أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (42): خمس سنوات على حظر الحركة الإسلامية

حامد اغبارية

مرت خمس سنوات عجاف، صعبة، قاسية، منذ تلك اللحظة التي أعلنت في حكومة نتنياهو قرارها بحظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون استنادا إلى أنظمة الطوارئ الموروثة عن الاحتلال الانجليزي لفلسطين. هي سنوات عجاف ليست على أبناء المشروع الإسلامي بقدر ما هي عجاف على مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بكافة شرائحه. هي سنوات عجاف غُيِّب فيها الإطار الجامع الذي كانت تلتف حوله الجماهير، وتستمد منه أملها وقوّة عزيمتها وإقبالها على بناء مجتمع له أهداف ورؤية ثاقبة ونظرة عميقة. غُيّب ذلكم الإطار ليحل محله فراغ كبير. ولأنه ليس هناك شيء اسمه “فراغ” فقد مدّ الفأر رجله، ليدخل مجتمعنا في الداخل واحدة من أسوأ مراحل مسيرته الطويلة، المليئة بالآلام والجراح والنكبات؛ نكبات اجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية وتربوية وأخلاقية.

غُيّب الإطار، غير أن المشروع لم يغب، لأنه ببساطة لا يمكن لأحد أن يغيّبه أو يخفيه أو يجتثه. فالمشروع هو مشروع رباني، محفوظ بحفظ الله وإرادته وقدره. وهو مشروع قائم على أسس ثابتة راسخة كالجبال، لا تضره الرياح والعواصف ولا تقلبات الأيام ولا تعاقب الفصول. وهو مشروع، وإن أصابته نائبة وأعاقت طريقه عقبة، إلا أنه ماضٍ إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

ليست هناك على الأرض قوة يمكنها أن تحظر مشروعا إسلاميا صادق التوجه، سليم المنهج، واضح المعالم، يحمله رجال إرادتهم من حديد، مهما ملكت هذه القوة من أدوات البطش والجبروت والطغيان.

إن تلك القوة المتجبرة المتعجرفة التي ظنت أنها بقرار الحظر قد أنهت المشروع، قد اتخذت تلك الخطوة في ظروف فلسطينية وعربية وإسلامية مأساوية. إذ أن ذلك الحلف العربي- الغربي اللئيم الذي استهدف حملة المشروع الإسلامي في بلاد العرب والإسلام قد وفّر الأجواء ومنح الفرصة للمؤسسة الإسرائيلية للانقضاض على الحركة الإسلامية، ضمن حملة عالمية متزامنة شملت أرجاء الأرض في الشرق والغرب والشمال والجنوب.

الآن وبعد خمس سنوات على الحظر يمكننا القول إن مجتمعنا في الداخل الفلسطيني أصبح في مهب الريح، تتلقفه العواصف تروح به وتغدو، وهو غير قادر على صدّ الأذى عن نفسه. ورغم كل محاولات ملء الفراغ الذي تركه الحظر إلا أن هذا الفراغ ملأته أجواء العنف واليأس والفقر والتراجع في جميع المجالات تقريبا، لأن القوى التي حاولت ملء الفراغ فشلت في ذلك فشلا ذريعا، ولم تحقق شيئا يذكر على أرض الواقع، فاكتفت بالتلهي بلعبة السياسة التي انحصرت في أضيق إطار لها، وهي لعبة الكنيست، ظنا منها أنها يمكنها من خلال ذلك أن تحقق ما أثبتت العقود الطويلة من التجربة أنه أشبه بالمستحيل. ذلك أنك تتعامل مع طرف لا يريد أن يراك إلا تابعا راضخا، مطيعا، راضيا بالفتات.

وأنت تراقب مجتمعنا اليوم تأسف شديد الأسف وتحزن حزنا شديدا لما آلت إليه أوضاعه: استفحال العنف، فرقة وتشرذم وصراعات، استطالة الباطل وانتفاشه في مشهد غير مسبوق في عصرنا، بروز مظاهر البعد عن منهج الله تعالى وعن تعاليم الإسلام، الركون إلى الواقع المؤلم والاستسلام لنظرية “الأقوياء هم الذي يكتبون التاريخ”، ضلالات فكرية، انحرافات أخلاقية، هجوم قبيح وصريح على القيم الإسلامية وعلى رموز الإسلام المقدسة، بما فيها القرآن الكريم والسنة والنبوية، بل وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هجوم على الحجاب وعلى الالتزام بضوابط الإسلام، العودة إلى عادات وتقاليد بائدة متخلفة عمل المشروع الإسلامي سنوات على استبدالها بما هو خير، تراجع في الحريات العامة وحرية التعبير عن الرأي، ملاحقات سياسية واضطهاد ديني. ثم تنظر حولك في المنطقة الأوسع لتجد ذات المشاهد ولكن بأشكال أشد قسوة وغلظة. حتى وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها الخيانة ليست فقط مجرد وجهة نظر، بل أصبحت من الأعمال الوطنية، ومن مصالح الدول العليا، يبررها علماء سلاطين باعوا دينهم بدنيا سلاطينهم. أنظمة مستبدة تبطش بشعوبها، وتنال من كرامة الإنسان على مرأى ومسمع من الدنيا كلها. تبعية كاملة للغرب وتحالف فج مع المشروع الصهيوني ضد أمة بأكملها، تارة تحت شعار السلام، وتارة تحت شعار التطبيع، وما إلى ذلك من مشاهد الذل التي ألحقها هؤلاء الحكام الفسدة بالأمة مقابل مجد زائف أو مال زائل أو عرش متآكل.

وها هو المشروع الصهيوني ومن خلفه الحملة الصليبية المعاصرة، يرفع رأسه منتشيا، فرحا منتفشا بما حققه من تمزيق شمل الأمة، واختراق عقول بعض أبنائها، حتى بات الواحد منها يقف فاغرا فاه لما يسمعه من تمجيد للمشروع الصهيوني ورجالاته، مقابل سيل جارف من السباب والشتائم والتهم الباطلة لحملة المشروع الإسلامي، الذي نجحت الصهيونية والصليبية في تحويله إلى العدو الأول للأمة الإسلامية.

إزاء هذا المشهد وأمام هذا الواقع ما هو المطلوب من أبناء المشروع الإسلامي؟

أولا: القبض على جمرة المشروع بكل قوة. فنحن الآن في أصعب امتحان، وما زلنا في بدايات هذا الامتحان. وظني أن القادم أصعب. فإن لم تقبض على جمرة مشروعك الآن، فإنك لن تستطيع بعد ذلك.

ثانيا: اليقين بأن الإسلام لا يمكن لقوة أن تنهي وجوده، فهو دين الله الواحد. وما كل هذه التحالفات التي تسعى إلى ضربه إلا دليل على قوته وقوة تأثيره، وأنه هو المستقبل الحقيقي للبشرية.

ثالثا: النفوس تتعرض إلى تقلبات وتأثيرات، وقد يصيبها الضعف والتراخي والميل إلى الاستسلام، فإيانا أن تضعف نفوسنا، وإيانا أن نستسلم. بل علينا أن نربي نفوسنا على الصبات والصبر ، وأن نعمل على تزكيتها في كل ساعة، فهي تحتاج إلى غذاء يقويها، كحاجة الجسد إلى الطعام والشراب والهواء.

رابعا: قرآننا العظيم هو دستورنا ومنهاجنا وطريقانا وعلاجنا ودواؤنا، فلا يليق بنا أن نقبل بغيره دستورا ولا منهاجا ولا طريقا ولا دواء ولا شفاء.

خامسا: الأخُوّة لا يقررها الإطار وإنما يقررها الالتصاق بدين الله. فعلينا بتقوية أواصر هذه الأخوّة بالوسائل التي كانت لنا طريقا طوال الوقت. فكلما قويت هذه الأواصر استعصت على كل محاولات تفكيكها وإضعافها.

خامسا: عقد العزم على مواصلة طريق الدعوة إلى الله. فهي ليست مقصورة على الإطار حتى إذا غُيّب الإطار غابت. فوسائل الدعوة لا تحصى، فلنختر منها ما يناسب واقع الحال.

سادسا: لنواجه كل المظاهر السلبية في مجتمعنا بنشر القيم والأخلاق الرفيعة، وبالكلمة الطيبة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتذكير بما يليق بالمقام، وحُسن الخطاب، مع الصلابة في الموقف.

سابعا: لنعمل جميعا، كل في حيّزه، على الحفاظ على هويتنا الإسلامية وانتمائنا الحقيقي، من خلال الوسائل التربوية التي لا ينضب معينها ولا يجف نبعها.

ثامنا: نشر روح الأمل في نفوس الناس، ومقاومة كل مظاهر اليأس. وهذا في الدرجة الأولى دور الدعاة المتمرسين والخطباء المتمكنين، لكنه ليس محصورا فيهم، بل هي مهمة كل واحد فينا على قدر إمكاناته.

تاسعا: عدم التخلف عن أي مشروع أو عمل أو مناسبة تصب في مصلحة مجتمعنا، مهما كانت صغيرة ومتواضعة، والإقبال على خدمة الناس وبذل المال والجهد والوقت من أجلهم.

عاشرا: البراءة التامة من كل ما سوى دين الله، والتخلي الكامل عن كل ما يخالف الإسلام سلوكا وفهما وفكرا ومنهجا ووسيلة. وكذلك البراءة من كل انحراف في المنهج والطريق، أيا كان هذا الذي يقود هذا الانحراف وأيا كان اسمه أو تسميته وأيا كانت مكانته.

إننا نعيش صراعا متواصلا شديدا على الهوية وعلى المشروع وعلى الوجود، فإيانا أن نستسلم أو نضعف أو نتراجع.

والسؤال الكبير الذي يجب أن نضعه نصيب أعيننا ليس: هل نجح أعداء المشروع في ضربه؟ بل إلى أي مدى نجحوا في ذلك؟ فالمشروع باق لأنه من قدر الله، ولن يمكنهم ضربه وإنهاؤه حتى لو اجتمعت لهم كل أسباب القوة المادية. وإن أصابوه بجراح فإن الجراح يجب أن تقوي صاحبها لا أن تضعفه. فإن دعوة الله ماضية إلى ما شاء الله، لا توقفها سدود ولا حدود ولا جبال ولا بحار ولا أنهار ولا أشواك ولا رياح ولا عواصف ولا براكين ولا زلازل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى