أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

إذا كثُر الخَبث

سوسن مصاروة
قال مالك ابن دينار: (خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيَبَ ما فيها، قيل وما أطيَب ما فيها؟ قال: معرفة الله تعالى).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لولا ثلاثٌ لأحببتُ أن أكونَ في بطنِ الأرضِ لا على ظهرِها: أخوَةٌ يأتونَني ينتَقون أطايبَ الكلام كما يُنتقى أطيَب الثمَر، وأن أعفِّرَ وجهي لله ساجدًا، وأن أغدو وأروح في سبيل الله).
الشباب سرّ قوة الأمّة وعليه تكون نهضتها وبه تُبنى حضارتها، فإذا كان الشباب معطاءً فإنه يعود على الأمة بخَير، وأمّا إن كان لاهيًا عابثًا غارقًا في الفساد فإنه يعود على الأمة بالويل والدمار والمتاعب.
حرص النبيّ صلى الله عليه وسلم، أن يبيّن ذلك في أحاديثه، قال عليه الصلاة والسلام: (اغتَنِم خمسًا قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، صحتك قبل سقمك غناك قبل فقرك، حياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك). وقد قال تعالى: (وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون)، هذه الغاية مِن خلق الإنسان، ومن أجل هذا نحن هنا حتى نلتزم منهج رب العزة الذي لا يأتيه الباطل، حتى نعطي الولاء لله ولرسوله، فمهمَّتنا الأولى هي إقامة حكم الله في الأرض، حتى نُخرجَ الناس من الظلمات إلى النُّور ومن الجهل إلى العلم ومن الجُور إلى العدل ومن الضيق إلى السعة.
فكيف نحقق هذه المهمة؟ تتحقق هذه المهمة بخمسة أشياء:
الإيمان الراسخ، والإخلاص الصادق والعزيمة المتينة والعمل الدؤوب والتضحية الغالية التي لا تعرف إلا النّصر.
تلك الفئة المؤمنة التي تربَّت في دار الأرقم تربّت على منهج القرآن وتوجيه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى أيديهم كان النصر، كانوا شبابًا. هذه الفئة التي آمنت بالله ربًا وبمحمدٍ نبيًا وبالقرآن دستورًا نشروا دين الله في بقاع الدنيا كلها فأقاموا دولة واسعة الأركان.
نظرة فاحصة إلى واقعنا، نحن نعيش فترة تشبه الجاهلية الأولى بل هي أشدّ وأعظم. أسقطوا الخلافة، والأمّة مقسمة إلى أكثر من أربعين دولة وإمارة لا تقيمُ شرع الله، حكام الأمّة دعاة على أبواب جهنم، نشروا الفساد وأغرقوا الشعوب بالشهوات والملذات والجنس، دنّسوا الأخلاق وأصبح السفور والتعري هو الأساس وأهم من الأخلاق الحميدة والتقدم والحضارة وغدا الجلباب والحجاب والثوب واللحية تخلُفًا وتطرفًا وأصولية، حاربوا العقيدة فأصبح الذي يحافظ على دينه كالقابض على الجمر. علماء ودعاة في سجون الحُكام، سجنٌ وقهر وتعذيب وقتل، اجتمعت كل الأمم علينا فأصبحنا كالشاة بين يدي الجزّار، تُسفك دماء المسلمين في كل بقاع الأرض، حربٌ دينية عقائدية لكل ما هو إسلامي، حقدٌ وكراهية ورثها أعداؤنا عن أجدادهم والحال كما هو، وصدق فينا حديث النبيّ صلى الله عليه وسلّم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: أمِن قلة يا رسول الله؟ قال لا، بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدّوكم المهابة منكم وليقذفنّ الله في قلوبكم الوَهن، قيل وما الوهن؟ قال حبُّ الدنيا وكراهية الموت)، قُذف في قلوبنا حب الدنيا. صرنا كالأيتام على موائد اللئام أذلاء جبناء هُدمت مساجدنا واغتُصبت نساؤنا وقُتل شبابنا وذُبح أطفالنا ونحن نسمع ونقرأ، قد نبكي، نحوقل ونسترجع ونضع “اللايك” ونشارك البوست. هذا ما يمكننا فعله!!
ورحم الله زينب بنت جحش لما قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلّم: (أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثًر الخبث).
وسئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أتوشك القرى أن تخرب وهي عامرة؟ قال نعم إذا علا فجَّارها على أبرارِها).
الرجل يقتل زوجته، الخال يقتل زوج أخته وابنها، العم يقتل ابن أخيه، والابن يقتل أمه وأخَوَيه، والقادم أعظم. هذا حالنا هنا وحال الأمة فهل سنبقى هكذا؟ لا، بل يجب أن نسعى إلى التغيير، ولكن مَن الذي يغيّر هذا الحال؟ مَن المسؤول عن هذا التغيير سوانا نحن وانتم؟
قد تسأل كيف ما هو دوري؟
إنّ الله عز وجل خاطب المؤمنين فقال: “كنتم خير أمّة أخرجت للناس..”، وقال تعالى: “إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
من أجل التغيير نحن بحاجة إلى دعوة وتربية، الدعوة بمعنى التعريف والبلاغ، والتربية بمعنى البناء والتكوين. والتغيير يجب أن يبدأ بالنَّفس قبل الغير، أغيّر نفسي ثم أدعو غيري، يجب أن أتعرف على عيوبي وأحاول تغييرها، أتعرف على الصالحين واقرأ سيرة المفلحين الصالحين المصلحين، ومتى عُرف الداء عُرف الدواء، وعلى ضوء الكتاب والسنة نعالج هذا المرض.
قال أحد الصالحين:
إذا ما عدَتِ النَّفسُ عن الحق زجرناها
ولئن مالتْ إلى الدنيا عن الأخرى منعناها
تُخادعنا ونُخادعها وبالصبر غلبناها
لها خَوفٌ من الفقر وفي الفقر أنخناها
كيف نربي أبناءنا تربية صالحة ليكونوا شباب المستقبل ليكون التغيير على أيديهم؟ الحديث في الموضوع واسع لأهميته، وحديثنا عن أمثلة لتكون لنا نورًا نهتدي به في مشوارنا التربوي:
تعريفهم بالله الخالق.
تأديبهم على حب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
تعليمهم سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
تربيتهم على مراقبة الله في كل تصرفاتهم.
تربيتهم على فضيلة الصدق.
تربيتهم على أخلاق الإسلام وآدابه كلها ما استطعنا.
إذا أردنا فعلًا التغيير في مجتمعنا فعلينا بكتاب الله وسنة رسول الله وإن لم نفعل فلننتظر وعيد الله: “واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة”، ولننتظر وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم).
لو كل أمّ قامت بتربية أبنائها تربيةً صحيحةً لأصبحت الأسرة صالحة، ومجموع الأُسر يكوّن مجتمعًا سليمًا صالحًا. وحتى نكون من أهل التغيير لبناء هذه الأسرة الصالحة، لا بد من صفات تتوفر فينا، أهمّها: الحكمة، الصبر، الإخلاص، التواضع حسن الاستماع، الاحتواء، الحوار، الحلم الرفق، وبدونها تكون تربيتنا ناقصة.
نريد فعلًا أن نكون من أخيار الأمّة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، نريد مجتمعًا طاهرًا نقيًا نظيفًا عفيفًا بعيدًا عن الدَّنس والرجس والفساد.
طريق التغيير بحاجة إلى “رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله”، جعلوا الآخرة أكبر همّهم لو قام كل واحد يدعو في نطاق عمله فسيصل بمرور الزمن إلى هيمنة الفكرة الإسلامية وسيأتي يوم يعتدل فيه المجتمع ويصلح حاله.
نريد لأبنائنا وبناتنا حياة إسلامية منعَّمة مرفَّهة تحت ظل آيات الله وسُنَّة رسول الله، هذا ما نتمنى ونرجو، وندعو الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى