مقالاتومضات

حكاية التطبيع والانقلاب الخليجي على القضية الفلسطينية

الإعلامي أحمد حازم
في أواخر العام الماضي اجتاحت العالم أول موجة كورونا، والآن بدأ الحديث عن موجة ثانية أظهرت أنها أكثر قسوة من الأولى كما يقول الخبراء في هذا الشأن. لكن الحديث في العالم العربي وإسرائيل يتركز على بدء الموجة الثانية من التطبيع وليس على كورونا فقط. وهذه الموجة الجديدة تقودها الإمارات والبحرين، لكنها تختلف عن سابقتيها، فالأولى كانت في فترة مصر السادات حيث تم التوقيع على اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في السابع عشر من أيلول/سبتمبر في العام 1978، بعد خمسة عشر سنة أي في العام 1993 أقدمت منظمة التحرير الفلسطينية على خطوة سياسية لفتت أنظار العالم كله إليها، فقد تم التوقيع على إعلان المبادئ مع إسرائيل في الثالث عشر من أيلول في العام 1993، الأمر الذي أثار شهية الأردن للتطبيع ما دام الفلسطيني صاحب العلاقة قد أقدم على هذه الخطوة. فبعد محادثات بين الأردن وإسرائيل جرت في الجانب الأردني، ظهر “اتفاق وادي عربة” إلى النور وتم التوقيع عليه في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر من العام 1994، وفي شهر آب/أغسطس من العام الحالي دخلت الإمارات والبحرين على خط التطبيع الكامل مع إسرائيل، بترتيب من الإدارة الأمريكية.
منظمة التحرير الفلسطينية لها وضع خاص وهي ليست دولة مجاورة بل هي صاحبة الأرض تاريخياً. والأردن له أيضاً وضع خاص بسبب تداخل الجغرافيا والتاريخ فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والحقيقة التي يجب قولها شئنا أم أبينا، وحتى لو اختلفنا أو اتفقنا سياسياً مع الراحل ياسر عرفات، إلا أنه من خلال التوقيع على هذا الاتفاق، أجبر إسرائيل على الاعتراف بوجود منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي عن الفلسطينيين، لكن الإمارات والبحرين بعيدتان كلياً عن الجغرافيا والتاريخ وأنهما غير مجاورتين لإسرائيل، أي أنهما خارج دول الطوق، ولا توجد بينهما وبين إسرائيل حالة حرب سابقاً او حالياً، إلا أنهما سارعتا في إقامة علاقات تطبيعية كاملة مع إسرائيل، التي لا تزال تحتل أراضي فلسطينية وسورية ولبنانية.
هناك قول شعبي متداول في المجتمعات الفلسطينية يقول: “هادا شوط الحلّي” بمعنى أن الأمر في الطريق إلى النهاية. فهل وصلت الأنظمة العربية ولا سيما الخليجية منها إلى “شوط الحلّي” في التطبيع مع إسرائيل بدون الالتفات إلى القضية الفلسطينية؟ بمعنى هل وصلت أنظمة عربية إلى قناعة بأن فلسطين لم تعد القضية المركزية؟ في السابق كنا نسمع ونقرأ بين الحين والآخر عن لقاءات سرية بين إسرائيليين وخليجيين، وتطورت هذه اللقاءات لتصبح علنية، رغم أن قرارات الجامعة العربية تمنع بل وتحرم ذلك. فهل أصبحت جامعة الدول العربية مثل عدم وجودها؟
الكثير جداً من قرارات الجامعة العربية لا تنفذ منذ فترة وخصوصاً تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية. فإذاً، لماذا نوجه اللوم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن إسرائيل لا تطبق قراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية طالما أن دول الجامعة العربية لا تنفذ قرارات الجامعة فلسطينياً. حتى أن القرارات السابقة بالشأن الفلسطيني والتي تم التوافق عليها (نظريا) تم تجاوزها ولم يعد لها أهمية، باستثناء بعض الدول العربية التي ما زالت ترى في القضية الفلسطينية مفتاح السلام في الشرق الأوسط.
يبدو واضحاً أن هناك عوامل دفعت بالإمارات والبحرين إلى اتخاذ قرار التطبيع بتشجيع أمريكي. وهذه العوامل ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية بتاتاً، وأن الحديث عن إقدام الإمارات على التطبيع مع إسرائيل مشروط بوقف المشروع الإسرائيلي لضم أراضي جديدة من الضفة الغربية لإسرائيل، هو مجرد حديث عابر لا أساس له من الصحة، لأن نتنياهو صرّح أكثر من مرة بأن الضم تأجل لفترة فقط ولم يتوقف. إذاً حجة الضم هي مجرد ستار للتطبيع. وباعتقادي أن أهم هذه العوامل إقامة تحالف عسكري ضد إيران باعتبارها مصدر قلق كبير لدول الخليج وإسرائيل، وهي (أي إيران) المشكلة المركزية لدول الخليج (باستثناء الكويت) وليس القضية الفلسطينية.
إسرائيل ضربت عصفورين بحجر واحد: فهي من جهة حققت إنجازاً سياسياً بتوقيع اتفاقي التطبيع مع الإمارات والبحرين، ومن جهة ثانية استطاعت إقناع هاتين الدولتين بوجود خطر كبير يهددهما من إيران. ولذلك فإن غض الطرف الإسرائيلي عن بيع مقاتلات أف 35 الأمريكية للإمارات، لم يكن محبة بهذه الدولة الخليجية إنما هدفه توفير أرضية قوية للمواجهة مع إيران مستقبلاً، على أساس أنها “العدو المشترك”.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل التطبيع الإسرائيلي الإماراتي البحريني سيفتح باب المواجهة المباشرة بشكل أوسع وأخطر بين إيران وإسرائيل مما يعني أن مياه الخليج العربي قد تشهد حرباً ضارية في الفترة القادمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى