مقالاتومضات

كأس الحليب

سوسن مصاروه

ما أعجبَ أن يمتد ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، والأعجب أنه يدري أنه ظالم فلا يرتدع ولا ينزجر، لا تؤثر فيه آيات الله ولا سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قصص الصالحين وسلفهم.
نسيّ ابن آدم قول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا) رواه مسلم.
وتناسى المسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم.
لا أتحدث عن ظلم الإنسان لربه لما جعل له شريكًا: “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ”، ولا أتحدث عن ظلم الإنسان لنفسه، عندما اتبع شهواته وأهمل واجباته، ولوث نفسه بآثار أنواع الذنوب والمعاصي “وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، وإنما أتحدث عن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، أكل أمواله بالباطل، وظلمه بالضرب والشتم والتعدي واستطال على الضعيف الذي لا يقدر على الانتصار لنفسه.
وما أكثر الظالمين وما أبعدهم عن الله يوم أن فكروا أنهم قادرون على التحدي والتعدي بظلم الآخرين من خَلق الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: “واتق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب”.
من الظلم أكل أموال الناس بالباطل وأخذها ظلمًا، ومن الظلم أكل مال اليتيم، قال تعالى: “إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلونَ سعيرًا”، ومن الظلم المماطلة بحقٍ عليه مع قدرته على الوفاء، ومن الظلم أن يستأجر عاملاً ولا يعطيه أجرته رغم أنه استوفى منه العمل، ومن الظلم أن يضرب زوجته بغير حق، أو يمنع عنها النفقة الواجبة، أو يمنعها من تعلم الفرض العيني، ومن الظلم أن يتصدى لتدريس الناس فلا يعلمهم الحق، يفتي بغير علم، يحلل الحرام، ويحرّم الحلال فيُفسد ويظنّ نفسه مصلحًا.
الظلم عاقبته وخيمة وسيئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتدرون من المفلس”؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وحج وصيام فيأتي وقد شتم هذا، وأخذ مال هذا، ونبش عن عرض هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيَت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرح عليه ثم طُرح في النار”.
مَن يتحمل نار جهنّم، بل لهيبها من بعيد؟ مَن يتحمل العذاب الشديد الذي توعده الله للظالم؟ قال تعالى: “وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً”، إذا كان العذاب في الدنيا شديدًا فكيف يكون في عرصات جهنّم ودهاليزها؟
متى يصحو ضميرك وتتحلل من ظلمك؟ أيها المجاهر، أتعصي الله؟ وهو الذي يقول لك إني حرّمت الظلم… فلا تظلم! أيها المتكبر! أعَلى خلق الله!! وما كانت بدايتك إلا نطفة ونهايتك جيفة نتنة! أيها الإنسان تذكر نِعم الله عليك واسأل نفسك: لماذا؟ إذا كان الله قد أعطاك من المسئولية ما أعطاك وأصبحتَ مقتدرًا، أتستعمل قوتك في غير محلها! أهذه هي الرجولة التي تتغنى بها؟
لمدة ثماني سنوات كـان يرى والدته المتوفاة كل يوم بالمنام تحرق أجزاء من جسدها في النار، كان يدعو لها بالرحمة والمغفرة كلّما رآها على هذا الحال!! واستمر بالدعاء حتى جاءته ذات ليلة مبتسمة. فسألها لماذا كنت تتعذبين طوال هذه الفترة؟ فقالت: بسبب كأس الحليب! وما قصة كأس الحليب؟
يقول هذا الشاب: كان والدي متزوجًا قبل والدتي وله ولد من زوجته الأولى، وكانت والدتي عندما تصب الحليب في الصباح تعطيني كوبًا ممتلئًا وتعطي أخي كوبًا نصفه حليب ونصفه الماء!! تعذبت ثماني سنوات بسبب كأس حليب. أليس هذا ظلمًا؟ فما بالكم بمن يتعامل بين أبنائه بهذا القانون، يفرق بين الذكور والإناث، بين المتعلم وغير المتعلم!؟
اتقوا الله في أبنائكم ولا تُفرقوا بينهم في المعاملة فإن هذه المعاملة تُنشئ شخصية غيورة حقودة أنانية، تسبب الكراهية بين الأخوة، شخصية مهزوزة بلا ثقة، ثمّ إنها تؤدي إلى العقوق. أترضاه في بيتك؟!
صور الظلم كثيرة ومتعددة وخاصة في مجتمعنا الحاضر، فقد أصبح الظلم فنًّا يتذوقه الآباء والأمهات والأخوة والجيران، كلٌ له رؤيته وكل له رأيه، قد يرى ما يفعله صحيحًا صوابًا ولا يدري أنه الظلم والإجحاف والقهر.
لنعُد لكتاب الله وسُنّة رسول الله لنتعلم منهما كيف نحيا بأمان وطمأنينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى