مقالاتومضات

نعمة بلا شكر…(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)

إيمان راسم مصري
تصدّق النبي عليه الصلاة والسلام بشاة، وترك كتفها لأهل بيته فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ذهبت جميعها وبقي كتفها. فصححها النبي صلى الله عليه وسلم ليغرس في قلبها معنى أعمق وأسمى قائلًا: بل بقيت جميعها وذهب كتفها.
فما ننفقه هو الباقي وأما ما نبقيه فهو الذاهب، فإن المال نعمة حين نصرفه بطاعة الله فإنه رزق من الله لشراء الجنة فقد قال الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة).
وما نشهده اليوم يعكس شره ابن آدم للمال الذي لا نهاية، له فلو كان بين يديه جبل من ذهب لتمنى لو أن يدًا ثالثة تحمل المزيد، فنسأله سبحانه الولد فيرزقنا، ونسأله المال فيرزقنا، ونسأله العلم فيرزقنا، ونسأله الزوج أو الزوجة فيرزقنا، ثم إذا ابتلينا بلحظة، يضيق فيها حالنا، تأففنا، ثم لا نعود لنشكر ربنا على ما رزقنا بل نتجاوز في معاصينا وذنوبنا.
صدق ربنا تبارك وتعالى قوله فينا: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) إي وربي إن نعمك علينا لا تعد ولا تحصى ولكننا غفلنا فأذنبنا، فكيف نرجو السعادة والهناء وهداة البال؟
وصدق الشاعر الذي قال:
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي فوز الجنان ونيل أجر العابد
ونسيت أن الله أخرج آدمًا منها إلى الدنيا بذنب واحد
فاحذر واحذروا، ولتحذري يا نفسي، إن توالي النعم يستدعي الوقوف لاستدراك ما فات، فإن ردّ النعم بالمعصية يستدعي الخوف من فجأة النقمة وعظيم السخط وتحول العافية!
واسمع بقلبك قوله تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون* ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون* وزخرفًا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين).
أوليس هذا حالنا، رزقنا أجمل البيوت وأحسن الصبيان والبنات، وأجمل التحف والزينات، فنسينا وأحاطت بنا خطايانا فعسرت أمورنا وحرمنا الطاعة واستوحشت قلوبنا ووحشت مع الصالحين نفوسنا حتى ألفنا أهل الفساد وألفهم أهلونا.
إن الناس اليوم تذنب الذنب وتبارز الله بالمعصية، فيعاقبها بواحدة كأن يموت أحد الأحباء أو يمرض بمرض عضال أو يضيق الحال ولكن القلب قاسِ، لا يشعر أن الله عاقبه وإذا أنعم عليه لا يشعر أن الحال تغير، فيشكر ربه لأن العين موجهة إلى من هم أحسن منه حالًا بنظره هو فلا يفقه الحكمة الربانية: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)!
فعجبًا منا، تضيع منا اللقمة فنبكي بكاءً عليها وتضيع منا ومن أهلنا الجنة ونحن نضحك!
وإن رسولنا صلى الله عليه وسلم، قد نهانا وأيقظنا وأشار علينا أن نتق الله في أنفسنا وأهلينا فلا نضع المهلكات بين أيديهم كالمال ووسائل الاتصال الحديثة والكتب والمجلات الخليعة، بقوله لمن لبس الذهب من الرجال في يديه: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده). أوليس ما نقوم به من وضع هذه المستحدثات التي توازي الذهب بقيمته المادية أعظم، فكيف ستكون العاقبة في الدنيا والآخرة؟!
فعودة إلى أفياء الطاعة، ولنقتصد فيما أبيح لنا من متاع الحياة الدنيا، ولنقتصد في إسرافنا على أنفسنا وأهلينا، ولنتق الله بكل ما نملك من نعمة، لنصونها ولنتذكر أنها دنيا فانية ليس لنا فيها إلا العبور، فإلى من انشغل بالخزف عن الذهب لتزيين بيته، وظنّ أنه حاز على النعيم وما درى أن النعيم قد فاته، والجنة تهرب من بين يديه، عودة عودة فإن الموعد هي الجنة.
فحيي على جنات عدن فإنها… منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى… نعود إلى أوطاننا ونُسلم
وإلى من انشغل عن تربية أهل بيته ونفسه، بالجري وراء المال، لن يسدّ شرهك إلا التراب. فلا تهلك نفسك، وانشغل فيما ينفعك، واقتصد على ما يسد جوعك وأهل بيتك، وخف من فجأة النقمة، واحفظ النعمة، واشكر ربك عسى أن يحفظك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى