتها.
ولقد اعتمد الباحث بشارة في تأليف كتابه، المنهج الاستقرائي، والتاريخي الاجتماعي، والتحليلي والوصفي، والمقارن، والفلسفي مستعينًا بنظريات ومرجعيات غربية، حيث قال: “كتابي هذا هو محاولة للجمع بين جهد في تطوير نظريّة في الطائفة والطائفيّة من جهة، ودراسة تاريخيّة سوسيولوجيّة لنشوء الطوائف المتخيلة بعد تحليل الطائفة بربطها بالجماعة، أو المجتمع المحلي أو الأهلي من جهة أخرى. كما يتناول الكتاب عمليّة تحوّل الطائفيّة الاجتماعيّة إلى طائفيّة سياسيّة. وقمنا ببناء هذا البحث باستدلال نظريّ من نظريّات اجتماعيّة وتحليل للتاريخ الاجتماعيّ واستقراء نماذج من بلدان عربية مختلفة مع مقارنتها بحالات غير عربيّة”. (ص:14-15). وفي قراءة تحليليه مقارنة لحوادث تاريخية، حاول بشارة اقرار مُسلمات، غالباً ستفُضي إلى نتائج مُضَلِّلة للقارئ، لذلك لا بد من دراسة نقدية موضوعية لنصوص الكتاب لإظهار وجه الحقيقة.
ويبدو أن د. بشارة يُعتبر ممن يحاولون حرف بوصلة المجتمعات العربية والإسلامية عن هويتها وإيقاعها في متاهات الهويات والأيديولوجيات الثقافية الغربية العلمانية عبر تقزيم الوعي العربي والإسلامي، بترفُّعِهِ الذاتي باستخفافه من قدر مفكري الأمة، بقوله: “وما أظن أن كاتبا آخر عن الطائفية غير الذي أضعه بين يدي القارئ، قد أحاط بهذا القدر منه” ص14. ثم اسقاط الطائفية السياسية على فِرَق ظهرت في حالات ضعف الدولة الإسلامية عبر التاريخ، مستشهداً بفِرَقٍ معظمها شيعية، ليُظهر بأن التاريخ العربي والإسلامي صراعات جماعات دينية طائفية وقبلية فيما بينها على السلطة، في مقارنات تحليلية توهم بعدم أهلية الإسلام بالجماعات والحركات الإسلامية إقامة الدولة الإسلامية المعاصرة، مستندًا إلى ظواهر فِرَقٍ في الأمة، فعمل على تصنيفها بجماعات طائفية متخيلة بحسب تعريفاته المستقاة من مصادر غربية، علمًا أن الدول القومية العربية العلمانية الحداثية، هي من تكرس تمزيق وحدة الأمة الإسلامية فأبقتها في مؤخرة الأمم حضاريًا، ولكنَّ الأمة اليوم بعلمائها ومفكريها ترفع مشروع “حوار الحضارات” البديل للمشروع الغربي الاستعماري الدموي “صدام الحضارات”، أما نظرية الطائفية تلك لم يَعْرِفها قاموس التاريخ الإسلامي، لا دولة المدينة، ولا التاريخ الإسلامي الأموي ولا العباسي لعدم وجود نظام الأقليات، مع ظهور الخوارج، وعشرات الطوائف الشيعية المنحرفة عقدًيا التي لا تمثل الإسلام بحال.
وعرَّف بشارة الطائفة قائلًا: “بأنها “الطائفة الدينية تستخدم بمفهوم الجماعة، وتشكل الفئة جزء من كل، أي لها مرجعية أكبر” طائفة من المؤمنين”، والمهم أنها جماعة هوية تميز نفسها على أساس الانتساب إلى العقيدة أو المذهب، إذ تعتبره محددا اجتماعيا وسياسيا…وتتحول في المجتمعات المتدينة والمتعددة الديانات في الوقت ذاته، إلى كيان اجتماعي سياسي له دور في المجال العموم…وهي التي تحدد تعريف الفرد لذاته وتُحدد سلوكه من الآخر فينسب انتمائه إلى الطائفة بعينها” ص103.
ونُجمل هذا التعريف بما يلي: أي أن الفئة أو الطائفة التي هي جزء من جماعة لها مرجعية من العلماء أو الفقهاء المؤمنين، فهذه الجماعة لها هوية أساسها العقيدة تتحول إلى كيان متفاعل اجتماعيا وسياسيا، وهو من يحدد سلوك أفراده من الآخر، فانتماء أفراده هذا يُنسب إلى الطائفية بعينها.
لذلك يكتنف تعريف الطائفية “الغموض” حيث يُفهم من تعريف د. بشارة أن انتماء الأفراد إلى أي كيان سياسي اجتماعي ذي هوية إلى جماعة مرجعيتها دينية من العلماء المؤمنين، فأي سلوك لأفراد الكيان يخالف المجتمع الآخر قد يفهم أنها الطائفية.
وهنا وحُق لنا أن نسأل بشارة، ما هو مفهوم هذا السلوك المؤثر على الآخر في تعريفك هذا؟ وما هي ماهية محددات السلوك تجاه الآخر حتى يُعتبر طائفيا؟ وما المفهوم الاصطلاحي للتعصب؟ وإلا فإن هذا الغموض يفيد التعميم في التعريف، مما يفقده المصداقية والواقعية؛ لكونه مُشْكِل من حيث البيان، حيث يُوهم تعريف بشارة أن أي انتماء لأي طائفة دينية يتشكل منها كيان اجتماعي سياسي ذات هوية تجاه الآخر، ستُلصق به “الطائفية”. إذن فالتعريف بنصه الحالي يتسم بإشكالية الغموض الذي يَقدح بنصه من حيث منطوقه البحثي، لذلك يعتريه النقص وعدم الاكتمال الاصطلاحي، فيحتاج للتعديل، وإلا فالتعريف سيقود حتما إلى معارك التراشق بالطائفية والتوتر بين أطياف سياسية في المجتمع، الأمر الذي يقضى بعدم صلاحيته ومن ثم بطلانه.
وأما من جانب الأمانة العلمية، فلابد من عرض تعريف مفهوم الطائفية على ما ورد من تعريفات في المعاجم والتفاسير، ولكن إن كان يُقصد بتعريف بشارة لإلصاق الطائفية بالجماعات والحركات الإسلامية التي تتبنى المشروع الإسلامي الشمولي نكاية بها بمخرجات بحثية انتصارا للأيديولوجية التي يتبناها بشارة، فتعريفه مردود ابتداءً، وعلاوة على ذلك عدم توافقه مع تعاريف المعاجم والتفاسير، وكذلك يتعارض مع الواقعية التاريخية بنص دستور المدينة الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم على أن “يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وليهود بني حارث مثل ما ليهود بني عوف”(1)، فجَعل المؤمنين واليهود أمة من دون الناس، لكل له دينه في احترام وتعاون وثيق قد استمر سنوات قبل نقضهم للعهود، إذن فدولة المدينة جمعت هذا التنوع العقدي والسياسي في الديانتين والقبائل، في إطار الأمة بمنظورها الإسلامي، ولم يعرف التاريخ الإسلامي الأموي الطائفية، إلا في الخوارج والفرق الشيعية فهي لا تمثل الأمة الإسلامية.
وفي الخلاصة: نقول للباحث بشارة إن المفهوم الجليَّ للطائفية بعد البحث في معاجم اللغة وبعض التفاسير، هو(سلوكٌ فيه الكبر والأنفة يُظلَم به الآخر برفض الحق، وتعصب فئوي لفئة أو قبليّ لقبيلة أو لجماعة أو لحزب أو لفِرقَةٍ، أو لكيان، حَمِيَّة جاهلية قَبَليّة مصلحية، وهو سلوك دوني مُنكر مُنفِّر ومُفرق، فمن لازمه هذا السلوك فهو طائفيّ، أكان متدينًا أو عَلمانيًا) أنكره الإسلام عقيدة وشريعة وتربية وفكرًا؛ وبناء عليه، يُطلب من الباحث بشارة مراجعة نصوص تعريفاته في الطائفة والطائفية والطوائف المتخيلة التي بنى عليها نظريته، لتنقيتها مما يعتريها من إشكالية الغموض، ومن ثم تصويب مفهومها ومنطوقها البحثي الموضوعي، لئلا تضلل القارئ والباحث، وليعلم أن الطائفية ليست لها وجود في الإسلام. أما التنظيمات المدفوعة استعماريًا التي ذُكرت حينئذٍ لن تجد لها حيزًا في الدولة الإسلامية، والمسلمون وأهل الكتاب هم أمة سواء بسواءٍ في الحقوق والواجبات، لهم دينهم وللمسلمين دينهم في ظل وحدة الأمة الإسلامية.
(1) ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقَّى وآخرون، دار الإحياء العربي، ج2، ص149، بيروت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى