أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةدين ودنيا

الإسلام في الهند.. تاريخ من الفتوحات والحضارة والعدل

لم تتوقف الفتوحات الإسلامية عند حدود قريبة من شبه الجزيرة العربية، بل تحركت جحافل الجيوش المسلمة إلى نقاط أبعد من ذلك بكثير، ليصل عسكر المسلمين إلى أماكن كان الخيال بعيدًا عنها، لكن الفاتحين أقاموا فيها وبنوا ممالكهم ودولهم وأسسوا لحضارات دانت لها الدنيا وأضحت هذه الممالك والدول قوةً عظمى يُحسب لها الحساب في موازين السياسة الدولية آنذاك.
الناظر للتاريخ والباحث به والمتبحر بين صولات الفتوحات وجولات الفاتحين، ربما يصيبه بعض الإحباط من حالة الأمة في هذه الأوقات مقارنةً بالحالة التي كانت عليها الدول الإسلامية في عصورها الذهبية على مر القرون الماضية، وكيف كانت إنجازات أسلافنا يشهد لها العالم من أقصاه إلى أقصاه، في الأندلس وأوروبا وبلاد السند والهند وصولًا للصين وغيرها من المناطق.
نتناول في هذا التقرير تاريخ الإسلام في الهند، وهو فاتحة ملفنا الجديد “الهند المسلمة”، وفي الوقت الذي تجد نفسك أمام تاريخ كبير للإسلام والمسلمين ونهضتهم وقوتهم في تلك البلاد من خلال البحث في الكتب والتقارير والأبحاث، تتوارد الأخبار هذه الأيام عن المجازر والاعتداءات المستمرة والمتكررة بحق أهلها المسلمين وتاريخهم ومنشآتهم بغية تحجيم دورهم وإقصائهم من قبل الهندوس بدعم حكومي فاضح.

تمهيد
منذ الفتح الإسلامي للهند كان المسلمون أمةً واحدةً رغم تبدل الدول الحاكمة واضطرابات الأوضاع السياسية في أحيانٍ كثيرة، وهنا نتحدث عن مئات الأعوام من الحكم الإسلامي للهند، إلا أنه ومع استقلال الهند عن الاحتلال الإنجليزي انقسمت إلى دولتين هما الهند وباكستان، وكانت بداية النزاع بين الدولتين على الكثير من القضايا العالقة كأزمة إقليم كشمير وجابو.
الآن يعدّ الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية بتعداد 154 مليون نسمة من أصل مليار ومئة وخمسين مليونًا وفقًا لإحصاءات عام 2008، وبهذا تمثل نسبة المسلمين في الهند 12% مـن مجموع السكان، وتعتبر الهند البلد الـ3 عالميًا من حيث عدد السكان المسلمين، ولا تتعدى نسبة الموظفين المسلمين في الحكومة الهندية الـ1%.
يتركز غالبية السكان المسلمين في الهند بولايات: أوتار باراديش وبهار وغرب البنغال ومهراشتره وكيرلا، ويعمل 70% منهم في قطاع الزراعة، والباقون موزعون على قطاعات الخدمات والتجارة والصناعة.
ينقسم مسلمو الهند إلى قسمين هما: مسلمو الشمال ويتبعون المذهب الحنفي ويتكلمون اللغة الأردية والبنغالية، ومسلمو الجنوب ويتبعون المذهب الشافعي ويتحدثون اللغة التامولية، إضافة إلى وجود مسلمين شيعة في بعض الولايات وبالأخص حيدر آباد، ويعاني المسلمون منذ دخول الإنجليز إلى البلاد ومن ثم الاستقلال ثم اضطهادات كبيرة وسوء معاملة من الحكومة والمجموعات الهندوسية المتطرفة، غير أن تاريخهم كان حافلًا بالقوة والعزّة في حكم تلك البلاد ونستطلع أهم المراحل التاريخية لوجود المسلمين في هذه المنطقة.

الدعوة الهادئة
قبل ظهور الإسلام كانت الهندوسية كبرى الديانات انتشارًا في الهند تليها البوذية، وكانت علاقات أهل الهند وثيقةً مع العرب لوجود التجارة المستمرة، إذ إن بحر العرب يربط بين بلدان شبه الجزيرة العربية وبلاد الهند، وكان العرب على خبرة بالمدن المهمة على سواحل الهند، وذهب التجار العرب إلى أبعد من ذلك، فقد أنشاؤوا جاليات صغيرة في خليج البنغال وبلاد الملايو.
كان للحركة التجارية العربية مع الهند أهميةً كبيرة في نقل الإسلام وتعاليمه منذ بداية انتشار الدين الحنيف، فتحدث التجار العرب بحماس عن الرسول الجديد ودعوته للعدل والمساواة وإنكار العبودية، في وقت كانت تعاني الهند من التفرقة والتشتت ونظام الطبقات الذي تقوم عليه الديانة الهندوسية، لتحدث المقارنة بين الديانتين ومبادئهما، ليجد الإسلام بالهند أرضًا خصبة للانتشار شيئًا فشيئًا، بحسب كتاب “تاريخ الإسلام في الهند” لكاتبه عبد المنعم النمر.
يذكر النمر في كتابه أنه وفي كل ميناء على أرض الهند أصبح هنالك جماعة مسلمة متصلة بالتجار الذين يأتون إليه، فبنوا المساجد وأقاموا الشعائر بحرية تامة، مستفيدين من منزلتهم عند الحكام في الوقت الذي كانوا يجدون بالتجار العرب أكبر عوامل رواج التجارة الهندية وتصريف البضائع مما كان يدر دخلًا وافرًا على هؤلاء الحكام.
حركة التجار وإدخالهم الدين إلى بعض أماكن الهند يعتبرها النمر حركات فردية قامت نتيجة نشاط تجاري قائم وتعتبر هذه الدعوة حركة سلمية هادئة، أما الحركات المنظمة فبدأت بالفتوحات زمن الخلفاء الراشدين الذين خاضوا معاركهم حتى وصلوا حدود الهند مع تقويض عرش كسرى وإخضاعه، ويقول النمر في كتابه إن أول تفكير بفتح الهند كان في عهد عمر بن الخطاب حينما قام واليه على البحرين وعمان، عثمان بن أبي العاص الثقفي، بإعداد الجيش ليوجهه إلى الهند، إلا أن الخليفة العادل لم يرضَ عن خطة الثقفي خوفًا وإشفاقًا على الجيش من ركوب البحر.

معارك الفتح الأولى
مع تولي عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة، أرسل حكيم بن جبلة الذي وصل إلى حدود الهند ووصفها لعثمان قائلًا: “ماؤها وشل وثمرها دقل” يعني الماء فيها قليل وثمارها رديئة، ويضيف بن جيلة عن صعوبة حال جيش المسلمين في حال وصل إلى الهند “إن قلّ الجيش فيها ضاعوا وإن كثروا جاعوا” فعدَلَ ابن عفان عن الفكرة، وفي عهد علي بن أبي طالب أرسل عددًا من القادة الذين خاضوا المعارك وعلى رأسهم الحارث ابن مرة البعدي.
بدأ المسلمون فتوحاتهم للهند في عهد ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي زمن الدولة الأموية، عندما سيطرة مجموعة قراصنة من بلاد السند وكان ملكها راجا داهر، على سفن للمسلمين في بحر العرب وعلى متنها رجال ونساء وبضائع وحمولات للتجارة، ما جعل الحجاج يعدّ حملتين عسكريتين لفك أسر السفن بمن فيها لكنه لم يصل إلى مبتغاه، ما أثار غضبه، وأقسم الثقفي بأن يفتح البلاد كلها، وبعد أخذه موافقة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، جهز جيشًا كبيرًا وأمر محمد بن القاسم الثقفي بقيادة الجيش.
نجح القائد محمد بن القاسم بعد معارك برية وبحرية عديدة في الوصول إلى شاطئ نهر السند، وهناك تقع عاصمة الملك راجا داهر، فدعا القائد المسلم الملك الهندي إلى الإسلام فرفض داهر تلك الدعوة، وما كان من الثقفي إلا أن أطلق معاركه ضده فقتله وانتصر عليه واستمر بفتوحاته حتى وصل عاصمة بلاد السند عام 90 للهجرة.
وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أرسل كتبًا ورسائل إلى ملوك وأمراء السند تدعوهم إلى الدخول في الإسلام على أن يتركهم في مناصبهم ويبقيهم ملوكًا، ليدخل الكثير منهم في الدين الحنيف ويتسموا بأسماء إسلامية.
عند وصول الخليفة هشام بن عبد الملك إلى سدّة الحكم، عيّن القائد الجنيد بن عبد الرحمن المري واليًا على السند ليكمل بدوره انتصارات أسلافه وخلال عامين بسط المري سيطرة المسلمين على كامل شمالي غربي الهند.
استقرت سيطرة المسلمين على ما هي عليه في الهند بعد زوال ملك بني أميّة، وبمجيء الدولة العباسية لم تشهد بلاد الهند فتوحات جديدة، إلا أن العصر العباسي الأول شهد ترسيخًا لبعض الممالك وتقوية لأركانها وظهورًا لبعض الحكام الأقوياء حتى جاءت الدولة الغزنوية، وبدأت أعمالها في مناطق الهند وما حولها.

الدول الإسلامية في الهند
الدولة الغزنوية
تعتبر الدولة الغزنوية المرحلة الثانية من عصر الفتوحات الإسلامية في الهند، وقد أطلق هذا الاسم على هذه الدولة نسبةً إلى مدينة “غزنة” وتقع حاليًّا في أفغانستان، ويعدّ مؤسس الدولة القائد سبكتكين أحد من ثبتوا ملك دولته وخاض المعارك وكون نواة دولته وحارب الكثير من الأمراء والملوك الهنود، وفي زمنه كانت سيطرة الدولة الغزنوية تشمل بلاد الأفغان وطاجيكستان.
خلف القائد المؤسس ابنه محمود الذي أنار عصرًا مليئًا بالفتوحات، فقد خاض معارك كبيرة وأثبت جدارة كبيرة في إدارة الدولة وتثبيت أركانها من بعد أبيه سبكتكين، فسيطر على خراسان وبلاد ما وراء نهر قزوين وعلى سهول البنجاب بما فيها مداخل الجبال وممر خيبر الشهير، وخاض معركة عظيمة على شمال الهند وانتصر فيها على العدو اللدود لأبيه الملك جيبال.
كما أن السلطان الغزنوي الابن سيطر على إقليم كشمير وعبر بجيوشه نهر الغانج وهدم نحو 10 آلاف معبد هندوسي، ليُخضع شمال شبه القارة الهندية بالكامل لراية الإسلام، ولم يستطع الأمراء الذين خلفوه أن يحافظوا على الدولة بعد وفاته لتسقط بيد الدولة الغورية.

الدولة الغورية
أقام الغوريون دولةً إسلاميةً راسخةً في الهند، كما أن السلطان شهاب الدين محمد الغوري خاض المعارك لمدة 30 عامًا، وقام الملك قطب الدين آيبك بفتح دلهي لتصبح عاصمة الدولة منذ ذلك الحين حتى الاحتلال الإنجليزي للهند، وخاض شهاب الدين معاركه ما بين البنجاب والبنغال، وكان السلطان قائدًا محنكًا وحاكمًا عادلًا، وعند وفاته انهارت الدولة الغورية وورثتها دولة المماليك.

الدولة المملوكية
نصب المملوكي قطب الدين أيبك نفسه سلطانًا على الهند وهو من سيطر على دلهي في عهد شهاب الدين الغوري، ودام حكم المماليك للهند 90 عامًا، خاضوا فيها المعارك والفتوحات الكبيرة، كما أنهم شيدوا العديد من مظاهر الحضارة في أرض الهند، وقد اهتم قطب الدين ببناء المساجد الكبيرة وشيّد منارة القطب، وقد انتهت دولة المماليك بقيام الدولة الخلجية عام 689 للهجرة.

الدولة الخلجية
سيطرت الدولة الخلجية على الهند بعد غروب شمس المماليك، وكان أول ملوك الخلجيين جلال الدين فيروز شاه المشهور بحسن السياسية والعدل، إذ أقام أركان دولة قوية استطاعت مواجهة المغول حينما هاجموا دولته، وهزيمتهم هزيمة ساحقة.
قُتل جلال الدين على يد ابن أخيه علاء الدين الذي جهز جيشًا قويًا وتصدى لحملة المغول الثانية وقضى عليهم، ولقب علاء الدين بـ”الإسكندر الثاني”، وبعد وفاته اختل أمر الدولة لتقع تحت سيطرة الدولة الطغلكية.

الدولة الطغلكية
أسس هذه الدولة السلطان غياث الدين طغلك تركي الأصل، واشتهر غياث الدين بأنه أنشأ نظامًا دقيقًا وسريعًا للبريد، وقوّى أركان الدولة وبعد وفاته خلفه ابنه فخر الدين المحب للعلماء، وفي عهده تولى الرحالة ابن بطوطة قضاء دهلي وبوفاة السلطان فيروز شاه آخر الملوك الأقوياء لهذه الدولة سقطت على يد تيمورلنك وسادت الفوضى في البلاد، وضعفت الدولة وتم تقاسمها على يد الملوك لتصبح عدّة دويلات، قبل أن تستظل الهند بحكم الدولة المغولية.

الدولة المغولية
تعتبر الدولة المغولية المملكة الأخيرة للمسلمين في الهند وهي الأطول حيث قامت في الفترة بين عامي 1525-1858م، ووصلت بذلك إلى أرقى مستويات الحكم الإسلامي في البلاد وتعاقب على الحكم في هذه الدولة الكثير من السلاطين أولهم ظهير الدين بابر مؤسس الدولة، ويعدّ العصر الذهبي لهذه الدولة في عصر السلطان أورنك ذيب عالمكير الذي كان من أعظم الملوك الفاتحين وأشرف على تأليف الموسوعة المعروفة بالفتاوى الهندية أو (العالمكيرية).
أما آخر سلاطين المغول فقد كان السلطان بهادر شاه الثاني الذي تولى الحكم في الهند عام 1838م، وسيطر الإنجليز في عهده على البلاد وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند الذين كانوا يتعاملون معهم كأنهم موظفون عندهم، وفي عام (1858م) قام المسلمون والهندوس بثورة عارمة قادها بهادر شاه الثاني ضد الإنجليز الذين تصدوا لها بقوة واستطاعوا القضاء عليها والقبض على قائدها. نُفي السلطان بهادر وسقطت دولة المغول الإسلامية وأُعلن تحويل الهند إلى مستعمرة بريطانية.
المسلمون تحت الاحتلال الإنجليزي
اندلعت الكثير من حركات التحرر الإسلامية ضد الإنجليز الذين احتلوا البلاد ونفوا سلاطينها المسلمين، وبعد تلك الحركات والثورات عمل البريطانيون على وتر الطائفية والمناطقية، كما أنهم حاربوا المسلمين عبر تمزيق وحدتهم، متبعين سياسة التجهيل ونشر التخلف والمرض، كما مُنع المسلمون من تولي المناصب الحكومية، وبالمقابل قربوا الهندوس والسيخ من مفاصل الدولة.
عمل الإنجليز بجميع مظاهر العداوة للمسلمين في الهند فهدموا المساجد وصادروا الأملاك والأوقاف، كما شارك الهندوس بهذه الأعمال، وما أعمالهم الانتقامية في هذه الأيام إلا امتداد لاعتداءات ذلك الزمن، فليس بالجديد على الهندوس التنكيل بالمسلمين والاستيلاء على أملاكهم، فقد شاركوا بريطانيا بهذه الإجراءات الإجرامية من قبل، حيث حل الهندوس مكان المسلمين.
عندما تقسمت شبه القارة الهندية، هاجر عدد كبير من المثقفين المسلمين وأصحاب الشأن إلى باكستان، وأدى ذلك إلى حدوث تغيير في البنية الاجتماعية للمسلمين، وأدى انسحاب هذه الطبقة إلى تردي أوضاع المسلمين في الهند.

مشكلات المسلمين في الهند
خلقت بريطانيا والهندوس الكثير من المشاكل للمسلمين، لعلّ أهمها النزاعات بين الهندوس والمسلمين التي كان من أعنفها أحداث آسام عام 1984 التي أسفرت عن مجازر راح ضحيتها آلاف المسلمين، وأحداث هدم المسجد البابري في 1992م حيث وقعت اشتباكات بين المسلمين وأعضاء حزب شيوسينا الهندوسي المتعصب سقط فيها الآلاف من كلا الجانبين.
المشكلة الثانية “الهوية الثقافية التي تشعر تلك الأقلية أنها مهددة بالذوبان في المجتمع الهندي الذي يغلب عليه الطابع الهندوكي”، يقول المسلمون الهنود إن الحكومة تحاول تكريس هذا الطابع في المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، لذا فقد بذلوا جهودًا كبيرةً من أجل الحفاظ على هويتهم الإسلامية، إلا أن ثمار هذه الجهود لا تصل إلى مستوى الطموح المطلوب، بالإضافة إلى انخفاض متوسط الدخل السنوي لمعظم أفراد الأقلية، وتصنيفهم ضمن الشرائح الاجتماعية الأكثر فقرًا، حيث يعيش أكثر من 35% من سكانها تحت خط الفقر.
بالمحصلة، فإنّ الوجود الإسلامي في الهند أصيل ومتجذر ولا يمكن تنحيته جانبًا أو تهميشه، ولئن كانت هذه الجولة لصالح سياسات ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند الحالي وزعيم حزب بهاراتيا جاناتا، الإقصائية والمتطرفة، فإن الرياح لا تجري دومًا كما تشتهي السفن، والأيام دول كما يقال.
المصدر: نون بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى