أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

الراحل روبرت فيسك.. من وثق الكوارث العربية وويلات الأمم

توفي الصحفي البريطاني المخضرم، روبرت فيسك، 74 عاما، في العاصمة الإيرلندية، دبلن. وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” مرة بأنه أشهر صحفي في الشرق الأوسط، فقد عاش فيسك معظم حياته هناك وغطى معظم النزاعات التي مرت عليه والانقلابات والثورات والمجازر.

ويعد أول صحفي أخبر العالم عن مجزرة حماة عام 1982، التي ارتكبتها قوات حافظ الأسد ضد مدينة حماة والمعارضين الإسلاميين. وكان أول صحفي أجنبي يدخل مخيم صبرا وشاتيلا، ويكشف عن المجزرة الفظيعة التي ارتكبتها المليشيات المسيحية بدعم من القوات الإسرائيلية عام 1982.

وما بين عمله في تغطية الحروب الأهلية والاجتياحات الخارجية للمنطقة، ظل المراقب لتطورات المنطقة بحيث أصبحت مركز اهتمامه، خاصة القضية الفلسطينية، التي ظلت محل حضور كبير لديه، في محاضراته ومقالاته الدورية التي كتبها في صحيفة “إندبندنت” التي عمل مراسلا لها في الشرق الأوسط حتى وفاته.

وظلت فكرة الظلم التي تعرض لها الشعب الفلسطيني محط تركيزه، بالإضافة لـ”النفاق الغربي”.

وكتب عن الانتفاضة الفلسطينية والمستوطنات، حيث انتقد “نفاق الصحافة الغربية” التي أطلقت عليها “أحياء” عوضا عن تسميتها بالمستوطنات.

ومع ذلك، لم يوفر فيسك القيادة الفلسطينية من النقد، مثل غيرها من القيادات العربية التي وصفها بـ”الديكتاتورية”، خاصة حكام السعودية ومصر.

وأعمل في مقالات خاصة في السنوات الأخيرة لغته الساخرة، وحاول تفكيك اللغة المراوغة، معتمدا في ذلك على فهمه لمجال اللغة ودلالاتها من محاضرات المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي دافع عن حق الفلسطينيين.

وهيأ عمل فيسك الصحفي في إيرلندا، للعمل في مناطق النزاعات، فأول مهنة صحفية عمل بها كانت تغطيته للحرب الدائرة بين المطالبين باستقلال شمال إيرلندا والقوات البريطانية.

وكان فيسك قد دخل مستشفى سانت فينسنت في دبلن، بجمهورية إيرلندا، وقالت مصادر إنه تعرض لجلطة دماغية توفي على إثرها.

وبدأ فيسك عمله الصحفي في “صندي إكسبرس”، ثم انتقل إلى “التايمز”، حيث ظل مراسلها في مدينة بلفاست في الفترة ما بين 1972 و1975 وفي ذروة الحرب.

وانتقل في 1976 للعمل كمراسل للصحيفة في الشرق الأوسط، من العاصمة اللبنانية بيروت، التي اتخذها مركزا ومحل إقامة له، ومنها غطى الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) والثورة الإيرانية (1979) والاجتياح السوفييتي لأفغانستان (1979)، واجتياح إسرائيل للبنان من بين حروب عدة.

واستقال منها في عام 1989، بعد خلاف مع صاحبها روبرت ميردوخ وانضم لصحيفة “إندبندنت”، حيث ظل مراسلها حتى وفاته.

وغطى للصحيفة الاجتياح العراقي للكويت والحرب في يوغسلافيا والحرب الأهلية في الجزائر أو السنين السود، وكان واحدا من أوائل الذين رصدوا صعود تنظيم القاعدة وقابل زعيمها أسامة بن لادن، عندما لجأ إلى السودان، ومن ثم قابله أكثر من مرة في أفغانستان، وذلك قبل هجمات 11 سبتمبر وبعدها، وسجل انطباعاته عنه.

ووصف فيسك زعيم تنظيم القاعدة حينها ابن لادن بأنه “رجل خجول”، و”يبدو في كل بوصة من جسمه كمحارب جبال من أسطورة المجاهدين”.

وسافر إلى الحدود الباكستانية-الأفغانية لمقابلته بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، وتعرض لاعتداء من اللاجئين الغاضبين من قتل أبناء بلدهم على يد القوات الغربية.

وحول الحادث إلى خبر على الصفحة الأولى في “إندبندنت”، حيث أرفق صورته والجراح والكدمات على وجهه.

وكتب: “اكتشفت أن معظم الرجال والأولاد الذين هاجموني كانوا من الأفغان، ولم يكونوا ليفعلوا ذلك، إلا أن وحشيتهم هي نتاج لوحشيتنا، لأننا من سلح كفاحهم ضد الروس، وتجاهلنا معاناتهم، وضحكنا على حربهم الأهلية، ومن ثم سلحناهم ومولناهم مرة أخرى في “الحرب العظمى للمدنية” على بعد أميال، ثم قصفنا بيوتهم ومزقنا عائلاتهم، وقلنا إن هذه آثار جانبية”.

وبعد هجمات أمريكا، غطى الحروب الأهلية والغزو والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المنطقة، وظل فيها حتى وفاته.

وعرف عن فيسك كرهه للصحفيين الكسالى الذين يجلسون وراء مكاتبهم، ولا يخرجون لمواقع الحدث بحثا عن الأحداث الحقيقية. وأطلق عليهم أثناء عمله في بغداد وصف صحفيي الفنادق. ونال على هذا الاحترام والجوائز التقديرية والتكريمات.

ولد فيسك في ميدينستون بمقاطعة كينت، وكان والده ويليام (بيل) فيسك يعمل في مجلسها المحلي وقاتل في الحرب العالمية الأولى، وهو موضوع عاد إليه فيسك في مقالاته بالسنوات الأخيرة. وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة ياردلي وساتون فالينس للكبار، ومن ثم أنهى دراسته الجامعية في جامعة لانكستر حيث عمل في صحيفتها أثناء الدراسة.

وفي عام 1983، أنهى دراسته العليا في كلية ترينتي في دبلن وكانت أطروحة الدكتوراه التي ناقشها عن محدودية الحروب.

وكان فيسك في كل عام يقوم بجولة محاضرات في كندا والولايات المتحدة، حتى وقت قريب ولكنه ظل عرضة لهجمات اللوبي المؤيد لإسرائيل في البلدين لنقده الحاد لإسرائيل والسياسة الأمريكية. وهو موضوع ظل يكتب عنه كل صيف.

وقبل غزو أمريكا للعراق، كتب عن خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن الذي قدم المبرر للحرب. ووصف الجنرال الذي كان يعانق كل من في القاعة وخلفه جاك سترو، “وزير الخارجية البريطاني الذي كان يحضر نفسه للعناق الأكبر”.

ولطالما انتقد رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، الذي وصفه بـ”جرو جورج دبليو بوش”، وبلير “كوت العمارة”، تذكيرا بالهزيمة البريطانية في الحرب العالمية الأولى في جنوب العراق.

وسجل فيسك مواقفه الناقدة للغرب في كتابه الضخم، “الحرب العظمى من أجل الحضارة- غزو الشرق الأوسط” (2005) عن صراعات المنطقة، بما فيها النزاعات التي غطاها ناقدا السياسات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية.

ويعد كتابه عن الحرب الأهلية اللبنانية “ويلات أمة” من أشهر كتبه، وصدر عام 1990، وصدرت منه طبعات عدة وترجم للغات عديدة منها العربية.

وعرف عنه وهو الذي كان يتحدث العربية بطلاقة، اهتمامه بأرشفة تقاريره التي احتفظ بها، واعتمد عليها في كتابه الضخم عن الشرق الأوسط، كما أنه اهتم بالموضوع الإيرلندي.

وقرر الحصول على الجنسية الإيرلندية. وتزوج فيسك من الصحفية الأمريكية لارا مارلو في 1994، وانفصلا في 2006 بدون أولاد.

وبالإضافة للجوائز التي حصل عليها لتغطيته الحروب مثل حرب الخليج، وجائزة أوريل، فقد حصل على جائزة الصحافة البريطانية سبع مرات في فئة الصحفي الدولي.

تسابقت الجامعات لمنحه شهادات دكتوراه فخرية مثل الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة كوين في بلفاست، ولانكستر وليفربول وسانت أندروز والجامعة المفتوحة في بريطانيا، وكارلتون وكينت وكلية ترينتي في دبلن، بالإضافة لجوائز تقديرية ومحاضرات فخرية، وما إلى ذلك مما يعطي صورة عن أهميته ودوره في كشف الأوضاع في المنطقة.

لكن فيسك تعرض في السنوات الأخيرة لانتقادات بسبب تغطيته للحرب الأهلية السورية، حيث جاءت تغطياته لها مراوغة، واعتمد فيها على علاقاته مع النظام السوري لبشار الأسد، فتغطيته من بلدة دوما جاءت بعد وصوله إليها وقد تعرضت عام 2018 لهجوم كيماوي.

ووصف فيسك نفسه كشخص محايد، وأنه لم ينحز أبدا، ولكنه آمن بأن الصحفي يجب عليه تحدي السلطة، خاصة الحكومات التي تتسبب بأخذ مواطنيها للحرب.

وكان معجبا بكتاب إسرائيليين ناضلوا للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، مثل عميرة هاس وجدعون ليفي، الذي قابله العام الماضي. ونقل عن هاس قولها: “هناك مفهوم خاطئ، وهو أن الصحفي يلتزم بالموضوعية، ولكن مهمته هي رصد السلطة ومراكزها”.

وظل فيسك يتحدث عن “الأكاذيب والتقارير المشوهة والكارثية في الشرق الأوسط”. وكتب في عام 2010 أن مهمة الصحفي الأجنبي أن يكون محايدا وغير متحيز، ويقف مع الذين يعانون أيا كانوا.

وفي كتابه “الحرب العظمى من أجل المدنية” أرجع كل مشاكل المنطقة إلى الخطوط التي رسمت على الخرائط بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. فقد رسم المنتصرون بعد هذه الحرب -وبسرعة- الخطوط التي قسمت شمال إيرلندا ويوغسلافيا ومعظم الشرق الأوسط. وقال: “قضيت معظم حياتي في بلفاست وسراييفو وبيروت وبغداد أراقب الناس داخل هذه الحدود”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى