أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

تواصُلنا أقوى من حضارتهم

سوسن مصاروة
تواصلنا مع الآخرين ومع آخرين انفصلنا، تواصلنا مع البعيد فصار قريباً ومع الغريب فأضحى صديقاً، ولكن قطعنا العلاقة مع مَن هو قريب منا بل يعيش معنا في بيتنا.
التكنولوجيا بكل ما تحمل، بل هي الثورة التكنولوجية التي تأتينا من الغرب استفدنا منها في حياتنا الدنيا، إنها نعمة أنعمها الله علينا، والأصل في النعمة أن تُشكر حتى تدوم، والأصل أن نستعملها استعمالاً يليق بنا كمسلمين أصحاب رسالة، نخدم بها ديننا ودعوتنا ومجتمعنا بل وأسرتنا بما يرضي الله، ولكن كثير منا تعالى على هذا الأدب واتخذ هذه الحضارة سيفاً يحارب به دينه وعقيدته وتقاليده، بل ربما صارت هذه التكنولوجيا سبباً في هدم أسرة.
مع هذه الوسائل المتعددة أصبح العالم كله قرية صغيرة تربض في صدر بيوتنا، بل تقبع بين أيدينا نقلب صفحاتها أينما كنا وأينما جلسنا، لا نبالي مع من نجلس، ولمَ وأين نجلس، حتى لو كان المكان بيت الله.
حاول الغرب قديماً بالتأثير على الأسرة المسلمة ولكنه فشل في معظم خططه، حاول الدخول لقلب الأسرة من خلال المرأة، فلم تـدع شــيـئاً إلا دسَّت أنفها فيه حتى دخلت مخادع النساء ـ كما قال “محمود شاكر” في كتابه “الـطـريـق إلـى ثقـافـتنا”، ومن خلال استراتيجيات وضعوها لهدم البيت المسلم في دهاليز الأمم المتحدة عبرَ لجان ادّعت أنها تعمل لصالح المرأة في الشرق الإسلامي، وبئس ما قالوا وبئس من استجاب لهم.
محاولاتهم لم تتوقف، في تغريب المرأة والفتاة والشاب والرجل، لم تتوقف مؤامراتهم على ما هو إسلامي حقداً وحسداً، وها هي محاولاتهم باتت تجني الثمار، عائلات متفرقة متشرذمة مع أنها تعيش تحت سقف بيت واحد.
مَن منا قادر أن يرفعها صرخة مدوية يقول لا لكل وسائل الاتصال ولو ليوم واحد فقط!
مَن منا يجرؤ أن يقول عائلتي أهمّ، أسرتي أولى، زوجتي أولادي بناتي أغلى ما أملك!

مَن يُصلح الخلل؟
رجال يسهرون الليالي يقلبون صفحات الفيسبوك، يشاركون بتعليقاتهم هنا وهناك، بحاجة وبغير حاجة، يتحدثون ويتسامرون بالكلام ونساؤهم في الفراش تتقلب من الحسرة على ما يجري.كم من الصلوات في الجماعات في المساجد ضيّعوا ! وكم من الأوزار والسيئات جمعوا!
ونساء لا تدخل للمحادثات إلا بعد أن انتصف الليل ونام الزوج، لماذا؟ أهو الخوف منه؟ فماذا مع الخوف من الله؟
كم من المشاكل حدثت وتحدث بين الأزواج بسبب عدم الاستعمال الصحيح لهذه التكنولوجيا وهذه الوسائل؟ إنها وسائل الانفصال التي باتت تهدد الأسرة الواحدة بل الجيل كله، بما تحمله من أخطار.
كانت الأم هي القلب النابض والمربية الأمثل لكل فرد في الأسرة، والأب هو الموجه والمرشد، أما اليوم فقد شاركهما مربِ آخر قد يكون بعين الأبناء أفضل من الأم والأب فإنه يعطي المعلومة مباشرة دون سؤال على السؤال، حرية ما بعدها حرية وانفتاح على الباطل بكل ما تحتويه الكلمة وغزو لفكر الصغار قبل الكبار.
بصراحة، هذا التواصل أوجد نوعا من التفكك الأسري بل والاجتماعي، بسبب افتقارنا وعدم وعينا وإدراكنا إلى المقوّمات الصحيحة لمعرفة هذه الأدوات وكيف لنا أن نستعملها الاستعمال الايجابي، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الثقافة الذاتية والقراءة المتواصلة، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ” كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني “”. متفق عليه.
وفي ذلك يقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
الأسرة قلعة، جدرانها عالية بالهمم، قوية بالإيمان، مَن يحمي هذا الحصن قبل أن ينخر السوس فيه؟ إنها مسئوليتكم أيها الآباء والأمهات والأزواج والزوجات في الحفاظ على حصن الأسرة وصرحها القوي.
يقول الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله: “الاتصال كالوميض مهما كان الليل مظلمًا فهو يضيء أمامك الطريق دائمًا” هذا الوميض نحن بحاجة إليه في الأسرة لا خارجها، مع أبنائنا وبناتنا، لا بل مع أزواجنا كذلك.
أيها المربّون: نحن بحاجة لوقفات مع النفس، نحاسبها، نوضح ونبيّن لها معالم الطريق، لنصحح المسار.
أيها الأهل، نصيحة لله ولرسوله، أطفئوا التلفاز، ضعوا الهواتف جانبًا يومًا واحدًا في الأسبوع اجعلوا هذا اليوم لأبنائكم وبناتكم كبارًا وصغارًا، اجتمِعوا على وجبة طعام، تحادثوا تحاوروا تشاوروا، ضعوا مشاكلكم أمامكم وأوجدوا لها حلًا مشتركًا. اجعلوا هذا اليوم لله، اقرؤوا القرآن، أحيوا سنّة من سنن الحبيب، اقرؤوا من كتاب. يمكنكم وضع برنامج كامل لكل اليوم أطالت ساعاته أم قصرت، فكروا في النتائج وفي الثمرات التي ستقطفونها بعد كل لقاء.
أيها الأخ الكريم والأخت الفاضلة يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) قدوتكم نبيّكم وحبيبكم فلا تجعلوا حضارتهم تهدم حضارتنا ولا تجعلوا وسائلهم تغلب وسائلنا وليكن اتصالنا مع الله ومع أسرتنا قوي بقوة إيماننا وحبنا لله ورسوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى