أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الإيمان رأس المال

سوسن محمد مصاروة
عندما تُبلى ثيابنا أو عندما تحتل الموضة الجديدة الأسواق نسارع لشرائها، وإذا ملّلنا من السيارة القديمة سارعنا لتجديدها، وإذا انتهت صلاحية الهاتف رغم ذكائه نسعى لاستبداله، لمَ كل هذا؟
لنواكب العصر، لنكون مع الحضارة التي تتقدم بشكل رهيب.
نعم لهذا التقدم، والتطور والتجديد، ولكن كل هذا للدنيا وشهوات النفوس!!
ماذا مع الآخرة؟ كيف هو حال إسلامنا وإيماننا وأخلاقنا؟ كيف حال إيماننا مع تلك الموجات الإلحادية والدعوات إلى الشذوذ والحرية اللامتناهية والعريّ وسيِّء الأخلاق؟ هل نحنُ ثابتونَ على العقيدة؟! أم في ثوابتنا دَخَن!!
“إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. هذا التجديد يأتي بعد مرحلة من الضياع والضعف الشديد في الأمة الإسلامية. لذا وجب علينا التجديد، قال عليه السلام “إن الإيمان يخلق (أي يبلى) في القلب كما يخلق الثوب، فجددوا إيمانكم”، ولما أعاد عليهم الكلام فقال “جددوا إيمانكم، قالوا: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال لهم-بلهجة المحبّ المشفق على ما سيصيبنا من بُعدٍ عن الله وابتلاءات وضعفٍ في بناء الأمة وبناء الشخصية: أكثروا من قول لا إله إلا الله”.
نعم، إنها لا إله إلا الله التي بها يرتفع البنيان وتقوى الأركان.
وعندما نتحدث عن التجديد لا نتحدث عن تغيير الثوابت الشرعية والقواعد الأصولية، وإنما التجديد هو محاولة العودة بالدين أو الإيمان إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر بحيث يبدو مع قِدَمه كأنه جديد وذلك بتقوية ما وهَن منه، وترميم ما بَلي، ورتق ما انفتق، حتى يعود أقرب ما يكون إلى ما كان.
أفكارنا، عباداتنا، مشاعرنا، أعمالنا، أخلاقنا، كل هذا متغيرات تزيد وتنقص، تضعف وتقوى وهذا المعنى هو الذي يقبل التجديد.
الدين هو إسلام وإيمان وإحسان بدليل حديث جبريل عليه السلام الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي الله، فأول مراتب الدين الإسلام بأركانه الخمسة، فإذا نقص إخلاصه وعمله ومشاركته واهتمامه بأمر المسلمين، يكون إسلامه إسلامًا أعرابيًا قد يعتريه النفاق “قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ” الحجرات14.
فإذا سَما بالإخلاص والصدق والعمل الصالح والخُلق الحسن فإنه يرقى إلى مرتبة الإيمان وهؤلاء الذين خاطبهم بقوله “يا أيها الذين آمنوا”، فإذا ارتقى بالهمّة العالية وتمام الإقبال على ذكر الله تعالى، وكمال الخلق وسلامة القلب، وصل إلى درجة الإحسان، والتي عناها جبريل عليه السلام “أنْ تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” ومنه الإحسان إلى الناس، ومنه إحسان العمل وإتقانه
هذا المفهوم غاب عن المسلمين فقعدوا عند العتبة الأولى واكتفوا بالصلاة والصيام والزكاة والحج لم يحاولوا التقدم والارتقاء في مدارج الإيمان والإحسان ليلامسوا حب الله والشوق إلى لقياه والسعي الدؤوب لنصرة دينه.
الإيمان عَقد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان، الإيمان كالنهر له روافد وشُعب تصب فيه فتقويه، من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
الإيمان مَن لم يتذوقه خسر، “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا”، الإيمان يزيد بالطاعات وبمصاحبة الصالحين وينقص بالمعاصي والذنوب ومخالطة الغافلين، الإيمان يُتعلم بالقلب وبه يؤتى، قال جندب رضي الله عنه: (تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا). الإيمان يبلى ويتلاشى ويصيبه الخلق جراء الغفلة عن الله “… فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم”، ولا أعني تجديد الإيمان بتكرار كلمة التوحيد وترديدها على اللسان فقط، بل نحن بحاجة أن نفهم معناها وتتلذذ بطعمها وتتعلم أسرارها لتتذوق حلاوتها وما تخبؤه لنا من النعيم.
نحن بحاجة أن ننتبه لأنفسنا، علينا أن لا نبحر في بحار الدنيا ونبتعد عن الشاطئ فلا نستطيع العودة، واجبنا أن نمسك البوصلة كي نعود متى شئنا، إنها الدنيا التي ألقت بظلالها على الناس فأبعدتهم عن الخالق سبحانه فضعُف الإيمان.
قال الإمام الحسن البصري: “تفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم؛ وإلا فاعلموا أن الباب مغلق”. فهل أغلقتَ بابك أم ما زال الأمل في التجديد قائمًا؟!
علينا أن نبحث ونسأل كيف نجدد إيماننا خاصة أن الفساد قد استشرى والباطل قد انتفش.
لذلك علينا أن نبحث عن الدواء الذي يُصلح القلوب، يقول الإمام ابن الجوزي: “يا مطرودًا عن الباب، يا محرومًا من لقاء الأحباب، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك فانظر فيما يستخدمك، وبأيِّ الأعمال يشغلك، كم عند باب الملك من واقفٍ، لكن لا يدخل إلا من عني به، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحَر “.
نتذكر قول سفيان الثوري: “ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل”.
التواصل مع الله سبحانه هو سر الوصول، الظاهر لا يعني شيئًا إذا كان الباطن مشغولًا بغيره، قلناها ونكررها فالتكرار يفيد الإقرار، نحن بحاجة لمن يعمل لا مَن يرفع الشعارات، نسعى لأن يكون ظاهرنا كباطننا، نسعى للسمُو والارتقاء، في بيوتنا أن تكون إسلامية، وأبناؤنا أن يكونوا أفرادًا صالحين. علينا أن نكون شامةً بين الأمم نتميّز بأخلاقنا وقيَمنا، بانتمائنا لهذا الدين، وثوابتنا في هذا الوطن، بعزتنا ورفعتنا في الدنيا والآخرة.
فإذا سادت الأخلاق سُدنا واستطعنا الانتصار على كل المؤامرات التي تُحاك لنا وإلا بقينا على ذات الحال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى