مقالاتومضات

نظرية المؤامرة حقيقة أم شماعة لأخطائنا!

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
منذ سقوط الخلافة الإسلامية، ومع تنامي الصراع وتسلسله الزماني والجغرافي في سير الأحداث من الانقلابات والاغتيالات وثورات الربيع العربي في دولنا الإسلامية، أصبح يطفو على السطح مصطلح (نظرية المؤامرة) تلك النظرية التي تتلخص في: (وجود جهة أو مجموعة من الأشخاص تتحكم في كل أرجاء الأرض وتسيطر على الاقتصاد العالمي، وأن هذه الجهة من تنشئ الحروب وتُشعل الثورات وتعيّن الرؤساء أو تعزلهم وفق مصلحتها)، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل فعلا هنالك مؤامرة تٌحاك ضدنا كمسلمين؟! أم أن نظرية المؤامرة ما هي إلا شمّاعة نعلّق عليها فشلنا وهزائمنا وانحطاطنا الحضاري والأخلاقي؟!! وإني ها هنا أود أن ألخص الإجابة عن هذين السؤالين بما يلي (أنه من الخطأ الفادح تفسير كل حدث يحدث لنا على أنه مؤامرة، ومؤامرة أن ننكر وجود المؤامرة!) ولكي أوضح ذلك، فإنه ممّا لا شك ولا لُبسَ فيه أن هنالك مؤامرة تُحاك وتدبر لنا نحن المسلمون، للسيطرة على بلادنا ومقدراتها الطبيعية والبشرية. بل إن خيوط هذه المؤامرة قد بدأت تتضح معالمها منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في اجتماع كفار قريش للتخطيط والتآمر على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما تآمر بنو قريظة مع كفار قريش لكشف ظهر المسلمين في المعركة، حتى يتسنى للكفار القضاء عليهم، وتكشّفت خطوط المؤامرة كذلك عندما تم دسّ السمّ في الطعام من قبل اليهودية، لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وما زالت خيوط المؤامرة تحاك للنيل من الإسلام عبر التاريخ حتى اكتملت فصولها بالتآمر على الخلافة الإسلامية والقضاء عليها، بعد أن عانت الخلافة طويلا من مؤامرات الغرب الأوروبي ودعمهم للقوميين الأتراك بقيادة كمال أتاتورك، واستبدال دولة الخلافة بدولة قومية تركية، ودولة قومية مصرية، ودولة قومية جزائرية، ودولة قومية سورية…. إلخ، وبذلك كان الناتج الأول لتلك المؤامرة إنشاء دول تقوم على نظام حكم قومي فقط بعد أن أحدثت قطيعة تامة مع نظام الخلافة والتشريع السماوي، حتى يسهل عليهم إدارة تلك المقاطعات التي أسموها دولا وأنتجوا لنا هوية زائفة ومرجعية حدود جغرافية نحن ننتمي لها أصلًا، فأصبح المسلم يُعرّف نفسه: مصريا، جزائريا، فلسطينيا، سوريا، وهكذا. ولم تقف خيوط المؤامرة إلى هذا الحد!! بل أطلّت علينا من جديد من خلال ما تسمى “صفقة القرن”، والربيع العربي وما حدث في مصر للرئيس الشهيد محمد مرسي ومن خلال المؤامرة على تركيا ومحاولة الانقلاب على حكم أردوغان، ومؤامرات التطبيع مع المحتل الإسرائيلي، والمؤامرة على القدس والمسجد الأقصى بشكل خاص، والسؤال الذي يُسأل هنا ما العمل؟ هل نستسلم لهذه المؤامرات؟ وهل فعلا كل ما يحدث لنا عبارة عن مؤامرة؟!
بداية، وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، أود أن أوضّح وكما ذكرت آنفا، أنه من الخطأ تفسير كل حدث على أنه مؤامرة، فهناك أحداث تمرّ بنا هي من فعلنا نحن، ومما جنته أيدينا، فهزيمة 67 والتي اختزلت لتسمى نكسة، لم تكن مؤامرة بل كانت هزيمة نحن أبطالها بتخاذلنا وخيانتنا لأنفسنا أولا وأخيرا، وما حدث في العراق وتآمر حكام العرب عليه، وما بداعش ودولتها إلا مؤامرة من فعل أيدينا، حتى لو كانت صناعة أمريكية. وكم من أحداث عظام ألمّت بنا فسرنا حدوثها على أنها مؤامرة. وطبعا ليس كل الأشخاص لديهم هذا الميول بتفسير أي شيء لنظرية المؤامرة
ذلك أن إدراك الناس لنظرية المؤامرة يتفاوت من شخص لآخر حسب عمق الإيمان فيها، فمثلا الأشخاص البسطاء يؤمنون بها بعمق كبير، لأنهم مسلوبي الإرادة، ولا يملكون التغيير، فلجأوا لفكرة نظرية المؤامرة واستعملوها كمخدر فكري أو مورفين لتغطية فشلهم وضعفهم وعدم قدرتهم على القيام بأي فعل. وهناك المستبدون أنفسهم الذين يصوّرون لنا أننا مستهدفين ويتم التآمر علينا كدول وشعوب، حتى يبرروا ظلمهم واستبدادهم وفشلهم الحالي وفشلهم المستقبلي، حتى لا نحرّك ساكنا أمام هذا الاستبداد، وكلام المنقلب السيسي خير دليل عندما قال بأن ثورات الربيع العربي مؤامرة!! السؤال الذي يطرح هنا ما الذي أوصلنا لهذه المرحلة من السكون؟! أمّا الإجابة فإنها تكمن في أنفسنا، لأننا وصلنا لمرحلة من الضعف والوهن، فأصبحنا كبيئة جاذبة للمؤامرات!!! بيئة يملؤها الضعف والهوان والخضوع للواقع الذي نعيشه من ظلم واستبداد وجبروت حكامنا من بني جلدتنا، وجبروت حكام العالم الغربي الذي بيده الهيمنة والقوة، وحتى نتخلص من هذه البيئة وننهض من جديد علينا أن نخرج من مربع المفعول به المطلق إلى مربع الفاعل المطلق!!! وعلينا أن نعلم أن الخارج لا يتمكن من الداخل إلا بمقدار ما يُمكِّن له الداخل، وإن ما حدث مع أردوغان ومحاولة الانقلاب عليه بدعم خارجي كانت مؤامرة، لكن أردوغان بوعيه ووعي شعبه لما يحاك لهم، أفشلوا هذه المؤامرة ولم يستسلموا لها، بل أبدوا فاعلية وردّة فعل ضدها وانتصروا عليها، بفضل قراءتهم الصحيحة للأمور والأحداث المحيطة بدولتهم. وهذا ما يجب علينا كأفراد وشعوب أن نعمل به، لأن الصراع حقيقة تاريخية وواقعية ومن البديهي قيام تحالفات بين دول لها مصلحة مشتركة ضد الحلقة الأضعف، وقد يقول قائل: هل يعقل أن المصلحة المشتركة فقط توجد بين الدول الأوروبية وبالذات بين الدول الخمس في مجلس الأمن!!! طبعا لا، فنحن كذلك كدول وشعوب عربية بيننا مصالح مشتركة، لكن الفرق بيننا أن دول الغرب استطاعت قراءة الواقع ومعرفة الظروف وتحليلها، ومن ثم التخطيط لتنفيذ مصالحها، وهذا ما حصل خلال عشرات السنين.
ولكن بصيص الأمل أصبح بريقا سيخطف أبصار الغرب ويدهشهم، بفضل جيل الشباب الصاعد جيل الربيع العربي، الذي رفض الخنوع والسكون، وبدأ يتحرك على كل المستويات لتغيير هذا الواقع المرير الذي عايشناه سنين طوال. هذا الجيل الذي بات يعرف إلى أين ترمي كل مؤامرة، وما الهدف من تصنيعها، إنه الجيل الواعي. وإن المتأمل للأحداث سيرى كيف أن الحضارة الغربية المهيمنة منتجة نظرية المؤامرة تسقط بثقل حديدي نحو الهاوية، أمّا حضارتنا الإسلامية العربية المتمثلة بشبابها وعلمائها ومفكريها- حتى لو أغلبهم قد زجّ في السجون الظالمة المتآمرة- صاعدة بإذن الله لاستلام زمام الأمور كلها والعودة بالخلافة الرشيدة، لأن الأمّة الإسلامية لديها الرؤية الواضحة لحكم العالم بالعدل بعد فشل نظام الدولة القومية الحديثة. إنه النظام الإسلامي بإذن الله. وآخر دعوانا أن صل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى