الحركة النسوية العربية
ليلى غليون
الحقيقة المرة التي فرضت نفسها على أرض واقعنا أن الجمعيات النسائية في عالمنا العربي أصبحت جزءً لا يتجزأ من القوى الفاعلة داخل مجتمعاتنا العربية مثلها كمثل المنظمات غير الحكومية والأهلية الأخرى.
وقد مرت الحركة النسوية العربية بثلاث مراحل بدءً من منتصف القرن التاسع للميلادي ونلخصها بما يلي:
1- المرحلة الأولى: وهي ما يسمى بعصر النهضة حيث زاد اختلاط العرب بأوروبا وانفتحوا على مدنيتها وثقافتها وأُرسل بعض النخب المثقفة للدراسة في جامعاتها مما أدى للانبهار بهذه المدنية الغربية، ثم لتقليد هذه المدنية وذلك في محاولة للخروج من حالة التخلف والأمية والفقر التي كانت سائدة في بلاد العرب وقد كانت الثقافة الغربية في هذه الفترة تتحدث عن المرأة وحقوقها وضرورة مشاركتها في الحياة العامة، مما أدى الى اهتمام المثقفين العرب بقضية المرأة. ومن شخصيات هذه المرحلة: رفاعة الطهطاوي، خير الدين التونسي، بطرس بستاني، فرح أنطون.
2- المرحلة الثانية: هذه المرحلة تبدأ من نهاية القرن التاسع عشر إثر صدور كتاب (المرأة في الشرق – لمرقص فهمي) عام 1894 والذي أحدث هزة عنيفة لأنه نقل موضوع المرأة وحقوقها إلى حلبة صراع مع المعتقدات الاسلامية، بالإضافة لصدور كتاب ” المرأة الجديدة” لقاسم أمين والذي دعا فيه علانية المرأة العربية لتقليد المرأة الاوروبية حتى تلحق بركب الحضارة والمدنية، وأما على المستوى العملي فقد تأسست في هذه الفترة الاتحادات النسائية التي شاركت في مؤتمرات عالمية للمرأة، وخرجت المرأة في المظاهرات ضد الاحتلال الانجليزي عام 1919 ونزعت المرأة الحجاب في تلك التظاهرة أو المسرحية إن جاز التعبير والتي كانت في مقدمتها هدى شعراوي لتخلع كل النساء المشاركات في التظاهرة الحجاب ويحرقنه في الميدان الذي سمي بعد ذلك بميدان التحرير، مما يدل على أن هذه المنظمات النسائية اصبحت جزءً من القوى المؤثرة على حركة المجتمع وبنائه الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي.
ومن أبرز رموز هذه المرحلة، قاسم أمين، هدى شعرواي، درية شفيق، سلامة موسى، أمينة السعيد، احسان عبد القدوس.
3- المرحلة الثالثة: وهذه المرحلة تبدأ من خمسينات القرن الفائت، ومع ازدياد الاحزاب التي تبنت الفكر العلماني، واتساع نفوذها واستيلائها على السلطة في العديد من البلدان العربية والتي كانت قد بدأت تتحرر من الاستعمار المباشر، والذي لم يرحل إلا بعد أن مكن الثقافة الغربية من العقول أي رحل بشكل صوري، حيث تمكن من تغريب مجموعة قيادية في المجتمع لتقوم بالدور المطلوب في تغريب المجتمعات الاسلامية، وقد ترجمت في هذه الحقبة إلى العربية العديد من الكتب اليسارية الماركسية حول تحرير المرأة مثل كتاب (الجنس الآخر) وكتاب (لينين والمرأة) وكتاب (الحب والحضارة) وكتاب (الثورة الجنسية) وكتاب (الاشتراكية والمرأة) وغيرها… ممن أدى إلى انتقال هذه الافكار إلى المجتمعات، لتسود أجواء الشك في الدين والقيم ويعم التبرج، وينعت الدين والتقاليد بالرجعية والتخلف، لا بل واتهم الدين بأنه السبب المباشر في دونية وتخلف المرأة واضطهادها، ويمكننا القول أنه في هذه المرحلة انتقلت حركة تحرير المرأة من مرحلة التأثر بالنموذج الغربي إلى جعل هذا النموذج ايديولوجيا وعقيدة للمرأة.
وفي العقد الأخير من القرن العشرين والذي يعتبر نهاية هذه المرحلة وحتى يومنا هذا ازداد اهتمام الحركات النسوية المتطرفة بدراسة مفهوم (الجندر) الذي يتنكر لطبيعة الأنثى وخصوصياتها، وينادي بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل مجالات الحياة، وأن المرأة لم تخلق امرأة بل تم تصنيعها امرأة من قبل المجتمع، فلا يوجد ذكر ولا توجد أنثى بل هناك نوع واحد، أي أن الرجل والمرأة نوع واحد على اعتبار أن الفروقات البيولوجية والطبيعية بين الرجل والمرأة هي فروقات اجتماعية خاضعة لنظرية التطور، وهي ليست طبيعية فطرية، وفي هذا الكلام اثبات لنظرية داروين التي تقوم على أساس التفسير التطوري للبشر بمعنى أن كل اشكال الحياة الموجودة اليوم، اشكال مرحلية قابلة للتغير مع الزمن.
ومن أبرز شخصيات المرحلة الثالثة: نوال السعداوي، فاطمة المرنيسي، محمد شحرور، هشام شراي وغيرهم كثيرون انتشروا في أوطاننا الاسلامية بطولها وعرضها كالأخطبوط يسوقون نفايات الغرب وانحرافاتهم، يحاربون الفطرة ويشهرون سيوفهم أمام الفضيلة، تجرأوا على القيم والعقيدة والاسلام، تجرأوا على كتاب الله، تجرأوا على رسولنا صلى الله عليه وسلم بل تجرأوا والعياذ بالله على الذات الالهية (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا).
الأفكار التي تسوقها الجمعيات النسوية
باسم حقوق المرأة العربية
1- التشكيك في صحة الدين وذلك عن طريق اثارة الشبهات التالية:
* ان الدين سبب في تكريس دونية المرأة بسبب آية القوامة (الرجال قوامون على النساء)، (وللرجال عليهن درجة) وكذلك بسبب القسمة في الميراث (للذكر مثل حظ الانثيين)وبسبب شهادة المرأة التي تعدل في بعض الأحيان نصف شهادة الرجل (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) وكذلك بسبب آية التعدد (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ثم بسبب وجوب ستر المرأة لبدنها .
2- اثارة قضية مفادها: لماذا يشير القرآن الكريم الى لفظ الجلالة (الله) بضمير المذكر دون ضمير المؤنث – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-.
3- تحيز الخطاب القرآني للذكور على حساب الاناث وجعل الضعف والأذى من نصيب الانثى بينما اعطي الرجل القوة والسلامة (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).
4- الاجتهاد بدون مجتهدين: أي الدعوة الى الاجتهاد بغير ضوابط اصولية معروفة عند العلماء ومذاهب المسلمين او بعبارة اخرى الدعوة لقراءة جديدة معصرنة للإسلام وهي قراءة علمانية تقوم على ليّ اعناق النصوص بما يتلاءم مع اهوائهم ومصالحهم وقد تم فعلا اصدار تفسير للقرآن الكريم من وجهة نظر نسوية قامت على اصداره المدعوة (لا لا بختيار) -وهي امريكية من أصل ايراني كانت تدرس مادة الدين الاسلامي في جامعة ” شيكاغو”.
5- المساواة المطلقة: ومن ضمن الافكار التي تسوقها هؤلاء النسويات باسم حقوق المرأة العربية دعوتها للمساواة المطلقة وذلك على خلاف ما هو منصوص عليه في الشريعة كالمساواة في الميراث، والمساواة في الطلاق، والمساواة في الانفاق على الأسرة (ويصير تبعا لذلك الزام المرأة ان تخرج من البيت للعمل حتى تحصل على لقمة العيش)، المساواة في الحياة الجنسية (وتشمل منع الرجل من تعدد الزوجات وحرية المرأة في الارتباطات الجنسية، وحريتها في مباشرة عقد الزواج من غير الحاجة لولي)، المساواة في السكن والسفر من غير الحاجة لإذن الزوج او ولي الأمر، المساواة في حق الطاعة بمعنى الغاء القوامة.
وحتى تتمكن الحركة النسوية من الوصول الى المساواة المطلقة اقترحت احدى النسويات المغربيات ان يتم فصل المرأة عن المواضيع الدينية، لأن موضوع المرأة من وجهة نظرها موضوع اجتماعي خاضع لتطور الزمان والمكان ويجب ان يفهم ويعالج على هذا الاساس، ومما قالته ناشطة أخرى: لا يمكن مثلا ان نتكلم عن مجتمع حديث عصري يضمن حقوق المرأة ويقبل في الوقت نفسه بتعدد الزوجات بحجة ان هذا التعدد قد نص عليه الشرع.
6- الهمز واللمز على معنى المهر على أنه ثمن المرأة.
7- ملكية المرأة لجسدها: فمن الأمور التي تثيرها الحركات النسوية، الحديث الدائم عن الحرية الشخصية في كافة المجالات، فالمرأة حرة في العمل، حرة في اختيار الزي (وهذه كذبة كبيرة لأن المرأة عندهم عندما تختار الجلباب والحجاب تسقط هذه الحرية)، حرة في الانجاب وعدمه، وهي حرة عند الحمل في تقرير مصير جنينها بأن تبقيه في أحشائها أو تقوم بإسقاطه، ليصل الاستخفاف بالعفة والشرف واعتبار الغيرة على الشرف عاطفة برجوازية ووصاية مرفوضة من الرجل على المرأة.
تقول احدى النسويات الناشطات: تعود غيرة الرجل على شرف العائلة الى عاملين اساسيين أو لهما: فكرة ان المرأة من ممتلكاته، لا يحق لاحد الاقتراب منها، وان المرأة مملوك مدفوع الثمن (بالمهر) ليس لها حق التصرف بنفسها خارج ارادة الرجل.
وثانيهما: تحديد شرف البنت كلية في احتفاظها بعفتها الجسدية.
ان هذه دعوة صريحة للانحلال واشاعة الفاحشة والدمار الخلقي الرهيب، بل ان هذه الافكار التدميرية التي تفتقت عنها العقلية النسوية لم تعد مجرد افكار عششت في عقول شاذة، ولا مجرد أماني لا تزال في قلوب هؤلاء النكرات، ولا هي مقررات لا تزال حبراً على ورق، بل صارت الآن في مرحلة التنفيذ، فالمساعي حثيثة لإحداث انقلاب قيمي اخلاقي ثقافي، وتوصيات المؤتمرات العالمية للمرأة برعاية الأمم المتحدة يتم تمريرها والعمل بموجبها في مجتمعاتنا، وهذه الخلايا السرطانية تسري في قلب واقعنا وتنشط في وسطنا بصورة غير مسبوقة، فماذا نحن فاعلون ؟
هذا ما سنجتهد ان نتناوله في مقال الاسبوع القادم ان شاء الله.