مقالاتومضات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (12)

عائشة حجار- محاضرة جامعية وطالبة دكتوراه في الإعلام الحديث
“البوليتيكلي كورركت”، الحديث فقط وفقًا لما نعتقد أن الجمهور يتقبله، الامتناع عن المواجهة وقول الأمور كما هي. ربما نعتقد أن هذا النوع من الكلام هو نتيجة حساسية ثقافية معينة تمنعنا من استنكار الظواهر التي نرفضها تحت مسمى “تقبل الآخر” و”الانفتاح” وما الى ذلك من شعارات، الكثير منها فارغة، تجعلنا نمر مرّ الكرام على ظواهر قد تدمر مجتمعا بأكمله. في الواقع فإن الحديث الخجول هذا هو، في مجتمعنا بالذات، ظاهرة استعمارية نقهر فيها أنفسنا. كيف؟؟!
لكي تتحدث بشكل “بوليتيكلي كورركت” عليك أولا وقبل كل شيء أن تعتقد أن هناك آراء لا يجب أن تقال، أو يجب على الأقل أن تميّع، بينما الآراء المناقضة لها يجب أن تحظى بالقبول. الغريب أن معظم الآراء التي تدعو البوليتكلي كورركت إلى تقبلها هي آراء نخبوية اقتصادية بالأساس. يعني مثلا: الشذوذ أصبح ظاهرة لا يجب الحديث عنها بحدة حين زاد وجود الشواذ جنسيا في القمم الاقتصادية والثقافية (مخرجون، صحفيون، فنانون، رجال أعمال وأكاديميون)، يعني أن هناك من يقرر لنا ما الذي يسمح لنا باستنكاره وما الذي يجب أن نخجل من انتقاده اصلا. الاعلام، طبعًا، هو الوسيط الذي يمرر لنا قائمة الممنوعات هذه. نحن، كفلسطينيين/ مسلمين/ نساء علينا أن نبرر معتقداتنا وإيماننا، وأن نتحرك بحذر حول الالغام المزروعة في ساحة الحديث عندما نتحدث عمّا نؤمن ولا نؤمن به، السؤال المطروح هو لماذا يسمح البوليتيكلي كورركت بالسخرية ورفض الظواهر والعادات الشائعة في الدول التي استعمر منتصف القرن الماضي؟ لماذا يجب أن نحذر في انتقاد استخدام العري في الرسم مثلا بينما تعد مهاجمة المهر نوعا من الشجاعة والتحرر النسوي؟ (* المهر بالذات هو أحد أهم مقومات الاستقلال الاقتصادي للمرأة).
المفارقة في “البوليتيكلي كورركت” هو أنه يدعو الى مراعاة مشاعر الآخر بينما هي مهمة مستحيلة، من المستحيل أن تتبنى رأيًا دون أن ترفض نقيضه، ومهما حاولت فعند أول نقاش قد تؤذي مشاعر أحدهم كونك تحاول دحض ادعاءاته، منطق بسيط! ربما حان الوقت لينتهي عهد البوليتكلي كورركت ونعود الى عالم حيث يوافق الناس على الاختلاف، حيث هناك طابوهات لا يجب المس بها حسب الاغلبية وليس حسب الوضع المادي والتعليمي، حيث الفن دعوة للتفكير وليس مجرد ايذاء فارغ للمجموعات المستضعفة، حيث الانبياء والدين ليسوا محل سخرية.
ملاحظة: إذا كان هناك أي نص إعلامي ترغبون بأن أتناوله في الحلقات القادمة أرسلوا إليّ اقتراحاتكم، ملاحظاتكم، نصائحكم عبر الفيسبوك: Aysha Hjjar

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى