أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ثوابتنا المنتصرة في مواجهة رهاناتهم الخاسرة

الشيخ رائد صلاح
كم عجبت لوَهْم ذاك أو تلك الذين راهنوا على إمكانية شطب ثوابتنا واقتلاعها من فكرنا وسلوكنا، وراحوا يدّعون أنهم قد انجزوا إنجازا تاريخيا كبيرا، قبل أيام، عندما ثار نقاش حامي الوطيس في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني عبر صفحات التواصل حول الشذوذ الجنسي، وراحوا يدعون أن هذا النقاش يكفي أن يكون مقدمة – وفق حساباتهم – لتقبل الشذوذ الجنسي في المستقبل، وإن أظهر هذا النقاش أن الغالبية العظمى من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني يرفضون الشذوذ الجنسي لأنه يصادم ثوابتنا، ولم يعرب إلا الشواذ النادر عن تقبلهم للشذوذ الجنسي!!
إن هؤلاء الذين يظنون أن هذا النقاش سيمهد الطريق للإطاحة بثوابتنا، ولتقبل الشذوذ الجنسي هم واهمون وهم جاهلون، وهم أصحاب رهان خاسر، ولن يجنوا إلا الحسرة التي ستأكل أكبادهم في قادمات الأيام وإن أنفقوا كل أموال صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية والكندية ومن يدور في فلكها في كل الأرض، في إعلان حربهم على ثوابتنا، لأنهم لو درسوا طبيعة هذه الثوابت لوجدوا أنها ثوابت إسلامية عروبية فلسطينية، ولا تزال حية نابضة بالتحدي في ضمير الأمة الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني، ولا تزال عاملا موحِّدا عابرا للحدود واللغات بين أبناء هذه الدوائر الثلاث: الإسلامية والعربية والفلسطينية، وما ماتت عبر تاريخنا الطويل، ولن تموت اليوم، ولن تموت في المستقبل حتى قيام الساعة!! ولو درسوا محطات معركة هذه الثوابت مع أعدائها لوجدوا أنها انتصرت في كل هذه المعارك على كل أعدائها بالضربة القاضية ولو بعد حين، حتى في أشد لحظات الضعف المادي التي اعترت الأمة الإسلامية والعالم العربي ذات يوم؟ وعلى سبيل المثال بنى الفاطميون في أوج قوتهم الجامع الأزهر بمصر، وكان هدفهم من وراء ذلك هو إعداد جيل من العلماء وفق مقاساتهم لنشر فكرهم الباطني في مسيرة الأمة الإسلامية والعالم العربي. وكانت النتيجة أن انقلب السحر على الساحر، وإذ بالجامع الأزهر يتحول مع الأيام من مقر لنشر الفكر الباطني إلى منارة علم لنشر علوم القرآن والسنة واللغة العربية، ثم إذ بالجامع الأزهر يتحول إلى حاضنة عالمية لكل علماء القرآن والسنة واللغة العربية، وإذ بهذه الحاضنة تعد عشرات الآلاف من العلماء الذين كانوا ولا يزال لهم الدور البارز في معركة ثوابتنا منذ مئات السنوات، وإذ بهذه الحاضنة تؤلف بمداد هؤلاء العلماء مئات آلاف الموسوعات والمجلدات والرسائل انتصارا للقرآن والسنة واللغة العربية، ما يعني الانتصار لثوابتنا. وسلفا أؤكد أن الشخصية الاعتبارية للجامع الأزهر ستبقى تحمل هذا الدور على الرغم من تعثره المؤلم المؤقت في هذه الأيام.
ثم على سبيل المثال أنشأ مصطفى كمال اتاتورك بعد انقلابه على الخلافة الإسلامية وكالة أناضول، وكان هدفه أن تلعب هذه الوكالة دورا في بث فكرة اللا إسلامي واللا عروبي؛ ذلك الفكر الذي كان يصب في مصلحة الماسونية العالمية والصهيونية العالمية والصليبية العالمية والوثنية العالمية والباطنية العالمية. ولكن بعد مرور عشرات السنوات انقلب السحر على الساحر، وإذ بهذه الوكالة التي باتت يتردد اسمها يوميا في الوقت الحاضر، وإذ بهذه الوكالة تتحول اليوم إلى حاضنة إعلامية عالمية تجمع بين هموم أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني، وتعلي صوت طموحات كل شعوبنا المسلمة والعربية والفلسطينية. ومن يتابع خطاب هذه الوكالة اليوم يقف على مصداقية ما أقول!!
ثم على سبيل المثال هذا الاحتلال الإيطالي احتل ليبيا وأفنى حياته لشطب ثوابتنا وعربيتنا في ليبيا، فثار في وجهه عمر المختار وانتصرت ثوابتنا وعربيتنا على إيطاليا. وهذا الاحتلال الفرنسي احتل الجزائر وبذل كل جبروته لشطب ثوابتنا وعربيتنا في الجزائر، فصاحت فيه ثورة المليون شهيد وانتصرت ثوابتنا وعربيتنا على فرنسا. وهكذا كان مصير هذا الاحتلال أو ذاك الذي احتل المغرب وتونس وموريتانيا ومصر والسودان وسوريا والعراق وسائر الدول المسلمة والعربية؛ حيث انتصرت ثوابتنا وعربيتنا على كل احتلال في كل هذه المعارك. وكم ذاق أعداء ثوابتنا وعربيتنا مرارة الحسرة وكادوا يطقون من غيظهم عندما منعوا رفع الأذان من على مساجد تركيا على مدار خمسين عاما ويزيد، وكان المؤذن التركي ملزم خلال كل هذه السنين أن يرفع الأذان باللغة التركية فقط، وظن هؤلاء الأعداء الأغبياء المغرورون أنهم قد انتصروا على عربيتنا لغة القرآن في تركيا وأنهم أنسوْا الشعب التركي نداء الأذان بالعربية وشطبوه من ذاكرته، ولكن ما أن جاء عدنان مندريس، وما أن أمر بإعادة رفع الأذان في كل مساجد تركيا باللغة العربية، وما أن ارتفع الأذان لأول مرة بعد خمسين عاما باللغة العربية في مساجد تركيا وإذ بالشعب التركي يخرج عن بكرة أبيه ويسجد في الشوارع!!
وهاكم طابور القوى الاحتلالية الدموية الغشومة التي فتلت عضلاتها وحشدت شرها لشطب ثوابتنا وعربيتنا في القدس والمسجد الأقصى؛ أين هي اليوم؟ لقد زالت واندثرت وبقيت القدس والمسجد الأقصى، وهكذا سيزول الاحتلال الإسرائيلي وسيندثر، وستبقى القدس والمسجد الأقصى!!
من أين ينبع كل ذلك؟ من حقيقة أن ثوابتنا وعربيتنا ذات مناعة أبدية، وذات قدرة ذاتية كامنة فيها قادرة على الانتصار في كل معركة، وإن قالت الحسابات المادية غير ذلك. وكل من يراهنون على غير ذلك هم خاسرون ولو بعد حين، وستحرقهم نار الندم التي ستتأجج في صدورهم ولو بعد حين، مما يجعلني أقول: إن الذين يراهنون اليوم على شطب ثوابتنا أو أصل من أصولها هم خاسرون! والذين يراهنون اليوم على شطب عربيتنا هم خاسرون!! والذين يراهنون اليوم على أي فرس رهان تصادم ثوابتنا وعربيتنا هم خاسرون!! سواء راهنوا على فرس إشاعة الشذوذ الجنسي، أو راهنوا على فرس صفقة القرن، أو فرس صفقة التطبيع، أو فرس صفقة الضم والترحيل، أو فرس الأسرلة، أو فرس التدجين، أو فرس الأمركة؛ كلهم خاسرون. وقد بات واضحا جليا أن كل أفراسهم تربت في إسطبل واحد، وتنضح من كأس واحدة!!
نعم كلهم خاسرون، والبقاء ليس للأقوى، إذ ماذا قد يفيد الباطل قوته عندما يأذن الله تعالى بزواله مهما تنمّر في الأرض وأغرقها بالدماء وسعى فيها فسادا؟ إن البقاء للحق. ولأن ثوابتنا وهويتنا هي الحق، فهي المنتصرة على كل عدو وعلى كل باطل. والمطلوب منا أن نكون قدر الحق الذي يدمغ الباطل فإذا هو زاهق، منتصرين لكل ثوابتنا وعربيتنا مهما ضاقت واستحكمت حلقاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى