أخبار عاجلةمقالاتومضات

لا خير فينا إن لم نقُلها

سوسن محمد مصاروة
مرحلة الشباب في حياة الإنسان، تتميز بالحيوية والنشاط، وحدَّة الذكاء، والقدرة على الاستيعاب، والصبر والتحمل، وتتميز كذلك بالميل إلى التقليد، واتخاذ قدوات يجعلها الشاب نصب عينيه ويحاول الوصول إلى مستواها. حياة لا تخلو من شبهات وشهوات ومغريات، والسعيد من عصمه الله تعالى فكان من الذين قال فيهم رب العالمين: (إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، لذا فقد كان (.. َشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ..) من السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعاً لعابد أغواه الشيطان من باب (جرّب)، حتى أوقعه في الكفر قال تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ). هذا الشاب الذي سقط في شباك الشيطان، وتأثر من وسوساته فوقع في طريق الغواية، مَن يردّه إلى الصواب؟ مَن يرشده ليسير على الطريق القويم؟ من يعطيه بوصلة النجاة ومَن ينقذه من بحر الجهل والظلمات؟
هل نجلس في مسجدنا على أمل أن يأتينا؟ أم هل ننتظره حتى يسألنا أين الطريق وقد يكون لا يعلم أنه أضاعها؟ هل ننظر إليه وهو يلقي بنفسه في النار؟
إذًا ما العمل؟
لا خير فينا إن لم نقُلها ولا خيرَ فيهم إن لم يسمعوها منا!!
نعم، إنه نداء الواجب يدعونا أن ننقذ أبناءنا وبناتنا قبل أن يقعوا في بحر الظلم والظلمات والجهل والمعاصي، وأولئك الذين انغمسوا في أوحال الرذيلة، فلا نيأس من أن نرمي إليهم قارب نجاة ولو كان حبلًا دقيقًا، لربما تشبثوا فيه فنجَوا.
الكثير من الشباب إلا من رحم الله، جرّبوا من شهوات الدنيا ومغرياتها ما شاءوا، فشربوا الخمور وارتكبوا الفواحش ودنسوا الأعراض وانتهكوا الحرمات، تلقفته صحبة السوء لتزيده ضلالاً وبُعداً عن الله، ولكن ما زال هناك بصيص من نور وفسحة أمل من أولئك الغيورين على دينهم ورأسمال مجتمعهم، أصحاب على الطريق وأهل ينادونه ويذكرونه بالله، هيا إلى الهدى ائتنا، متمثلين قوله تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). فيأبى أن يأتيهم، هذا حال شبابنا وفتياتنا، نناديهم فلا يسمعون، نتقرب منهم فلا يستجيبون، هم بحاجة لهزة قوية توقظهم من سباتهم في أحضان الهوى.
حَيْرَانَ، نعم الحيرة والقلق حال من ابتعد عن طريق الله، يعيشون صراعاً نفسياً حادّاً، وقد كانوا على مفترق طرق، كلها تؤدي إلى الجحيم، إلا طريقًا واحدًا، هو طريق الهدى، هو طريق شاقّ لا يقوى على السير فيه إلا المؤمن، ولهذا عقّب الله على ذلك بقوله: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى)، فمن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وأذلّه وأخزاه، وجعله في حيرة من أمره.
إن دعوة الشباب للعودة لدين الله فرض ولازم على كل من باستطاعته ذلك، قال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، (فصلت:33). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ: (انطلق على رسلك فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم)، كما أمر بتبليغ الرسالة للناس وحث على ذلك فقال: (بلغوا عني ولو آية).
علينا أن تخلى عن فكرة (أن يأتوا إلينا) بل يجب أن نبحث عنهم في كل مكان، نوصل إليهم فكرتنا ودعوتنا وكلمة الحق التي ستكون لنا حجة يوم القيامة.
كنّا خير أمة (.. تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، وسنبقى خيرها بإذن الله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين).
فهنيئا لمن أنقذ نفسا مسلمة من النار، وأدخلها الجنة قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دعا إِلى هدًى كان لَه مِنَ الأَجر مثل أُجور مَن تَبِعَه لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا).
إنها أوقات ولحظات ربانية فلا تضيعوها يا شبابنا بالملهيات، واستجيبوا لنداء من يقول لكم: (إلى الهدى ائتنا)، اجعل جلستك أمام الحاسوب طاعة لها، فلا تسمع حرامًا ولا تنظر إلى حرام، تمتع بالألعاب والمباريات، ولكن لا تنسَ الصلاة فهي مفتاح كل خير. ولا تهجر المسجد فهو بيت التقيّ، ولا تترك مدارسة القرآن فهو حبل الله المتين.
قد لا يقرأ كلماتي هذه أولئك الشباب ولكنه دورنا نحن، أن نبيّن معالم الطريق وأن نضيء شمعة تنير لأبنائنا وبناتنا تلك المعالم، ليهتدوا فنكون ممن قال عنهم صلى الله عليه وسلم: (لئنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى