أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحلياتومضات

“هذه أرضنا ونحن هنا قبل إسرائيل”… في قرية “الأطرش” بالنقب يواجهون مخططات التحريش والمصادرة بالثبات والإصرار على انتزاع حقوقهم

طه اغبارية، ساهر غزاوي

في خيمة الاعتصام المغروسة على أرضهم المهددة بمخططات التحريش تمهيدا للمصادرة وبناء مستوطنات يهودية لاحقا، استنفر شباب وأهالي قرية “الأطرش” في النقب، تحسبا لاقتحام قوات الشرطة الإسرائيلية وآليات التحريش والتخريب، التي “تواظب” منذ أيام على استهداف الأرض في محاولة لفرض مخطط التحريش، لكنها تواجه بصمود بطولي من شباب وأهالي البلدة الذين ألقوا بأجسادهم، الاثنين الأخير، أمام آليات البطش والتخريب الإسرائيلية.
لم نفاجأ يوم الثلاثاء الفائت، خلال جولة إعلامية لصحيفة “المدينة” إلى قرية الأطرش، برفقة السيد حسام العقبي مسؤول لجنة الخير والعطاء في النقب، من حجم إصرار شبابها وأهلها كافة، على الصمود. كيف لا والمؤسسة الإسرائيلية تنفذ مخططات المصادرة والتهجير في كل أنحاء النقب، وتساوم السكان على أراضيهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وسكنوا فيها قبل النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل.

خيمة الاعتصام في قرية الاطرش
خيمة الاعتصام في قرية الاطرش

نحن هنا قبل إسرائيل ونريد حقنا في الأرض والمسكن
يؤكد السيد خليل الأطرش، عضو اللجنة المحلية في قرية “الأطرش”، أنه لا بديل عن الصمود والنضال، في مواجهة مخططات المؤسسة الإسرائيلية لتجريف الأرض بهدف تحريشها ومصادرتها لإقامة المستوطنات وتهويد المكان.
يقول لـ “المدينة”: “هذه الأرض التي نمتلكها ويخططون لمصادرتها تبلغ مساحتها نحو 300 من الدونمات، وهي أرض عربية مسكونة من مئات السنين ورثناها أبا عن جد قبل قيام دولة إسرائيل، ومع ذلك يضيّقون علينا في كل مناحي الحياة، يريدون حشرنا في تجمعات صغيرة وسرقة باقي الأرض”.

السيد خليل الأطرش
السيد خليل الأطرش

ويشير الأطرش إلى أن أرض عشيرته مهددة بمخاطر المصادرة من سنوات: “مطامع المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها بأرضنا دائمة، منازلنا كلها مهددة بالهدم ومسلوبة الاعتراف لأننا نرفض المساومة، حشرنا في مناطق ضيقة ونمنع من الاستفادة من باقي أرضنا، نمنع من زراعتها ويجري تدميرها وتخريب المزروعات من القمح والشعير ويقتلعون الأشجار، قبل عدة أيام اقتحمت عناصر من وحدة “يوآف” التابعة لما تُسمى “سلطة تطوير النقب” و”سلطة أراضي إسرائيل” بحماية قوات الشرطة، لكننا قمنا بالتصدي لهم، ولن نخرج من هذه الأرض في ظل التضييق علينا وحرماننا من أبسط حقوقنا في زراعتها وتوفير مستقبل آمن لأبنائنا في السكن، وين نروح!!، ما هذا التجبر؟! هكذا بجرة قلم قرروا مصادرة الأرض وسلبها منّا، ألا يكفي ما نعانيه من هدم يومي لبيوتنا! أنا تعرضت قبل فترة للاعتقال لأنني بنيت منزل من الصفيح لأحد أبنائي، يقولون لنا: وافقوا على التسوية ونعوض الواحد منكم بدونم ثم نسمح لكم بالبناء؟ وماذا عن باقي الأرض؟ هذا ظلم كبير يكشف حجم عنصرية المؤسسة الإسرائيلية وظلمها”.
حتى “بيوت الصفيح” يستكثرونها علينا!! في حين أنهم يريدون سرقة مئات الدونمات من أجل تحريشها أو إقامة المستوطنات عليها أو تسليمها إلى الكيبوتسات، وهذا هو الواقع في كل منطقة النقب. يقول الأطرش بحرقة وحزن.

تحريض ممنهج ضد البدو
لا تكتفي المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها التنفيذية بسرقة الأرض العربية في النقب وإعداد مخططات التهجير لأهلها، وإنما تسلط عليهم أبواق التحريض الإسرائيلية، يبين السيد خليل الأطرش أن “الحصار المضروب علينا من قبل المؤسسة الإسرائيلية يتخذ أشكالا عدة ومنها ماكينة التحريض التي تنضح بها أبواق الإعلام الإسرائيلية ضد البدو، نتهم بأننا غزاة نعتدي على أرض الدولة!! أيعقل أن يتهم صاحب الأرض بأنه المعتدي، نرفض كل هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، فنحن أصحاب الأرض قبل إسرائيل وسنبقى فيها حتى آخر رمق إلى أن يحترم حقنا في الأرض والمسكن والتطور مثل باقي البشر!! ألسنا مواطنين في هذه الدولة؟ لماذا يحق لليهودي أن يكون له نصيب الأسد في الأرض في حين تنتزع أرضنا منّا ونمنع من استصلاحها وتأمين مستقبل أبنائنا عليها!!”.
يشدّد الأطرش على أن النضال الشعبي والجماهيري والصمود هو الحل الوحيد لانتزاع الحقوق، ويعتبر أن تجربة العديد من البلدات العربية في النقب وفي الداخل الفلسطيني عموما، التي اتجهت للقضاء في مواجهة المخططات الإسرائيلية لم تكن مبشرة، وقال: “لا نتوقع الإنصاف من المحاكم الإسرائيلية التي لا تعترف أصلا بملكيتنا على الأرض لذلك لا سبيل لنا إلا تطوير وتصعيد نضالنا الشعبي”.

غياب القيادات وأعضاء الكنيست العرب
يتهم عضو اللجنة المحلية في “الأطرش” القيادات العربية والأحزاب وأعضاء الكنيست العرب، بالتقصير في إسناد قضيتهم، كذلك يرى تقصيرا من قبل وسائل الإعلام العربية بتسليط الضوء على معاناتهم ومآسي أهل النقب بشكل عام، ويضيف في هذا الجانب: “نقولها بوضوح لم نجد إسنادا كما هو مطلوب من القيادات العربية لقضيتنا، لم يكن معنا أي ممثل أو عضو كنيست حين تصدينا لقوات البطش التي اقتحمت المكان، حتى على مستوى الاعلام العربي في الداخل الفلسطيني نعاني من التجاهل شبه التام، ندير معركتنا الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط”.
لكنه يؤكد وجود تفاعل محمود مع قضيتهم، من البلدات العربية في النقب، لا سيّما التي تعاني مثل قرية “الأطرش” من بطش ومخططات المؤسسة الإسرائيلية: “الحمد لله هناك تواجد دائم من قبل الأهل من عشيرة الأطرش وباقي العشائر في النقب بالخيمة ويواكبون معنا المستجدات أولا بأول، ونحن سنواصل نضالنا حتى إحقاق حقوقنا ومطالبنا بالعيش الكريم والحياة الآمنة لنا ولأبنائنا على أرض الآباء والأجداد”.

الأعصاب المشدودة والحاجة إلى الدعم
السيد يوسف الأطرش، أحد أصحاب الأراضي المهددة بالتجريف والتحريش، لا يخفي قلقه من المستقبل والمفاجآت التي قد تفرضها الجهات الإسرائيلية، يقول لـ “المدينة”: “الشعور بالتهديد هو جدي في ظل التحديات المفروضة علينا، خاصة بعد الهجمة الأخيرة على الأرض، الناس عطّلت أعمالها وتتواجد في الخيمة في حالة استنفار دائم تحسبا لاقتحامات أخرى تقوم بها قوات الشرطة والسلطات الإسرائيلية، نسأل الله تعالى أن يمكننا من الصمود، منذ نصبنا الخيمة، يجتمع الأهل وممثلي العائلات التي يتهدد التشجير أراضيها، ونحن نتحدث هنا عن عائلات على امتداد النقب، فمخطط التحريش ومخاطر المصادر لا تخص أراضي عشيرة الأطرش فقط، بل الكثير من العائلات والعشائر والبلدات، مثل: خربة الوطن، الرويس وغيرها من البلدات، لذلك يحاول ممثلو العائلات وشيوخها البحث عن حلول جدية تضمن لنا حقوقنا في أرضنا”.
ويعتقد يوسف الأطرش أن “هناك استعداد للنضال ومواصلته حتى لو كان ذلك يريد نفسا طويلا، ولكننا بحاجة إلى دعم ووقفة جدية من القيادات العربية وخاصة أعضاء الكنيست العرب ورؤساء السلطات المحلية في النقب والداخل الفلسطيني، وهذا للأسف ما لا نجده الآن بالشكل المطلوب، نأمل أن يزداد هذا التفاعل في الفترة القادمة”.

السيد يوسف الأطرش
السيد يوسف الأطرش

بدوره، يؤكد السيد نايف الأعسم من قرية “خربة الوطن”، على ضرورة الصمود والثبات على الأرض حتى انتزاع الحقوق، ويتابع في حديثه لـ “المدينة”: “صحيح أننا نشعر بالتهديد اليومي جراء هدم البيوت ومصادرة الأرض ومخططات المؤسسة الإسرائيلية، ولكن لا بديل عن الصمود، فواقعنا مأساوي، جيل الشباب يعاني من أزمة سكن، يمنع من البناء على أرضه، حتى نحن الكبار بيوتنا مهددة بالهدم، وكل بيت يبنى من الصفيح، يهدم أو يخطر بالهدم وتعليق إنذارات الإخلاء، إذا لم تهدمه بيديك يقومون بهدمه ويغرمونك بتكاليف باهظة ثمن الهدم!! ثم يحاكمونك، فهل بعد هذه المعاناة معاناة!! ألا تستطيع التطور على أرضك التي ورثتها عن آبائك وأجدادك من مئات السنين!!، يريدون منّا أن نساوم ونقبل بالتنازل عن أرضنا مقابل تسوية بأقل من دونم!! ثم يضعوننا في التجمعات المعترف بها!! ونمط حياتنا كبدو لا يتلاءم مع العيش في هذا التجمعات، ونحن نعلم من تجربة الذين قبلوا بالتسوية وذهبوا للعيش في التجمعات والقرى المعترف فيها، ما هو حجم المعاناة التي يلاقونها، ناهيك عن حرمانهم كذلك من البناء وحشرهم في مناطق مكتظة”.
ويختم نايف الأعسم بالقول: “سنعمل كل ما بوسعنا من أجل نيل حقوقنا، هذه أرضنا من قديم الزمان، لم نستول عليها من أحد، نعتاش على الزراعة وتربية المواشي، ونطمح في مستقبل آمن لنا ولأبنائنا، هذا الجور والظلم من قبل المؤسسة الإسرائيلية يجب أن ينتهي، وعلى الناس وأهلنا في كل الداخل الفلسطيني أن يعوا بشكل أكبر مشاكلنا والمعاناة اليومية التي نعيشها، فوحدتنا جميعا ووقفونا على قلب رجل واحد يساهم في الضغط على الجهات الرسمية ويجبرها على الاعتراف بنا وبحقوقنا في أرضنا”.

الزميل طه اغبارية يجري مقابلة مع السيد نايف الأعسم
الزميل طه اغبارية يجري مقابلة مع السيد نايف الأعسم

شارة النصر و”أبوي أكبر من دولة إسرائيل”
“عمري 17 سنة، وأنا من 17 سنة على هذه الأرض، وأبوي هنا قبل وجود الدولة، وهو أكبر من دولة إسرائيل، وبدنا نمشي على طريق آبائنا وأجدادنا”، هكذا لخّص الشاب ضياء الأطرش لـ “المدينة”، علاقته بأرضه وآبائه وأجداده في مواجهة الرواية الإسرائيلية التي تريد طرده واستعمار الأرض.
لمّا سألناه كم عمرك، أجاب: 17 سنة، وقلنا له منذ متى تتواجد هنا؟ وقصدنا بالخيمة!! لكنه أجاب بصورة قاطعة: (أنا هنا من 17 سنة، وأبوي هنا قبل وجود الدولة يعني هو أكبر من دولة إسرائيل).
يقول ضياء ساخرا من مفارقات الزمن: يريدون أن نتنازل عن الأرض مقابل قسيمة بـ 400 متر لأبني عليها بيتي، وعندما يريد ابني في المستقبل أن يتزوج ويبني بيتا، عليه أن يشتري قطة أرض كان يمتلكها آباؤه وأجداده.
يضيف: هذا الأمر مرفوض فالأرض ملكنا منذ القدم، ولا يعقل أن نعيش في دائرة التهديد والخوف بشكل يومي من إمكانية ترحيلنا وسرقة أرضنا.

الشاب ضياء الأطرش
الشاب ضياء الأطرش

هذا الإصرار على المطالب الحقة، للشاب ضياء وأبناء جيله ومن هم أصغر منه، رأيناه في عيون الناشئة الذين يجلسون في خيمة الاعتصام على أرض قرية الأطرش، وهذه الحالة من الوعي المتقد تؤكد أن كل محاولات التدجين الإسرائيلية والاختراق لنسيج المجتمع العربي في النقب باءت بالفشل، فمخططات التهجير والاستيلاء على الأرض تفضح كل المزاعم الإسرائيلية وتصريحاتها “الناعمة” حول التعايش وحرصها على مصلحة الناس.
قبل أن نغادر قرية “الأطرش” وخيمة الاعتصام، التف حولنا عدد من الفتية وهم يرفعون “شارة النصر”، وأكد أحدهم “هذه أرضنا مش لليهود”، كان المشهد مبشّرا بأن القادم أفضل، رغم التحديات الكبيرة والمخططات الغاشمة للمؤسسة الإسرائيلية لمجمل الأرض العربية والنقب تحديدا.

فتية من قرية الأاطرش يرفعون "شارة النصر"
فتية من قرية الأاطرش يرفعون “شارة النصر”

في قرية “الأطرش” كما في كل بلدات النقب مسلوبة الاعتراف إسرائيليا أو المعترف بها، لمسنا أهمية أن يتواصل أبناء شعبنا في المثلث والجليل والمدن الساحلية، مع أهلهم في النقب للوقوف على معاناتهم اليومية مع البطش الإسرائيلي ومدّهم بالعون والمعنويات والتفاعل معهم في قضاياهم وإسنادهم في مواجهة التحديات وآليات الهدم وخطط التهجير والمصادرة والاستيلاء على المكان وتهويده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى