أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وحدة الأمة الإسلامية (2)

د. محمود مصالحة
بعد أن فشلت الأيديولوجيات الحداثية الوضعية وخاصة القومية المُستَجلبة من بلاد الغرب المستعمر في تحقيق العدالة الإنسانية على الصعيد الإسلامي والعربي، بانتشار الظلم والفساد والاستبداد الذي يعم معظم البلاد العربية الإسلامية، حيث تقوم تلك الأنظمة القومية العلمانية بإفقار الشعوب بنهب ثرواتها بمليارات الدولارات، وَضَعها الحكام في حساباتهم في البنوك الغربية، كمبارك، والقذافي، وزين العابدين، وعلي عبد الله صالح، وحافظ الأسد وولده، والكبار من الضباط في الجيش الجزائري، وأمراء الخليج إلا ما رحم ربي، وتُنهب أموال الشعب العراقي، وانهيار لبنان بات وشيكًا، وهذه الحقيقة بات جليَّة، ولكن الأدهى من ذلك ما تقوم به أنظمة الأيديولوجية القومية الاستبدادية من نفي أو سجن العلماء، وقادة المشروع الإسلامي كنظام عبد الناصر المستبد ومن جاء بعده، ونظام زين العابدين التونسي ومن قبله، والنظام البعثي السوري، ونظام سوهارتو الأندونيسي، فكانت الأنظمة القومية عقبة كؤود طاردة لأهل العلم والاختصاص من أبنائها، تكرس التخلف الحضاري فأرَّقَت ظهر الأمة الإسلامية ومزقت شملها.
أمّا ظهور الفكر القومي الحداثي، فكان في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1912م، بعد أن أُسست الجمعيات القومية التالية:
“الجمعية السورية: أسسها نصارى منهم: بطرس البستاني وناصيف اليازجي سنة 1847م في دمشق.
الجمعية السورية في بيروت: أسسها نصارى منهم: سليم البستاني ومنيف خوري سنة 1868م.
الجمعية العربية السرية: ظهرت سنة 1875م ولها فروع في دمشق، وطرابلس، وصيدا.
جمعية حقوق الملة العربية: ظهرت سنة 1881م، ولها فروع كذلك، وتهدف إلى وحدة المسلمين والنصارى.
نجيب عازوري مؤسس جمعية رابطة الوطن العربي: سنة 1904م في باريس، وألف كتاب يقظة العرب.
6. جمعية الوطن العربي: أسسها خير الله خير الله سنة 1905م في باريس، وفي هذه السنة نشر أول كتاب قومي بعنوان “الحركة الوطنية العربية”.
7. جمعية (العربية الفتاة): أسسها في باريس طلاب عرب منهم محمد البعلبكي سنة 1911م، وكان لها أثر حاسم في القومية العربية، وهي أول جمعية تطالب باستقلال العرب عن الدولة العثمانية، وفي 1913م انتقل عملها إلى بيروت، وغيرها من الجمعيات القومية…
وظلّت الدعوة إلى القومية العربية محصورة في نطاق الأقليات الدينية من النصارى، وفي عدد محدود من أبناء المسلمين الذين تأثروا بفكرتها، ولم تصبح تياراً شعبيًّا عامًّا إلا حين تبنى فكرها الرئيس المصري عبد الناصر فسخّر لها أجهزة إعلاميه وإمكانيات الدولة.
ويُعد ساطع الحصري 1880-1968م وقسطنطين رزق 1909م-2000م السوريين من كبار مفكري القومية العربية ودعاتها، ثم يأتي ميشيل عفلق 1910-1989م الذي عُرف من كبار مؤسسي حزب البعث العربي.
وتبنَّى القوميون العرب شعار: (الدين لله والوطن للجميع)، إقصاء للإسلام من أن يكون له الوجود الفاعل على الساحة السياسية وتسيير الحياة الاجتماعية. كما يرى دعاة الفكر القومي أن أهم المقومات القومية العربية هي: “اللغة والدم والأرض والآلام والآمال المشتركة، وأن الأمة العربية تعيش على أرض واحدة هي الوطن العربي الواحد الذي يمتد من الخليج إلى المحيط، وأن الحدود ينبغي أن تزول، وينبغي أن تكون للعرب دولة واحدة، وحكومة واحدة، تقوم على أساس فكر علماني ملحد.
ويعمل الفكر القومي على تحرير الإنسان العربي مما يزعمون من أنه الخرافات والغيبيات والأديان، رفضا للدين وأصوله الإيمانية باتخاذ المبادئ الإلحادية، ويظهر ذلك في إنشاد شاعر القومية رشيد سليم خوري الذي قال:
سـلامٌ على كفرٍ يوحِّد بيننـا
وأهـــلاً وسـهلاً بعده بجهنمِّ

هبوني عيداً يجعل العرب أمةً
وسيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ

وكذلك من أهم مبادئ الفكر القومي “أخُوَّة القومية” التي تقدمها على أخوة الدين، بحُجة أن الدين يمزق الأمة بسبب وجود غير المسلمين، الأمر الذي يرفضه الإسلام، الذي جعل موالاة المسلمين بعضهم بعضا من موجبات الايمان، لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء…﴾ سورة التوبة، من آية 71، فالإسلام يدعو إلى التآلف والتراحم والتساوي في الحقوق والواجبات وأن التفاضل بينهم على القاعدة القرآنية لقوله تعالى: ” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” الحجرات: 13.
وهكذا تجلَّت فلسفة القومية العربية، بأنها دعوة جاهلية إلحادية، وتهدف من وراء دعوتها رد المسلمين عن دينهم، وتسعى للتخلص من أحكامه وتعاليمه. ولقد أخفق القوميون العرب بأنظمتهم الفاسدة فلم يتحقق لهم إلا التخلُّف، وفشل مشروعهم “وحدة الدول العربية”، تجربة الوحدة التي كانت بين القوى القومية لحزب البعث الاشتراكي السوري وبين القوى القومية الوحدوية المصرية بقيادة عبد الناصر عام 1958م، ولم تدم وحدة البلدين طويلا، وفي عام1963م كان الانفصال.
خلاصة القول: لن تلتقي الأمة الإسلامية والعربية على ضلالات الفكر القومي الغربي الحداثي الملحد، فهو أهم المعيقات لوحدة الأمة الإسلامية، بأنظمته الحاكمة الظالمة والمتخلفة على امتداد الفترة التاريخية لسايكس بيكو الذي هو من مخلفاتها، إلى يومنا هذا، والأمة تنزف تحت احتلال بالوكالة، ولكن وحدة الأمة الإسلامية والعربية حتمية قرآنية نبوية فطرية، ووحدها التي دامت قروناً طويلة، وقادرة أن تجمع القوميات والشعوب المسلمة غير العربية، والطوائف غير المسلمة تحت ظلالها، لينعم فيها المسلم العربي وغير العربي وغير المسلم بكامل الحقوق، ووحدها هي التي ستنقذ الأمة وليس غيرها، والدعوة لوحدة الأمة الإسلامية ماضية بإعلاء رايتها، وإزالة كل المعيقات من أمامها بما في ذلك معوِّق الفكر القومي العلماني الملحد المتهم بتجربته المكللة بالفشل العريض، والظلم والاستبداد والتخلف القاتل، وليطمئن المسلمون فإن وحدة الأمة الإسلامية قادمة بإذن الله العزيز الحميد.
(من كتاب: “وجوب وحدة الأمة الإسلامية دراسة موضوعية” د. محمود مصالحة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى