أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

خاتمة: “أوسلو”.. مشروع مأزوم وطريق مسدود (8)

الفساد المالي والإداري وعلاقته في تعميق أزمة القيادة الفلسطينية (ب)

الفساد المالي والإداري وعلاقته في تعميق أزمة القيادة الفلسطينية (ب)

ساهر غزاوي

نختم سلسلة مقالات (“أوسلو”.. مشروع مأزوم وطريق مسدود) في استكمال حديثنا عن الفساد المالي والإداري وعلاقته في تعميق أزمة القيادة الفلسطينية، وتلخيصا عاما لاتفاق “أوسلو” وتداعياته ونتائجه السلبية التي ألقت بظلاله على المشروع التحرري الفلسطيني، وأوصلته إلى طريق مسدود وأدخلته في نفق مظلم.
فضائح فساد السلطة الفلسطينية، التي تظهر بين الفنية والأخرى، والمتعلقة بإهدار المال العام، واستغلال النفوذ، وغسيل الأموال، والتكسب من الوظيفة العمومية، والتي كان أخرها ما كشفه ياسر جاد الله، مدير الدائرة السياسية سابقا في مكتب رئيس السلطة محمود عباس، (أنظر: يوتيوب. (11 يونيو 2020). مدير سابق بديوان عباس يكشف ملفات فساد ويتحدى قادة فتح) عن قضايا فساد كبيرة تتعلق بسرقة المساعدات والأموال المقدمة للسلطة من الجهات الدولية، وكيفية تسريبها من خلال ديوان أبو مازن لحسابات شخصية. وقال إن كل الأموال الموجودة في وزارة المالية تحت مسمى دعم من الاتحاد الأوروبي والدول العربية يحول معظمها لديوان الرئاسة ثم لحسابات سرية لا يطلع عليها إلا ثلاثة أشخاص، هم محمود عباس نفسه، وانتصار أبو عمارة، رئيسة ديوان الرئاسة، ومحمود سلامة، المدير العام المالي لديوان الرئاسة. وأضاف أنه “عندما تدخل هذه الأموال لحسابات ديوان الرئاسة، تختفي فجأة وتذهب لحسابات سرية بأسماء وهمية، بينها أسماء أحفاد الرئيس، وهذا ما قلناه للنائب الفدرالي الأوروبي والبلجيكي، وكيف يدفع المواطن الأوروبي ضريبة ثم تذهب لجيوب عباس وأحفاده بدلا من مستحقيها، لأنه لا يوجد قانون ما يسمى صلاحيات ديوان الرئاسة، أو اعتبار ديوان الرئاسة مركزا ماليا مستقلا، في كل دول العالم، وذلك لأن ديوان الرئاسة يتلاعب بكل الجهات “حكومة وأجهزة أمنية وغيرها”.
وللتخليص، فإن فساد السلطة الفلسطينية هو نظامٌ متجدد. وهو عاملٌ رئيسي في عجز الحركة الوطنية الفلسطينية عن تحقيق أهدافها، وهو الآن يخدم أهداف إسرائيل. وسيظل مستشريًا داخل السلطة الفلسطينية ما لم يشرع الفلسطينيون أنفسهم في إعادة هيكلة مؤسساتهم الوطنية وفقً المبادئ الديمقراطية والمساءلة، ضمن استراتيجيةٍ أوسع نطاقًا تسعى لتقرير المصير وإعمال الحقوق الوطنية الفلسطينية، بما فيها التحرر من الاحتلال.
غير أن العامل الأساسي الذي يقوم على إعادة إنتاج فساد نظام الحكم الفلسطيني واستدامته هو “الشبكات الزبائنيّة”، الّتي تحكم طبيعة العلاقات في مؤسّساتها وإداراتها، وتمنح النخبة الفلسطينيّة الحاكمة أداة استراتيجية للسيطرة على القواعد الشعبية، وتوسيع شبكة مؤيّديها بإعادة توزيع الموارد العامّة لشراء الولاءات السياسيّة، ممّا ساعدها في المحافظة على الوضع الراهن، والهيمنة على الأصول السياسيّة والاقتصاديّة، وتنفيذ أجندتها السياسيّة دون معارضة فاعلة. وتساهم “الشبكات الزبائنيّة” أيضًا في بث مناخ الفساد من خلال محاباة العناصر السياسية الموالية غير الكفؤة، وإقصاء ذوي المهارات تعسفًا. وهو بالتالي يزيد من تزاحم المتنفعين المتنافسين لإثبات ولائهم للنخبة الحاكمة. ويترسخُ الفساد أكثر إذا ما أدركنا أن إحدى الوسائل التي يستخدمها أرباب المنفعة في مكافأة المتنفعين الموالين تتمثل في التغاضي عن مخالفاتهم المالية. فضائح الفساد هذه تؤكّد أنّ السلطة أصبحت كأنها منظّمة غير حكوميّة، والفساد أحد مكوّناتها، وتتقاضى الريع الماليّ لتثبيت “اتّفاق أوسلو” مع إسرائيل، وتمارس “بيزنس” على الشعب، وتنتج فسادا يكتسب الشرعيّة، إضافة إلى أن الدول المانحة لا تمارس رقابتها على السلطة، ممّا يوصل لنتيجة مفادها بأنّ كشف هذه الفضائح، لن يؤثّر على استمرار الدعم الدوليّ للسلطة الفاسدة، بل سيتواصل، طالما أنّها تواصل التزامها بمشروعها السياسيّ مع إسرائيل.

خاتمة
الاتفاقات السياسية التي بُنيت على اتفاق “أوسلو” أسهمت في تحويل السلطة الفلسطينية من مشروع دولة إلى كيان وظيفي ينخر فيه الفساد ويمنع الحركة الوطنية الفلسطينية من تحقيق أهدافها، وذلك في ظل غياب وتراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وهي السّمة السياسية الأبرز. ما أدى إلى الفشل الداخلي والخارجي، حيث تجلى خارجيا هذا الفشل في تفكك المكانة الإقليمية والدولية للحركة الوطنية الفلسطينية. وعلى الصعيد الداخلي وصلت الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية وحل النزاع إلى طريق مسدود بسبب الانقسام الداخلي العميق الذي نشأ والذي يتعارض مع الوحدة الوطنية الفلسطينية، في ظل حالة من الوهن الأساسي للسياسة الفلسطينية وخمول قادتها وحالة مؤسّساتها الرثّة وخلل في إدارة الأولويات والمسارات بين خطي التسوية والمقاومة. بالإضافة إلى وجود حالة إحباط واسعة في الشارع الفلسطيني من أداء القيادات السياسية الفلسطينية، ومن ضعف التفاعل مع التغيرات في العالم العربي، وعدم الاستفادة منها على النحو المطلوب.
تتحمل حركة “فتح” مسؤولية تاريخية تجاه ما حدث لمنظمة التحرير. فالانقلاب السياسي الذي قامت به السلطة الرسمية الفلسطينية المتمثلة بحركة “فتح” على البرنامج الوطني الائتلافي لمنظمة التحرير لصالح برنامج “أوسلو” والتزاماته، أدى إلى الخلل الاساسي في الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلة التحرر الوطني. وساهم مباشرة في تشكيل وتراكم أزمة المشروع التحرري الفلسطيني بشكل عميق ومتشابك ومقعد، ومنذ ذلك الوقت والاوضاع تتفاقم في الحالة الفلسطينية والكوارث تلحق بالقضية الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني. فتعطل دوائر منظمة التحرير ومؤسساتها وفقدان فعاليتها، وتضاءل أو اندثارها مع تغوّل السلطة الفلسطينية عليها. ولم يعقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة حقيقية منذ سنة 1991، ولم يتم تجديد انتخاب أعضائه بشكل سليم منذ سنوات طويلة.
وخلاصة القول فإن المشروع الوطني الفلسطيني يواجه أزمة حقيقية. وكما يرى الكثير من المحللين والباحثين في الشأن السياسي، فإن المدخل الحقيقي لمشروع وطني جاد هو إصلاح البيت الداخلي الفلسطيني وإنهاء الانقسام بشكل حقيقي، تحت مظلة فلسطينية واحدة (م ت ف) تسع الجميع، وتستفيد من طاقات الجميع، وبناء على ميثاق وطني جامع، وعلى برنامج سياسي متوافقٍ مع الثوابت، تنفذه قيادة وطنية منتخبة، تلتزم بأولويات العمل الوطني، بعيدًا عن الضغوط والحسابات الخارجية. إلى جانب فك الارتباط بأوسلو بما في ذلك وقف النسيق الأمني بشكل حقيقي، والعودة لمواقع حركة التحرر الوطني، وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وبناء مشروع وطني فلسطيني واضح تتكاتف عليه كل التيارات السياسية الفلسطينية في الوطن والشتات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى