أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

أنا وعائلتي (1).. الابن البكر والقيصر المخلوع

د. نسرين حاج يحيى- محاضرة ومستشارة زوجية وعائلية

في هذه السلسلة، نطلّ بها عليكم بلقاء متجدد بإذن الله، وفي كل مقال نطرح مواضيع وقضايا عائلية مهمة ومحورية، تمت لكل واحد فينا بصلة، سواء كابن لعائلته الأم أو كعضو من أعضاء عائلته الحالية التي كونها بعد الزواج، أو تلك التي سيكونها في حياته البالغة والمستقبلية. هدفنا الاساسي من زاوية “أنا وعائلتي” هو التوعية وإلقاء الضوء حول قضايا تزيد من ثقافتنا الاسرية وتساهم في فهمنا أولا لأنفسنا، ومن ثم لأعضاء أسرنا النووية والممتدة وتوطد بهذا أواصر العلاقات فيما بيننا، ناهيك على أنها تساهم في إدراكنا لأدوارنا العائلية الفعالة والناجعة في التواصل والتعامل والتربية السليمة.

 

الابن البكر

سنبدأ رحلتنا الى العائلة والابحار في قضاياها من خلال طرح موضوع شيق وغاية في الاهمية، ألا وهو أثر مكان الأفراد في الترتيب العائلي من حيث الولادة على شخصيتهم وطباعهم وحتى على قدراتهم وانجازاتهم وطبيعة علاقاتهم الأسرية حاضرا ومستقبلا. ومن الجدير ذكره أن الاختصاصيين يدعون كما الابحاث العلمية أن الموقع التسلسلي في الترتيب العائلي له بالغ الاثر على الفرد، حتى أن البعض يدعي أنّه بالإمكان تحديد ملامح الخصائص الشخصية للفرد بمجرد أن يعرف موقعه من حيث ترتيب الولادة في العائلة. وكأن لسان حاله يقول: قل لي في أي مرتبة أنت في العائلة، أقل لك: من أنت. ولعمق الموضوع لن يسعنا طرحه كاملا من خلال مقال واحد، لذا سنبدأ بالابن البكر وأثر مكانه كأول فرد في الأسرة على طباعه ومميزاته وقدراته وانجازاته، علما اننا سنتطرق لاحقا بإذن الله الى موضوع الابن الاوسط والابن آخر العنقود والابن الوحيد. ننوه في البداية انه لسهولة الامر سنكتب بلغة المذكر ولكن المضمون خاص بالجنسين مع العلم بوجود خصوصية للذكر والانثى خاصة في مجتمعنا والتي سنتطرق اليها في مقالات لاحقة.

 

ما سر الخصوصية للابن البكر:

للبكور خصائص ومميزات ولكن قبل ذكرها سنلقي الضوء على المناخ الأسري والوالدي السائد والمرافق لولادتهم وتربيتهم والذي له بالغ الأثر في صقل هذه الخصائص وهذه المميزات، ولهذا سنصف بداية هذا المناخ الاسري- الوالدي ومن ثم سنذكر انعكاسه على شخصية البكور.

الأول في كل شيء: البكر هو من يحوّل الزوجين ولأول مرة لأم ولأب ويحول آباءهما لأول مرة لأجداد وجدات، كذلك حال الاعمام والعمات كما الأخوال والخالات، وهذا يجعل من الكل بحالة انفعال وتلهف وفرحة عارمة ناهيك عن عطاء معنوي أحيانا منقطع النظير، والذي يحظى به البكر، وكم سمعنا عن مكانة خاصة يتمتع بها من كل حدب وصوب لمجرد أنه البكر. ولكن هل الأول في كل شيء هو بالضرورة أفضلية… لنرى معا.

فأر التجارب!!: نستسمحكم عذرا أيها البكور، ولكن الكثير من الاختصاصيين، يدعون أن الترتيب الولادي للبكور وكونهم الاوائل يجعل منهم كـ “فئران تجارب” للوالدين، وحتى للأجداد، فهم فقيرو الخبرة في تربية الأطفال، فكلنا نعلم أن تجربة تربية البكر هي التجربة “الأولى” بالنسبة للوالدين، لذا فهو يتأثر بقلقهما وقلة تجربتهما وترددهما وضغطهما وتلهفهما، والكثير من المشاعر التي ترافق كل تجربة جديدة نكون فيها قليلي التجربة، وكل هذا يؤثر في شخصية الابن البكر بلا أدنى شك.

حامل اسمي: دور يمنح للطفل البكر منذ نعومة اظفاره، وهو أن يحمل اسم ابيه وجده، وأن يكمل سلالة العائلة واسمها وانجازاتها، أو يحسن من اسمها وانجازاتها، فمن الاهل من يتوقع أن يحقق الابن ما لم ينجح بتحقيقه هو، لذا فصحيح أن الابن البكر يأتي ليأخذ الكثير، ولكنه مطالب مسبقا في ذات الوقت بتحقيق أحلام الأهل التي لم يدركوها بأنفسهم ويلقي على كاهله أدوارا ومهام عليه إنجازها، وإلا فهو لم ينجح بحمل اسم العائلة كما هو مطلوب منه. ولهذا أيضا الأثر في صقل شخصيته وطباعه بلا أدنى شك.

سقف التوقعات العالي: عادة هناك سقف توقعات مرتفع من الأبناء عامة ولكن البكور تحديدا التوقعات منهم أكبر بحيث يوجد ضغط أكبر للإنجاز والتحصيل. علما أن الكثير من الأهل من نسمعهم يقولون: “سأعطي لابني ما حرمت أنا منه”، ولكني أظن أن الوجه الآخر لهذه المقولة هو: “انني لم أحقق في طفولتي أو حتى بلوغي الكثير مما أريد لذا فسوف أوفر الامكانيات لابني لكي يحققها عني”.

إن المكان الأول في العائلة يضع على كاهل الابن البكر مسؤولية كبرى، فالوجه الآخر من “الأول في كل شيء” هو سقف التوقعات المرتفع للأهل، فهم يريدونه الأول في كل شيء بقدر عطائهم لأنه الأول من الأبناء، فنجدهم أيضا يتوقعون سرا وعلنا منه بشكل واعي أو باللاوعي الانجازات وأن يكون الاول في الكثير من المجالات إن لم يكن كلها.

البكر والقيصر المخلوع: يلقب الابن البكر بالقيصر المخلوع لأنه ينفرد بتجربة خاصة تميزه عن باقي اخوته، ولهذه التجربة بالغ الاثر عليه على المدى البعيد والقريب ألا وهي، كونه الابن الأول في العائلة، حيث إنه الوحيد من بين إخوته الذي يشعر بالانفرادية ولا يكون لفترة زمنية له اي شريك في محبة واهتمام والديه واجداده واعمامه واخواله وأفراد آخرين في العائلة، فيعيش على أنه ملكا أو حتى قيصرا يحظى بلا منافس ولا مهدد ولا منازع بالدلال والاهتمام والحب وبتسليط الاضواء عليه وحوله، ويكون هو مركز العالم بالنسبة للعائلة، ولكن وبعد فترة زمنية ودون استئذانه او حتى إخباره يزف إليه والديه بشرى مقاسمته لكل هذا على يد أخ او أخت له، فيكون حاله كملك تم خلعه من عرشه دون أن تكون لديه حتى امكانية الاعتراض على الأمر، خاصة وأن  الزائر الجديد سوف يقاسمه كل شيء، حتى بالحب والاهتمام والوقت والالعاب والأجداد، وبكل ما كان خاصا به بل إنه لا يبقي معنى ولا مكانة لـ “لخصوصية” في حياته بعد الآن، وتستبدل بـ “الشراكة” التي يتوقعها الجميع من البكر دون أن يرغب هو في الأمر أو يتم إعداده له أصلا.

كيف يوثر كل هذا على شخصية البكور: هناك مجموعة من الصفات التي يدعي الاختصاصيون تميز البكور بها وتؤكدها أبحاث علمية تم إجراؤها، وفيما يلي سنعرض صفات ومميزات علما أن هذه الصفات وجدت غالبا عند البكور تحديدا، وهذا لا يعني أن كل البكور ذوي هذه المميزات، ولكن كما قلنا فغالبا هم من ذويها، مع العلم بوجود الشاذين عن القاعدة.

صفات البكور:

– متفوقون تعليميا ودراسيا ووجدت الابحاث أن معظم الاذكياء الموهوبين والممتازين تعليميا هم من البكور.

– ناجحون في عملهم ويتصدرون المناصب الادارية المرموقة والمميزة فمعظم الرؤساء وعلماء الفضاء والحاصلون على جائزة نوبل للسلام مثلا من البكور.

– يكتسبون عادة قيم وأفكار ومبادئ الوالدين ويبدون درجة كبيرة من التعاون.

– مستوى عالي من الطموح وحب الاكتشاف والاستطلاع.

– أكثر ميلا للانخراط بوظائف تضمن دورا أبويا مثل التربية والتعليم.

– لديهم رغبة شديدة بالنجاح الدائم وإن لم يتحقق النجاح نجدهم صريعي خيبة الأمل من أنفسهم لأنهم يشعرون أن عليهم إسعاد والديهم وتحقيق أمنياتهم وحين يعجزون عن ذلك يشعرون بالفشل الذريع.

– هذا يجعلهم بحالة قلق وخوف من الفشل خاصة لأن عليهم بمنظورهم تحقيق التوقعات منهم، كذلك فهم يريد أن لا تختفي مكانتهم وافضليتهم لان التنافس مع الاصغر كبير وشبه دائم، لذا فعليهم النجاح دائما.

– معرضون لأن يكونوا سلطويين ويرون بأن القوة من حقهم، والبعض يعتقد أن كل شيء من حقهم.

– لديهم حب السيطرة على من هم أضعف منهم والانضباط أمام من أعلى منهم مرتبة.

– “خيانة” الوالدين لهم حين أنجبا الطفل الثاني ترافقهم لسنوات طويلة فهم في علاقاتهم بأهلهم وحتى مع أسرهم المستقبلية يشعرون بالشك وبأنهم لربما غير مرغوب بهم وان الأهل غير مكتفين بهم ولعل هذا ما يشعرهم بالقلق والخوف.

– تقلبات مزاجية وخاصة في فترة المراهقة.

 

ما على الأهل عمله؟

– التذكر دائما أن البكور مثلهم كمثل باقي الأطفال ولا يعني أنهم الأوائل أن نحملهم ما لا طاقة لهم به أو نستغلهم لتحقيق رغباتنا.

– علينا أن نسامح أحيانا هفواتهم ونتذكر أنه من غير الممكن أن يكونوا مثاليين.

– لا ننسى أن نبخل عليهم بالمشاعر والمحبة والتأكيد لهم أننا محبون لهم بالرغم من ال”خيانة” حين أنجبنا الطفل الثاني.

– منح المشاعر يجب أن يكون بقدر بحيث لا ننسى وضع الحدود فلا نجعل منهم أنانيين أو معتقدين وأن كل شيء من حقهم وحدهم أو على حساب الآخرين.

– نبني معهم جسور الحوار والتواصل ونعلمهم أن يعبروا عن مشاعرهم بالكلام وليس بالتصرفات غير السوية كأن يضرون بأنفسهم أو بغيرهم لوجود الغيرة والمنافسة والشعور بالقلق أو الشك.

– تطوير روح المسؤولية وتوظيف حب السيطرة لديهم بالشكل الصحيح والشكل السوي فنمنحهم مثلا المسؤوليات ولكن بقدر لا يثقل على كاهلهم بل يعززهم ويقويهم.

في النهاية نقول: كثيرا ما نتساءل ما سر الفروق القائمة بين أفراد الأسرة الواحدة؟ لما وبالرغم من أن الأبناء يملكون نفس الأم والأب تختلف طباعهم وشخصياتهم وقدراتهم؟ ولعلنا اليوم أجبنا على جزء من الأسباب والتفسيرات للاختلاف بين أفراد الأسرة الواحدة فمع انهم ترعرعوا في نفس البيت ولنفس الوالدين فإن لترتيب الولادة الأثر الكبير على مميزات الشخصية خاصة أن نفس الوالدين يكونان ذوي أساليب مختلفة بنقاط زمنية مختلفة مما ينعكس بدوره على طبيعة شخصية الأبناء فالأم مع البكر ليس كما هي مع الاوسط وليس كما هي مع الأخير أو الوحيد أو حتى مع الذكر كما الأنثى وهذا ما يجعل الكثير من الاختصاصيين اليوم كجزء من التشخيص في العلاج والاستشارة المبادرة بالسؤال عن الترتيب والمكان في التسلسل الولادي لما فيه من دلالات على الفرد وشخصيته. وعن هذا الموضوع سنستمر في إبحارنا في عالم الأسرة في المقالات القادمة من زاوية “أنا وعائلتي”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى